عرض مسرحية «بيت البراندا» من إخراج أمل البجاوي في دار الثقافة ابن خلدون: للمرأة الحق في أن تحبّ وأن تحلم ...

عوالم جديدة ومدارس مسرحية متجدّدة تنهل منها تجربة المخرجين الذين يبدعون مع المودعين في السجون، مدرسة أخرى تقدم

على ركح دار الثقافة ابن خلدون هي المدرسة البريشتية بملحمتها وبطولاتها في مسرحية «بيت براندا» التي قدمتها نزيلات سجن النساء بمنوبة وهي من إخراج آمال البجاوي بالتعاون مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بمنوبة.

و»بيت براندا» مسرحية ساخرة ناقدة، تنقد النظرة الدونية لمشاعر المرأة وتنقد حالة اليأس التي تعيشها وهي تنتظر عريسا يخلصها من العنوسة، عمل نقدي عالمي النص تونسي الروح والتقديم

المسرح تنفيسة
الحياة مسرح كبير، مسرح تعيش داخله شخصيات مختلفة ومزاج متقلب وانفعالات متغيرة، الحياة مسرح مفتوح نحن أبطاله وشخوص قصصه، وعلى الركح جسدت الممثلات القليل من هذا العالم في مسرحية مختلفة عن المسرحيات التي سبق عرضها ضمن مسرح الحرية، فعلى الركح يكون الشخص والشخصية، على الركح ونلتقي بالإنسان والممثل، وسط النص وأثناء التماهي مع الشخصية يخرج الشخص قليلا ليتحدث عن ذاته، لعبة ممتعة ومختلفة قدمتها امال البجاوي في المسرحية.

أثناء العرض ووسط اللعبة والحكاية والحوار يسلط الضوء على شخصية ما، حينها تقترب من حافة الركح تنحني للجمهور وتتحدث عن نفسها قليلا، عن تجربة السجن ووجع فقدان الحرية عن حلم «المرواح» فأكثر كلمة اشتركت فيها جميع النزيلات «وقت نروح»، الجمل الموجة كانت جد صادقة جعلت الممثل ينفصل عن الشخصية ليكون الشخص لحما ودما سجينا يحلم بالحرية، وربما كانت تلك أكثر الجمل التي لازال صداها في القاعة «توحشت الدنيا، أحنا عايشين في قبر الحياة» كما قالت صاحبة الخمسة وعشرين ربيعا.

عرض داخل العرض، اعتراف بالذنب والعقوبة داخل النص واللعب الدرامي، حديث عن الانا ثمّ الانفصال عنها والعودة إلى الشخصية وتقمص تفاصيلها، رحلة بين الذاتي والموضوعي، بين الحقيقة والتمثيل، رحلة تكشف ان الفن ضرورة والمسرح «تنفيسة» داخله تتنفس النزيلات هواء الحرية المنعش.

«بيت براندا» حين تصبح الانثى شيئا.

الموسيقى تصنع سينوغرافيا العرض، تتماهى مع الضوء لحبكة التفاصيل، في الركح زينة بسيطة فقط فستان زفاف أبيض في أقصى اليمين، والفستان يصبح شخصية لأنه الفاصل بين الأحداث والمشاهد، الفستان الابيض رمز الزواج الذي سيكون محور المسرحية.

هنّ ثلاث أخوات «انجو» و«مارتيرو» و«اديلا» بنات القاسية «براندا» التي طلبت منهن بعد وفاة والدهن عدم مغادرة البيت لثمانية أعوام مع الالتزام بلباس اللون الأسود تماما كما فعلت معها أمها حين كانت طفلة.

تتصاعد أحداث الحكاية بعد خطبة «آنجو» من قبل احد أثرياء المدينة، تدب الغيرة في البيت وتبدأ الدسائس حتى لا تتزوج «آنجو» من الرجل الذي احبّته، ومع تقدم أحداث المسرحية يجد المتفرج أن اصغر الأخوات عاشقة لخطيب شقيقتها، تقابله سرّا ليتبادلا الحب في غفلة من عيون براندا.

المسرحية ممتعة ذات أحداث مشوقة وبين التقمص والحقيقة أبدعت الممثلات في لعبهنّ الدرامي، تحضر الضحكة في مواقف السخرية ويحضر الوجع والشجن أيضا ففي بعض المشاهد يشعر المتفرج أن النزيلات تحكين قصصهنّ الحقيقية ومشاهد أخرى ويجد نفسه جزءا من القصة والحكاية كأنه صاحبها أو كاتبها فالمسرحية انسانية تنقد العنف المسلط على المرأة خاصة العنف المعنوي الذي يجعل من المرأة كالشجرة الجافة التي تطلب الماء.

