الشاعر الطاهر البكري في حوار حصري لـ«المغرب»: « هذا زمن الرماد الذي لا يقبله شعري»

منحت الأكاديمية الفرنسية عددا من الجوائز من بينها جائزة إشعاع اللغة الفرنسية لعام 2019 الت فاز بها الشاعر التونسي الطاهر البكري الذي نشر،

منذ إقامته في باريس في سبعينيات القرن الماضي، عددا من الدواوين الشعرية نثر فيه قضايا الإنسانية وصدح فيها بصوت الإنسان... وفي هذا السياق كان لـ«المغرب» حوار مع الشاعر الطاهر البكري:

• ما هو انطباعك الأولي على منحك جائزة الأكاديمية الفرنسية؟ وكيف كان شعورك؟
يكاد الفخر يكون من الأبواب المنحصرة في الشعر العربي ولست من أنصاره , لقد تقبلت هذا التتويج بكل تواضع وانشراح في نفس الوقت، لأنه كان مفاجئا و لم يكن متوقعا ولعلّه يكلّل مسارا طويلا أثار الإنتباه وهذا ما يجعلني أقتنع بأن الكتابة الحقيقيّة الصادقة تأتي بثمارها و لو بعد عناء مرهق ويأس في بعض الأحيان ومعاناة وصعوبات كثيرة. لقد كنت سعيدا خاصة بأن تمنح هذه الجائزة إلى شاعر تونسي في لغته الثانية من طرف هذه المؤسسة العريقة. و آمل أن يعتبر هذا كسبا للأدب التونسي.

• ما تعليقك على غياب الجانب الرسمي التونسي خلال حفل التتويج، في حين يقوم وزير الثقافة التونسي الحالي بمنح درع الثقافة بلا حساب لعدد من الشخصيات الأدبية والفنية التونسية؟
من بين قوانين مراسم الحفل أنّ لكلّ متوّج الحقّ في دعوة شخصين أو ثلاثة دون الإلتزام بأي حضور او تمثيل رسمي والحقّ يقال ان سفيرنا في باريس قد استقبلني لتهنئتي في شهر جويلية الماضي، عند صدور الخبر، بحضور مستشاره الثقافي كما استقبلني أخيرا في تونس في شهر نوفمبر سفير فرنسا في تونس. أمّا عن وزارة الثقافة فقد كرّمتني في السنة الماضية قبل حصولي على جائزة الأكاديمية الفرنسية خلال مهرجان قرطاج للمبدعين التونسيين بالخارج. واعتبر كل هذا قيمة إضافية لأن القيمة الحقيقية تكمن في الكتابة نفسها وإني أسعد دائما للمكانة التي تعطيها الدولة للثقافة ودولة الثقافة ليست ثقافة الدولة. وربّ رسالة وصلتك من قارئ مجهول تكون أحسن من ألف تتويج رسمي. المهمّ بالنسبة لي أن تهتم الجامعات و المعاهد بما أكتبه ولعلّ الدارس يجد في ذلك بعضا مما ينفعه.

• كنت -دائما- في كتاباتك وأشعارك تدافع عن التنوع والإزدواجية اللغوية وازدواجية العربية و الفرنسية من بين الإزدواجيات الأخرى رافد حضاري مهم. هل تعتبر أن جائزة الأكاديمية عبرت عن هذا الالتزام الأدبي؟
كنت و لا أزال متمسّكا بهذه الإزدواجية التي اعتبرها كسبا شخصيا وجماعيا في تونس. وذلك لتثبيت التعامل والتخاطب والتفاهم والحوار مع الغير و لم اكتب يوما بالفرنسية على حساب العربية المتجذّرة في اعماقي وهويتي ولا خوف عليها من لغة الآخر. في نفس السياق من البديهي أن تتوج أكاديمية فرنسية شاعرا يكتب بالفرنسية . ألا يعتبر هذا امتيازا لكاتب عربي تمكّن من لغة الآخر ووجد سبيلا إليها من بين آلاف الكتاب والمبدعين؟

• في نص تقديم الجائزة من قبل مديرة الأكادمية جاء « انك تغني للحياة ضد ثقافة الموت». كيف تعتبر أن أشعارك تشارك في المعركة ضد الظلامية والتطرف والإرهاب الذي يطغى على الساحة العربية والإسلامية بالخصوص ؟
كثيرا ما صرّحت بإيماني بأنّ الشعر و الفن غالبا ما يكونان إلى جانب حبّ الإنسانية واحترام الذات البشرية و لذلك فانا استنكر و اندّد بباعثي الموت ، سواء أكانوا في ربوعنا العربية أو خارجها, المسؤولية الأخلاقية للشعر هي الرفعة بالإنسان و حريته وكرامته في جمالية الكون المعتمدة على الأسس الحضارية. كيف يمكن قبول المدمّرين لكلّ هذا باسم الدين او السلطة السياسية للدين ونحن نرى أبواب الخراب والموت مفتوحة على مصراعيها في بلداننا و لست في حاجة لرسم خريطة السقوط والإنهيار التي تتسع رقعتها يوما بعد يوم .مأساتنا التاريخية الحديثة تأتينا من داخل صفوفنا، تقوقع الصرح و تبعث به غبارا مندثرا و نحيبا مدويا. هذا زمن الرماد الذي لا يقبله شعري. من هنا كان ديواني الأخير « صحراء في المغيب» و قبله «شجرة توت حزينة في الربيع العربي». هل يجب التذكير هنا بديوان الشابي «أغاني الحياة»؟ فهو قدوة لا يستهان بها.

• كنت قد نظمت في عدة مناسبات أشعارا نشرتها مع لوحات تشكيلية رسمتها شريكة حياتك ألفنانة آنيك لوتوار في محاولة إبداعية طريفة وهبت نسخا منها للمكتبة الوطنية بتونس. هل تشعر أنها تقاسمك هذا التتويج؟
من الطبيعي جدا ان تقاسمني شريكة حياتي هذا التتويج وقد آلمني غيابها في الحفل لأسباب صحية وهي التي كرست بكل تضحية حياتها مؤمنة بالإبداع وهي التي تمزج بين محبة الرسم والشعر وما يجمع بينهما من علاقة حميمة وعميقة عشنا أبعادها معا وتفاعلنا معها أينما حللنا فكان الكتاب الفني «الحنين إلى الزهور البرية» وكذلك كتاب «الأشجار تهدّئ من نفسي» وكتب أخرى مستوحاة من نسع الأيام و عصارتها , نعم أهديت إلى المكتبة الوطنية في تونس كتبا فنية مختلفة مؤلفة بمعية فنانين عديدين، من بينهم زوجتي. آمل أن يتسنى للمهتمين بأن يطلعوا عليها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115