دار الماريونات: إذا كنت تبحث عن الحلم هلمّ للاكتشاف

داخل كل منا طفل يأبى أن يكبر، داخلنا طفل يريد اللعب وملامسة كل جديد، داخلنا طفل مشاكس ومغرم بالتجديد والبحث عن لعب متجددة،

في داخلنا طفل ضحكته مميزة وأحلامه بسيطة أقصاها لعبة جديدة أو «عروسة» مختلفة، ولأننا أطفال وهم أيضا يفكرون بعقل طفل صنعوا عالم مميزا وفضاء مختلفا يلبي أحلام الطفل داخلنا ليلعب ويشعر بحريته المطلقة.
ألوان مبهرة، قصص وحكايات لا تنضب، لكلّ لون قصة ولكل تفصيلة خيط أو حركة الخشب حكاية، هي عصارة عرائسي عشق المواد فصنع منها تحفا صغيرة كأنها جزء من الروح، فضاء صغير الحجم وكبير جدا من حيث المحتوى وهو ملخص عن هوس العرائسيين بالدمى وكل أنواع العرائس من عروسة الخيط إلى عروسة الفم إلى العرائس الكبيرة الحجم والأخرى الصغيرة بحجم الكف، عرائس صنعتها أيادي رجاء عطية و بثينة حسني وهدى عيادي ولسعد المحواشي.
عالم المريونات ممتع
عالم صغير الحجم غني بالقصص والحكايات، فضاء دار الماريونات فضاء تسكنه شحنة عجيبة من الحب من الطاقة ومن الألوان، ربما لأنه عالم الأطفال وحكاياتهم وأحلامهم، هنا العروسة سيدة المكان والفكرة، هنا العروسة صاحبة الفضاء ترحب بالزائر وتدعوه لمزيد اكتشاف تفاصيلها، فلكل عروسة سرّها لأنها جزء من روح صانعها، العروسة تخترق قلب الزائر كضحكة طفل صغير.
العرائسية رجاء عطية تعرف جيدا تفاصيل كل عروسة مهما اختلف حجمها أو لونها، في دار الماريونات توزعت العرائس حسب الحجم من الصغير إلى الأكبر حجما، في الدار كل ركن ينسي الزائر الركن الذي سبقه، فكل العرائس تشع جمالا وسحرا، الألوان مميزة والانجاز كذلك، فالعروسة من إبداعات فنانين عشقوا الخشب والخيط فصنعوا منه إلياذة تسعد الطفل وتبهج قلبه وتسحر لبّ الكبير وتشد انتباهه ليلامس العرائس ويخرج الطفل من داخله ليلعب قليلا.
العرائس المعروضة جديدة متميزة ، لكل عروسة تفاصيلها المختلفة عن الأخرى، الألوان ممتعة فاغلبها تشترك في الألوان الزاهية، ألوان ربيعية يقبل عليها الطفل، العرائس معروضة للفرجة والبيع أيضا تزين الفضاء وتبعث فيه إحساسا بالدفء والجمال، جمال أرواح صانعيها الذين تفانوا في تفاصيلها لتكون بذلك الشكل المميز.
في دار الماريونات، لم يقدموا العرائس فقط كصورة، بل انطلقوا من قصص من الموروث الشعبي على غرار عروسة «أم السيسي» التي لاقت إعجابا جماهيريا كبيرا بلباسها التونسي «مريول فضيلة» بألوانه المختلفة وحجمها الصغير ونظارتها تلك العجوز التي رافقت خيال الأطفال وحكايات الجدة من العرائس المطلوبة في دار الماريونات.
«بينوكيو» صديق ذكريات الطفولة و «علاء الدين» بحذائه الطويل وطربوشه الاحمر، وسرواله الازرق، والعروسة «الأميرة» بذلك الثوب الجميل الملون لها حضورها في القاعة، بالعروسة أيضا يعلمون الطفل نبذ العنصرية والإقبال على المختلف ايّ كان لونه أو دينه من خلال عروسة افريقية سوداء البشرة لكنها جدّ جميلة تأسر الناظر إليها.
«الباشا اسماعيل» العروسة الرجالية بسيفها البراق ووقفتها الشامخة تأخذ ركن في الدار كأنها تحرس بقية العرائس وتدعوها للابتسام والشموخ وعدم الخوف في مكان يحترم العروسة المصنوعة من الصوف ويقدّسها كضحكة الأطفال الصغار.
دار الماريونات فضاء للكبار قبل الصغار، فاغلب الزوار من الأمهات يبقين لدقائق طويلة وهن يتأمّلن العروسة يحاولن تحريكها يسألن عن المادة المصنوعة منها، يلتقطن صور «سيلفي» معها، يحاولن اكتشاف ألوان اللباس والفرق بينها، يداعبن الشعر بابتسامة قبل أن يتداركن انفسهنّ ويسألن الصغير أي «عروسةّ» يريد، فهنّ للحظات يسترجعن طفولتهنّ وابتسماتهنّ الجميلة.
العروسة تحرس الهوية والذاكرة
هنا عالم رحب، هنا عالم فسيح مبهج، تلك المساحة الصغيرة عالم جد مميز، في دار الماريونات تجد ضالتك من العرائس، في دار الماريونات ستجد كل ما تبحث عنه من تفاصيل المتعة، في دار الماريونات ستنزع عنك كل أقنعة الكبار وأحكامهم وأفكارهم وستعود طفلا تلمس المواد لتعرف سرّها وسحرها.
جزء كبير من العرائس حارسة الذاكرة والهوية، فهذه تلبس «الحرام» بالوانه المختلفة الأحمر القاني والأزرق السماوي، وتلبس «مريول فضيلة» وتضع «تقريطة» تونسية موشاة بالورود، للجهات حضورها في هذه الدار فالمركز الوطني لفن العرائس الذي تتبعه دار الماريونات يقدم مجموعة من العرائس باللباس التقليدي لكل الجهات تقريبا، العروسة الحمّامية بلباسها الأخضر الساحر و»المهدوية» بـ»الفوتة والبلوزة»، والأخرى الريفية بحرامها و»تخليلتها»، وذاك يلبس البرنس البني اللون، وأخرى لفرقة «الطبالة» و رابعة «لبوطبيلة» وشاشيته الحمراء المغرية، كلها عرائس تونسية الصنع تحرس الهوية التونسية. فالعروسة المعروضة للبيع باللباس التقليدي التونسي الخاص بكل جهة عنوان للثراء الثقافي والموروث الحضاري لهذا البلد وتكون العروسة عنوان هذا الثراء والاختلاف، كما أنها وسيلة للتعريف بالموروث التونسي من حيث الزينة واللباس خاصة وان المركز الوطني لفن العرائس يفتح أبوابه لفنانين من العالم ضمن ايام قرطاج لفن العرائس ومن خلال تلك العروسة الصغيرة سيكتشف ضيف تونس ثراء هذا البلد وارثه الحضاري والتاريخي فالعروسة هنا ليست لمجرد الزينة بل هي حارسة للهوية والتاريخ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115