منبــر: في سياق تجربة الفنانة التشكيلية هدى رجب: فكرة الإقلاع بفن النسيج توقا للحداثة الفنية

بقلم: شمس الدين العوني

النسيج ...هذا العنوان اللافت صار من علامات الحاضر فينا بالنظر للحالة بما هي ابداع و جمال حيث النسوة يشغلن الأنامل

و السواعد في ضرب من المواويل و الشجن و الوجد تقصدا لحالة فيها الابتكار المفعم بالحكايا ...و هكذا .. لنقف على مخزون و موروث هامين من المنسوجات التي هي بالنهاية ابداع ..

فن النسيج من الفنون الدارجة منذ القدم و يشهد في عديد الجهات التونسية و من زمان الحضور والمجد الدال على عراقة العائلة و أصالة فعلها ورغم صعوبات طارئة ليتطور بتلك اللمسات التي هي رؤية فنان أمهر يذهب بالنسيج الى قصوى حالاته الابداعية قتلا للنمطي و الزائد الممل العالق بهذه الممارسة الفنية من زمان..أيضا..

اليوم و من خلال الذاكرة الفنية التونسية في هذا الفن نلمس تلك الجماليات التي أضفيت على هذا الفعل الفني لترتقي به الى مراتب عالية من رفعة المبتكرات الفنية..نذكر ابداعات فرحات و دقدوق و الصامت...وآخرين..

هكذا و من بوابة هذا الفن الانساني النبيل نلج عوالم الفنانة التشكيلية النساجة التي تخيرت هذا التمشي الجمالي نهجا و عنوان ابداع و عطاء بكل مافي المسألة من دقة وعناء و لكن لا مناص من العناء في خانة الابداع..الفنان المبدع جبل على ذلك ..الفن عناء جميل...و غناء خافت زمن الذبول..الذهول..

نعم هكذا نلج عوالم الفنانة هدى رجب التي حرصت على هذا الشغف الجمالي و هي تحيك شيئا من حكاياتنا الشتى بمبتكرها الجمالي لترسمنا في حقل النسيج أصواتا و ذواتا أخرى تلهج بالمجد الملون الذي هو الفن...كان ذلك هو فعلها في الحياة الفنية و من خلال تجربتها منذ حوالي عقدين في العلاقة مع الخيط الرفيع ..هذا الخيط الصوفي الذي ينتهي الى تأليف العمل الفني لتشكيل سمفونية طافحة بالوجد و بالذكرى و بالحال في تعدد ألوانها و الأصوات..»ورد الرماد» مثلا و الألوان و الأشكال التي ترتسم بعد جهد و عناء جميلين ..انها الذات الفنانة اذ تدعو طفولتها لتمنح منسوجاتها شيئا من اعتمالات اللحظة بكل هواجسها الثقافية بكثير من الخبرة الجديدة والمهارات ..تلك المهارات البينة في مختلف الأعمال التي أنجزتها..

تعددت معارض الفنانة التشكيلية هدى رجب وفي كل الأعمال المعروضة فكرة بينة لا تبتعد كثيرا عن حكاية يسردها خيط أنارت له طريقا يسلكها لتبرز المنجزات الفنية في حالات من التجريدية و التعبيرية تقول و لا تقول و تكشف كما أنها تحجب..و هنا عين الابداع الفني في سياقات الحداثة ..تماما كالشعر..كالقصائد الممهورة بما تتركه من ارباك وحيرة ودهشة..

أعمال هدى رجب فيها حرص تعبيري باذخ باتجاه صدمة الوعي نشدانا للكامن فينا حسيا و وجدانيا..في منسوجاتها أشكال و انسيابات هندسية و خطوط في مساحات لونية مختلفة متناسقة و متحاورة تجعلنا نتعاطى مع العمل وفق خيط جامع و نظرة شاملة لنقول بخصائص جمالية صارت من مميزات العمل الفني المنجز في سياق التجربةعند هدى رجب..هي فسحة أخرى ترنو الى الاضافة و الاختلاف في طريق الفن الشاقة و الطويلة..انها السفر الحديد في دروب قديمة وصولا الى التجدد والابتكار..

المنسوجة في أعمال هدى رجب ذهاب الى غير الرتابة و ما ألفته العين و هي تحاور عملا فنيا يقف جسدها قدامه..هو الحوار في تجلياته بين الفنان ومنجزه قبل العمل حيث الانتهاء متخيل يترك للأنامل و أهل الحرفة الصدى..هذا هو عملها ..الفنانة رجب أخذت مسألة فن النسيج بقوة و مأخذ جد لتذهب بما هو تقليدي الى مراتب الابداع الفني التشكيلي..هذا هو ديدنها فنانة تصبو الى ما به الفن يكمن في العلامة و السؤال بخيط الجمال الرفيع..ان صدق الفنان و هو يواجه احتياجات عمله من نظر وجدية و مواد و تخطيط و ممكنات نفسية و ذهنية و سوسيوثقافية هو بمثابة الخلفية الدالة على عمق العمل و المنجز..و الفنانة هدى تعي ذلك وهي تقدم لنا من خلال معارضها في السنوات الأخيرة تجربة مضافة للتجارب المهمة التي ذكرنا بعض أصحابها و دورهم في فن النسيج التونسي المعاصر كمجال للابداع و الابتكار و التعبير الحداثي شأنه شأن بقية الأجناس الفنية التشكيلية الأخرى...

نحن اذن ازاء سيرة أخرى للنسيج التونسي ولكن بروح تواقة للكونية غير قانعة بالآفاق المعهودة الضيقة و السريعة..و قد برز ذلك أكثر في تجربة العلاقة المفتوحة على المتلقي المتذوق من خلال المعرض المتنقل بجهات تونسية و مناطق مختلفة ضمن عنوان لافت هو «mé-tissage» لنلمس فكرة التشكيل في الحالة المنسوجة بل هي لعبة هدى رجب للقول بالابداع التشكيلي و مهاراته المطلوبة في عوالم المنسوجات وفق وعي و حالة روحانية فيها الكثير من الحميمية..انها حميمية الفن وهو يبتكر أصواته و ألوانه و نهجه و أسماءه..

أعمال رجب بمثابة السمفونيات الضاجة بالهدوء والحكمة و الكلمات..انها تكتب القصائد و هي تحلم بعملها..لوحاتها قصائد تعددت خيوطها و ألوانها..المجد للأنامل و للفكرة العالية..هذا فن يطلب الحكمة وكذلك الشجاعة..هذه الشجاعة التي تنجز الفن..والتي نتطلبها كفنانين مبدعين.مثلما قال لي صديقي الكاتب الكبير باولو كويلهو و نحن نتحاور ذات يوم تونسي مشمس «..عند كل صباح علينا أن نتسلح بالشجاعة..» .. نعم نمدحك أيتها الشجاعة في الأثر من قدم الانسان الى الآن..انظروا آثار الفنانين الكبار في هذا التاريخ الانساني..انها الأعمال المسافرة في أمكنة من العالم و جهاته..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115