الجميل للفنّ في الدراما التونسية لهذا الموسم! ولعلّ الاستثناء الوحيد الذي يخفّف عنا وطأة الخيبة المريرة بسبب إخفاق مسلسلاتنا في حبس أنفاسنا هو نعمة ظهور أهل المسرح على شاشاتنا!
دائما ما يثبت الفنانون المسرحيون أنهم وحدهم القادرون على إغراقنا في بحر من الأحاسيس متلاطم الأمواج و توريطنا في اللعبة الدرامية لنندمج في قلب الأحداث والحكاية. وهذا ما أكدته مسلسلات رمضان على تنوّع سياقاتها ومداراتها وعلى اختلاف عناوينها ومضامينها…
عيسى الحراث والدرس الكبير
«أعتذر من المتفرج، نحسّ إني مقصر برشا في أداء الدور... عمري اليوم 77 سنة وأقاوم المرض... سامحوني على الأداء اللّي ناقص». كلمات قالها الفنان الكبير عيسى الحراث على موجات إذاعة موزاييك ومضى! ولكن اعتذاره من المتفرجين زادهم هيبة ووقارا في عيونهم وقلوبهم. لا أحد انتقد أداء عيسى الحراث في مسلسل «قلب الذيب» الذي تبثه التلفزة الوطنية مباشرة بعد الإفطار بل على العكس استحسن الجميع ظهوره الذي يملأ الفراغ من حوله و يجعل الشاشة تفخر بهذه القامة العملاقة فنّا وتاريخا وعطاء... وبالرغم من ذلك لم يتوانى هذا الفنان القدير الذي تحبّه الكاميرا ويحترمه الجمهور على الاعتذار من شبهة تقصير في أداء الدور، في الوقت الذي يتباهى فيه أشباه الممثلين ونصف الفنانين بأدوار غير موّفقة وأداء غير مقنع !
لأن الاعتذار من شيم الكبار واحترام الجمهور مذهب وعقيدة عند أهل المسرح فقد اعتذر عيسى الحراث علنا رغم أنه ورفاقه من المسرحيين على غرار فتحي الهداوي ودليلة مفتاحي ولطيفة القفصي وطاهر عيسى بالعربي...هم من نقاط القوة في مسلسل «قلب الذيب» ولولاهم لكان شأن هذا العمل أقل بكثير!
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
المسرح يحفظ كرامة الدراما التلفزية
هنا وهناك، من عمل رمضاني إلى آخر يفتك المسرحيون زمام الأمور ومقود التأثير ليحتلوا دائرة الضوء التي تشد انتباه المشاهد إلى لقطات دراما. في مسلسل «نوبة» في جزئيه الأوّل والثاني راهن المخرج عبد الحميد بوشناق على وجوه مسرحية بالأساس لكسب الرهان ونيل رضاء الجمهور. وقد أبلى هؤلاء الفنانين البلاء الحسن على غرار كمال التواتي ومهذب الرميلي وفتحي الهداوي والشاذلي العرفاوي وهالة عياد والبحري الرحالي... بعد أن تمرسوا على فن الممثل وخبروا أبجدياته وأسراره طويلا على خشبة المسرح فأرسوا بمسلسل « نوبة» على بر الأمان.
في مسلسل «العميل 86» على قناة قرطاج + اكتسح المسرحي معز القدير شاشة مسلسل الأكشن ليلاعب المتفرجين على أوتار التشويق وشد الأعصاب.
ولعلّ هذا التفوّق والتألق للمسرحيين في الدراما التلفزية ،قد يعيد حسابات البعض بأن محترفي الفن الرابع هم الأقدر على الإقناع والإمتاع وبأن خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بكل من تونس والكاف هم الأحق بمنحهم فرصة الظهور وإثبات الذات لأنهم لا يلهثون وراء الشهرة والثروة بل يحملون هاجسا فنيا وذوقا جماليا غايته إسعاد الجمهور أولا وقبل كل شيء.
لقد تبيّن بالدليل القاطع أن الدراما التلفزية لا تحتاج إلى وجوه منحوتة وقوام رشيق وعضلات مفتولة... بقدر ما تشتاق إلى ملامح تجيد تقمّص الانفعالات والحالات وجسد يحسن التعبير والتأثير !