في «بيت براندا» الكثير من الوجع لكنها تغمض عينيها عن الحقائق لتهتم فقط بقشور الامور، نسيت الأم بناتها وإحساسهنّ واهتمت بنظرة المجتمع وأقاويل الناس فأضاعت قلبها كأم وأضاعت بناتها بعد انتشار نار الغيرة والفتنة بسبب فكرة الزواج، وفي المشهد الأخير تكتشف قصة الحب بين «اديلا» وخطيب شقيقتها، فتنتحر «اديلا» تاركة رسالة إلى أمها تخبرها أنها تمردت واختارت الموت على العيش في كنف المهانة وتفضح ممارسات زوجها الذي طالما عاملها كلعبة جنسية، فالمسرحية تنتصر لمشاعر للمرأة وتنقد كل ظواهر العنف الذي قد تتعرض له.مسرحية «ديناميت» إخراج رياض الزواري ضمن مسرح الحرية في السجن المدني بالمهدية

المسرح نبض المجتمع
المساواة في الميراث هي الموضوع الرئيسي الذي تعالجه مسرحية «ديناميت» انتاج نادي المسرح بالسجن المدني بالمهدية، مسرحية تحمل المتفرج الى تفاصيل اسرة تونسية، للأب أربعة اولاد من بينهم «مريض بالصرع» وزوجته الشابة، يتعرض العجوز إلى مرض خطير ليفارق الحياة وتبدأ رحلة الصراع بين الأخوة لأجل اقتسام الإرث.

فالزوجة تريد النصيب الأكبر أو المساواة بالعدل لتضمن ثمن سنوات شبابها وتعيد ملكية المنزل إلى «ديناميت» حبيبها السابق الذي وعدها بالزواج إذا تحصلت على ملكية المنزل، اما الأخوة فمختلفون منهم من دخل السجن وخرج منه شيخا يفتي ويوزع صكوك دخول الجنة ومنهم من غادر البلاد وتم ترحيله ومنهم الذي لا يستطيع مواجهة زوجته او الوقوف أمامها وهي توسوس له للاستحواذ على الارث ومن بينهم مريض الصرع فقط شخصية جلال قنوع يريد المحافظة على العائلة ووحدة الأشقّاء املا ان تعود العائلة موحدة من جديد.

في «ديناميت» نقد مباشر للبشر، هي دعوة لمراجعة الذات والوقوف أمام هناتها وأخطائها وربما طلب الغفران منها فالبشر غير قنوعين ومتلهفون دائما للمزيد من المال والمادة مقابل نسيان العاطفة ومشاعر الحب والود الصادقة التي يخفيها إلى حدّ أن تموت وتسكن محلها القسوة والعنف.

في المسرحية نقد لظاهرة السلفية ومن يدعون التديّن شكلا اما مضمونا فهم الاكثر ميلا إلى السرقة والنهب والعنف من خلال شخصية الأخ السلفي الذي يحمل المسبحة ويطيل لحيته ويتحدث عن الحلال والحرام طيلة الوقت لكنه يرفض حصول زوجة ابيه على نصيبها من الارث ويرفض تداوي شقيقه من مرضه بتعلة انّ «الدواء لا يشفي».

تتواصل الصراعات العائلية وتكون التأثيرات الموسيقية واستعمال الشعر الشعبي وتركيب كلمات على الحان تونسية من مميزات سينوغرافيا العرض وفي المسرحية ابدع الممثل الذي تقمص شخصية «عائشة»، فتقمص التفاصيل واستطاع الدخول إلى عوالم المرأة وانفعالاتها ليكون الأداء صادقا.

«ديناميت» مسرحية من كتابة جماعية وهي انعكاس لنظرة نزلاء السجون للمجتمع بين كل نص وجملة هناك حقيقة يجتمعون عليها، داخل النص توجد قصصهم الشخصية وحكاياتهم الذاتية التي كتبوها وحولوها إلى عمل مسرحي جمع الكوميديا والتراجيديا لنقد المجتمع التونسي والإشارة إلى اسباب اختلال العائلة التونسية وتفككها.

«ديناميت» مسرحية ركزت على تقنيات الممثل، مع ديكور خفيف، لوحة وكرسي وطاولة في أقصى الركح ليحاول المخرج التعامل مع أجساد الممثلين لتكون حمالة رسائل وتكون أجسادهم التعبيرة الفنية المتمردة وقد أبدع متقمص شخصية «سامي» مريض الصرع في الأداء فبدا أداؤه اقرب إلى الحقيقة منه الى التمثيل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115