من أجل تنتصر غريزة البقاء. وقد حاولت تونس تطويق نفسها بحزمة من الإجراءات للخروج من الأزمة بأقل الأضرار، لكن يبقى التعويل على وعي كل فرد منا لإنقاذ نفسه وإنقاذ غيره وبلده. وفي هذا السياق تأتي الحاجة ماسة إلى الفنان والمثقف والمبدع ... وكل من له جمهور غفير وصوت مسموع أن يضطلع بدوره الطبيعي في التوعية والتحسيس والتأثير على الناس من أجل الإرساء على بر الأمان.
كل العالم صخب وقلق وبحث عن سبل النجاة وقد حاصره الموت من كل حدب وصوب ومن واجب الفنان والمبدع عموما مساعدة البشرية على الاستمرار والحياة. فأين هم فنانو تونس من هذه المسؤولية التاريخية؟
شاكرة رماح وتوفيق العايب في فلم قصير توعوي
لئن تعطلت عروض السينما والمسرح وكل الفنون في القاعات بسبب الكورونا، فإن شاكرة رماح وتوفيق العايب اختارا أن يكونا بطلاين في فلم تحسيسي لتوجيه ومضة توعوية على طريقة السينما وبعيون عدسة الكاميرا حتى يكون لذلك تأثير على المتلقي والمتفرج عن بعد من خلال شبكة الأنترنات. وهذا الفلم القصير جدا و الذي لا يتجاوز الدقيقتين من إنتاج «سكاي لايت برود» وإخراج أسامة عزي.
ويتحدث هذا الفلم عن عائلة تونسية تضطر لإقامة حفل عيد ميلاد ابنتها في المنزل ودون مدعوين بسبب غلق المطاعم ... وعندما تظهر على الأم (شاكرة رماح) أعراض يشتبه في أنها علامات «كورونا» يطلب منها زوجها العزل الذاتي إلا أنها تصر على الإعلام عن حالتها وهي بذلك توجه رسالة إلى المجتمع بألا يخفي أفراده الإصابة بهذا المرض المعدي لأن «سلامتك وسلامتي مسؤوليتنا الكلّ».
نداء من المسرحي حافظ خليفة العائد من إيطاليا بعدم الاستهتار
في القراءة والمطالعة يقضي المسرحي حافظ خليفة وقته في بيته بعد أن التزم بالحجر الصحي بعد عودته من إيطاليا. ولم يكتف هذا الفنان بأن يكون واعيا في فرض العزلة عن عائلته توقيا من المرض والتسبب في الضرر للوطن، بل توّجه بنداء عبر صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي أطلق فيه صيحة فزع للتوقف عن الاستهتار بالوضع وممارسة الحياة بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يكن ! وفي هذا الفيديو التحسيسي قال المخرج حافذ خليفة:» كفانا استهتار ومزاحا واستخفافا بالأمور.... لقد عدت من هناك، وكنت شاهد عيان على كارثة إيطاليا وشاهدت بأمّ عيني شعبا سجينا في بيوته والموتى يتساقطون كالذباب والطرق خالية كمدن الأشباح... إن الوضع في إيطاليا حقيقة كان لهوله فوق الوصف وأكبر من خيال الأفلام. فرجاء كفوا عن الاستهتار والتزموا بالحجر الصحي والزموا بيوتكم حتى لا يكون مصيرنا كإيطاليا».
التبرّع واجب تجاه الوطن والجمهور
بعد أن تعطلت شرايين الحياة الفنية والثقافية إكراها واضطرارا... من الطبيعي أن يتأثر الفنان الممارس للمهنة بهذه البطالة المؤقتة سواء نفسيا أو ماديا. لذلك قد لا نطالب بعضهم بالتبرع لحساب الصحة وكثيرون منهم لم يتقاضوا أجورهم ومنح دعم حفلاتهم وحتى المقابل المادي لجوائزهم الوطنية بعد ! طبعا يقدر الكثيرون -سيما من أصحاب لقب»النجوم» على المستوى العربي- وهم أصحاب الثروات الطائلة على التبرع لبلدهم وشعبهم... ولكنهم لم يفعلوا إلى حد اللحظة !
ومن الأنباء الإيجابية التي تثلج الصدر زمن الأزمة، أنه من هنا وهناك ، تصاعدت أصوات عدد من الفنانين بضرورة التبرع بما أمكن وإلى من استطاع إليه سبيلا ! فمثلا اقترح الفنان التشكيلي عمر كريم أن يتبرع كل فنان تشكيلي بثمن بيع لوحة أو عمل فني لصالح «صندوق مقاومة وباء كورونا» الذي أحدثته وزارة المالية.
وعبر عواصم العالم، لم يقف الفنانون والمبدعون يتفرجون والبشرية من حولهم تواجه تهديد الهلاك... بل حاولوا على طريقتهم حماية الأرواح والحياة على كوكب الأرض. وقد لاقت المبادرة الطريفة للفنان السوري ياسر العظمة تجاوبا كبيرا حيث أعاد نشر أغنية قديمة أداها في مسلسل «مرايا 86» قبل أكثر من ثلاثين عاما تختزل نصائح الواقع الحالي من ضرورة تجنب المصافحة واللمس لتجنب عدوى الكورونا. و تقول كلمات الأغنية الكوميدية: «لا تصافحني بنوب لا تلمس يدي... يمكن في عندك ميكروب واللمس بيعدي...».