بقوّة هذه المقولة لجبران خليل جبران ونحن نستمع بعجب وعتب إلى نائب البرلمان خالد الكريشي وهو يقترح تحويل اعتمادات وزارة الشؤون الثقافية لصالح وزارة الصحة!
أمام ميكرفون برنامج «ميدي شو» على موجات إذاعة موزاييك، جلس، أمس، رئيس لجنة الصحة بمجلس نواب الشعب خالد الكريشي للحديث عن موضوع الساعة « وباء الكورونا».فقال من بين ما قال بأنه «من الواجب تحت عنوان التضامن الاجتماعي وضرورة التضحية إحالة ميزانية المهرجانات إلى وزارة الصحة طالما أن وزارة الشؤون الثقافية قد ألغت التظاهرات الفنية والثقافية».
وقد غاب عن ذهن حضرة النائب المحترم أن وزارة الشؤون الثقافية لم تلغ أيّا من مناسباتها سواء أتعلقت بالتظاهرات الوطنية الكبرى أو المهرجانات الدولية في الجهات بل أعلنت عن تأجيلها إلى مواعيد لاحقة. وقد تمّ التنصيص على هذا الأمر جيدا في بيانات واضحة ودقيقة لا تحمل أي لبس ولا تحتمل التأويل!
وليست هذه المرّة الأولى التي تتم الإشارة صراحة أو تلميحا إلى النية في «استنزاف» ميزانية الثقافة بدعوى «أن مال المهرجانات والتظاهرات الفنية تبذير بلا منفعة». وكثيرا ما زاغت العيون نحو الخزينة العليلة والهزيلة لوزارة الشؤون الثقافية، وأسال مالها القليل لعاب الانتهازيين بالرغم من أنها لا تتجاوز سقف 1 %من الميزانية العامة للدولة!
وسبق أن صدر مثل هذا الاستهتار بدور الفكر في تغيير مصير الشعوب، وهذا الاستخفاف بقدرة الفن على إذابة الجليد عن العقول والنفوس عن الكثيرين وحتى عن بعض الشخصيات المعروفة. أمّا أن يقول خالد الكريشي ما قال وهو الشاعر والقاص قبل أن يكون النائب في البرلمان، فذلك مدعاة للاستغراب أو الاستنكار وقد جاءت الطعنة في ظهر الثقافة من قبل أحد المنتسبين إليها وأحد أبنائها! ربما كان من المفترض أن يأسف خالد الكريشي الكاتب لتأجيل معرض تونس الدولي للكتاب وأن يتحسر بوصفه ينظم الشعر لتأجيل أيام قرطاج الشعرية... لكنه لم يفعل بل طالب بتحويل ميزانية هذه التظاهرات الوطنية التي تحظى بسمعة دولية إلى وزارة الصحة !
ولئن توقفت شرايين الحياة الثقافية عن ضح دماء الحياة والمتعة والجمال في أجساد جمهور أنهكه اليومي فاستنجد بـ «الفن كي لا تقتله الحقيقة»، فذلك لا يعني أن الفنانين والمبدعين بمعزل عن الضرر الحاصل بسبب غزو «الكورونا» اللعينة لبلادنا وتهديدها لعبادنا. وقد دعت النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي مهن الفنون الدرامية إلى «اجتماع عاجل في العاصمة والجهات وبعث خلية أزمة للنظر في تداعيات قرار وزارة الشؤون الثقافية بتعليق كل التظاهرات و المهرجانات على قوت الممثلين والفنانين الدراميين وتهديد عيشهم اليومي والبحث عن صيغة لجبر هذا الضرر .»
كم كنا نتمنى من صاحب «تركت ظلالي على الجدار» أن يكون نصير الثقافة تحت قبّة البرلمان وأن يصدح بقضايا المبدع والفنان والمثقف عاليا حتى يترك ظلاله على الجدار المنيع والحصن الحصين للفكر والفنون، ولكنه للأسف لم يفعل !