بعد استنطاق فريق الفلم الاستقصائي «غرف سوداء»: تحذير من عودة التضييق على حرية الإعلام والتعبير

كم من غرفة سوداء في أوطاننا تحاك فيها الدسائس وتدّبر فيها المكائد... فتخرج منها صفقة بيع وشراء أو قد يكون الأمر أخطر فيصل

إلى إطلاق رصاصة غادرة تستقر في قلب الشهيد... ووحدها تلك الغرف السوداء تبقى شاهدة على سر الخيانة ولغز الجريمة ! وفي تونس فاحت رائحة «الغرفة السوداء» وتمت الإشارة بالبنان إلى وجودها في وزارة الداخلية ! ومن هنا، لبس الإعلام خوذة التحقيق وارتدت الصحافة قفازاتها الاستقصائية ونزلت إلى الميدان في محاولة تفكيك شفرات الحكاية الخطيرة والمربكة، فكان الفلم الوثائقي: «الغرف السوداء (عودة التنظيم السري لحركة النهضة !)».

بعد بث الفلم الوثائقي «الغرف السوداء( عودة التنظيم السري لحركة النهضة !)» وهو من إنتاج شركة «أفروميد ميديا للإنتاج» لصاحبها ماهر عبد الرحمان على القناة التلفزية الخاصة «تونسنا» ثم عرضه على قناة «العربية» أواخر شهر سبتمبر من سنة 2019 ، سال الكثير من الحبر وتباينت ردود الفعل بين الاستحسان وبيانات الاستنكار والتوّعد إلى حد استدعاء فريق الفلم إلى التحقيق يوم الاثنين 17 فيفري 2020.

استدعاء للتحقيق بالعوينة بسبب عمل صحفي !
في التحقيق الاستقصائي المصوّر بعنوان «الغرف السوداء» (عودة التنظيم السري لحركة النهضة !) انطلق فريق الفلم من حادثتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وطرح نقاط الاستفهام الكبرى حول من خطّط ؟ ومن هو الدماغ المدبر؟ وقد حاول هذا العمل الصحفي الاستقصائي تتبّع خيوط الجهاز السري للاتجاه الإسلامي سابقا وحركة النهضة لاحقا انطلاقا من محاولة الانقلاب على الرئيس بورقيبة سنة1987 مرورا بسيلان دم الاغتيال في تونس ما بعد الثورة وصولا إلى العثور على الوثائق الخطيرة وآلات التسجيل السرية في حوزة مصطفى خذر والكشف عن وجود غرفة سوداء في وزارة الداخلية.
ولئن أورد هذا التحقيق الصحفي المرئي شهادات حية لهيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي وكذلك شهود عيان، فإنه طرق أبواب المختصين في الجماعات الجهادية على غرار الدكتور عبيد الخليفي... في محاولة الإحاطة بالملف من كل الجوانب.

ولم يمر عرض الفلم مرور الكرام، حيث تم استدعاء فريق إعداد الوثائقي «غرف سوداء» للتحقيق لدى فرقة العوينة يوم الاثنين 17 فيفري 2020 . وقد تمّ استنطاق مخرج الوثائقي أحمد نضال العازم، وعضو المكتب التنفيذي بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي، بوصفه المشرف على إعداد المحتوى الصحفي. كما تم استنطاق كل من شهاب الغربي الممثل القانوني لقناة تونسنا، بالإضافة إلى الصحفي مراد السليمي مقدم برنامج نقطة استفهام التي عرضت الوثائقي وذلك بحضور لجنة الدفاع عنهم. وقد تأجيل استنطاق الصحفي أحد نظيف لوجوده بالخارج.
وعن حيثيات هذا الاستدعاء وتفاصيل التحقيق ،أفاد الصحفي المشرف على إعداد الفلم محمد ياسين الجلاصي في تصريح لـ «المغرب» بالقول :»تم استنطاق فريق عمل الوثائقي «غرف سوداء» الذي بثه برنامج «نقطة إستفهام» على قناة «تونسنا» الخاصة، أمام الفرقة المركزية الثالثة للأبحاث بالحرس الوطني بالعوينة على خلفية شكاية تقدم بها في نوفمبر 2019 عون الأمن الذي عمل على تحرير محضر حجز الوثائق والمعدات في بيت مصطفى خضر المشتبه به فيما يعرف بقضية «الجهاز السري لحركة النهضة.

وقد اعتبر المشتكي أن عرض هويته الكاملة بمحضر الحجز، دون حجبها أو إخفائها من شأنه أن يعرضه إلى تهديدات قد تطاله وتطال عائلته وتمس من سمعته. إلا أنه سبق نشر محضر الحجز كما هو من طرف هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وكذلك في مجلس النواب وأيضا لدى المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف... وبالتالي انتفت عنه صفة السرية. وللتذكير فإنّ الفصل 61 من المرسوم 115 لا يحجر نشر وثائق التحقيق إلا قبل تلاوتها في جلسة علنية، وبالتالي فإن نشرها بعد تلاوتها وعرضها في المحاكمات العلنية، لا يجرّمه القانون.»
وردا عن سؤالنا حول إمكانية تواصل التحقيق مع فريق فلم «غرف سوداء» من عدمه ، أجاب محمد ياسين الجلاصي بالقول:» لا نعلم ... كل شيء ممكن !».

نقابة الصحفيين تندّد والاتحاد العام لطلبة تونس يساند
على إثر استدعاء فريق التحقيق الاستقصائي «غرف سوداء» للاستنطاق بالعوينة، جددت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين دعمها ومساندتها للصحفيين المحالين على أنظار التحقيق، وأبرزت في بيانها الصادر يوم 18 فيفري الجاري أن «نشر الوثائق القضائية في عمل صحفي، بعد عرضها في جلسات علنية، لا يمكن أن يكون مدخلا لتجريم التعامل مع تلك المعطيات إعلاميا» . وأكدت النقابة «أن استنطاق الصحفيين لدى الفرق الأمنية ممارسة تدخل في خانة الهرسلة المسلطة على الصحفيين، وتربك الدور الاجتماعي المحمول على عاتق الصحفيين ووسائل الإعلام في تداول المعلومات وإنارة الرأي العام».
ودعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل إلى اعتماد مساعدي وكلاء جمهورية حصريّا للبحث في القضايا المرفوعة ضد الصحفيين.
ومن جهته، ساند الاتحاد العام لطلبة تونس «كل الصحفيين والإعلاميين في قناتي «تونسنا» و»الحوار التونسي» وغيرهما من المنابر الحرة الذين طالتهم يد الترهيب والهرسلة بفبركة الملفات وتوظيف القضاء.» وأكد الاتحاد في بيانه أن «منظومة النهضة و يوسف الشاهد أصبحتا خطرا حقيقيا على الحريات والمسار الديمقراطي في البلاد.»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115