مسرحية «جنونستان» لحكيم حرب من الأردن ضمن أيام قرطاج المسرحية: انتصروا للفن لتضمنوا الحرية

جنون السلطة، جنون الكرسي، هوس الظلم والمال، جنون التسلط والصعود إلى أعلى درجات الحكم على حساب الشعب وقضاياه،

جنون رجال الدين في ادعاءاتهم وتحريمهم وتحليلهم جنون الثّوار الأشاوس الذين يرمون بقبعة الثورة أمام أول حاجز، جنون الخوف من الغد والخوف من الهزيمة، جنون الإفلاس الفكري والأخلاقي، جنون نعيشه ونعايشه في كل الدول العربية والذي استطاعت مجموعة مسرح الرحالة الأردنية تجسيده بكل حرفية على الركح في قاعة المونديال ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين لأيام قرطاج المسرحية.

و«جنونستان» مسرحية لمسرح الجوالة من إخراج و تمثيل حكيم حرب ونهى سمارة وعمران العنوز وإياد الريمونى وهاني الخالدي ونور عطا الله وقيس حكيم وقمر بدران وكامل الشاويش واضاءة لماهر جريان وصوت لسيف خلايلة، هي مسرحية ساخرة تضع بؤس الانظمة العربية من خلال استعارة تفاصيل دولة تسمى «جنوبستان».

صادقوا الشباب ولا تنصتوا لرجال الدين
الموسيقى تصنع أحداث العرض، لتكون الرحلة إلى «جنونستان» دولة افتراضية، دولة لها رئيس عبثي وشعب مهزوم عاش خيبات الهزائم المتكررة، دولة رئيسها عبثي وغير واع بتصرفاته، أما سادتها ومسؤولوها فهم منخرطون في حملة تجميع الأموال وتكديسها دون الانتباه إلى مشاكل الشعب أو قضايا الوطن،منذ البداية تحملنا المسرحية إلى عوالم الحرب، مجموعة من الشخوص تتحرك، تتحادث وتسأل عن الرئيس وفجأة نسمع أزيز الرصاص تتساقط الأجساد على الأرض، قبل أن تعود إلى الحياة ويشتعل الضوء وتبدأ الرحلة المسرحية من داخل القاعة بتشريك الجمهور في القصة صحبة مجموعة من الشباب التونسي الذين صعدوا جميعا إلى الرّكح على صوت الشيخ إمام يغني «دور يا كلام على كيفك دور، خلي بلدنا تعيش في النور» وجميعهم يلبس الطربوش الأحمر كما الحكواتي.

من جنونستان تبدأ الرحلة والمغامرة المجنونة بعد قرار الرئيس بتغيير اسم الدولة الى جنونستان.

في «جنونستان» نقد مباشر للأنظمة العربية خاصة للسياسيين وأصحاب النفوذ الذين يجمعون المال وكلما حدث طارئ اجمعوا على ضرورة الترفيع في الضرائب والترفيع في الأسعار حتى يحققوا التوازن الاقتصادي، لكنّ الرئيس العبثي تخطر له فكرة عجيبة لمحاربة العجز في الميزانية فيقرر أن يجبر الوزراء والمتسلقين والفاسدين على كتابة وصاياهم والتخلي عن كل أموالهم لصالح الدّولة، حينها يحدث الصراع وتحاك الخيانة وينتصر الوزراء الفاسدون لذلك الثائر والشاعر المتمرد وتعلو في القاعة أغنية «شيد قصورك عالمزراع، من كدّنا وعمل ايديناّ» وتنقل أحداث الثورة ويعايشها الجمهور وينزل الممثلون وسط الجمهور ليشاركوه الغناء.

الثورة تكتم بالسلاح وبعدها يتنصل «الشيخ» من معرفته بأحداث الثورة أو التخطيط لها، يحمل مسبحته ويدعو بحياة الرئيس وولائه المطلق، بينما يعلن الشاعر والثائر عن تمسكهما بالثورة لأنهما يحبّان «جنوبستان» ويحبان الشعب «هذا يثبت ان الرجل الشريف قد انقرض مثل الديناصورات» كما يقولون في المسرحية، وتحدث الصدمة حين يقرر الرئيس العفو عن الثوّار.

وتتواصل الحكاية حين يطلب الرئيس من الثائر «اطلب من أصحابك الأحرار أن يلبسوا لباس السلطة وارنا كيف سيتصرفون» وبالفعل تنقلب الأدوار ويتناوب الجميع على الكرسي باستثناء رجل الدين بلحيته الطوية يجلس على الكرسي بقوة السلاح ويرفض التخلي عنه هي رسالة واضحة أن أقبلوا على الشباب لأنهم يحبون الوطن وأدبروا عن تجار الدين فهم عنوان الخراب.

الفن وعاء للحرية والنقد
الفن وعاء للحرية، الرّكح مطية للنقد والانتصار لقيم العدالة والثورات التي تخوضهخا الشعوب، الفن وسيلة للحياة هكذا تكون مسرحية جنونستان التي جمعت بين المسرح والمسرح الغنائي والرقص مع تعبيرات فنية أخرى جميعها اشتركت لتقدم نصا ناقدا ساخرا.

فالموسيقى سيدة المكان والغناء وسيلة للنقد ووصف الواقع، ذلك الواقع السوداوي الذي سيطر عليه الدم والتقتيل والإعدام والذي بات له شعار رسمي يتغنى به في دولة جنوبستان «الإعدام يريح الأجساد المتعبة، الإعدام يقضي بالمجان على الملل والقلق هو رحلة أبدية، الإعدام سفر دون عودة، الإعدام يساوي بين الفقير والغني، لكم التكريمات بعد الممات ولي وحدي الحياة فانا الإعدام» نص سريالي يتغزل بالموت عوض الحياة، وفي ذلك سخرية من أنظمة تقمع شعوبها وتكتم الأصوات الحرة فقط ليعيش النظام.

«جنونستان» مسرحية ساخرة، اعتمدت كل التلوينات الفنية على الركح، جمعت جل الفنون في عمل واحد للنقد والتهكم من الأنظمة الديكتاتورية والوزراء والمسؤولين الفاسدين، هي صرخة حق من على الرّكح تنتصر للفنان فالثورة فن وحب، والوطن فنّ وكل الشعوب يمكن أن تحقق العدالة والديمقراطية متى آمنت بقدرة الفنون على التغيير كما يقول الشاعر في المسرحية.

«جنونستان» مسرحية تجمع الكوميديا والتراجيديا، بلهجات محلية مع اللغة الفصحى وبعض الكلمات الانقليزية والفرنسية تكون لغة العرض تماما كما الشارع في دولنا العربية، مسرحية تنتصر للفنان ولإنسانية الفنان وأحلامه، عمل ينطلق من أغنية «دور ياكلام» و تختم ب»شيد قصورك عالمزارع» هي دعوة صريحة للتمسك بالحق في الإبداع وذلك ما دأبت عليه فرقة مسرح الرحالة.

ومسرح الرحالة الأردنية عنوان للتميز الإبداعي والتنوع في البرامج الثقافية، تأسس عام 1991 وقد بدأت الفرقة مشوارها بتقديم تجارب مسرحية وإخراجية جديدة وخرجت عن السائد من خلال اكتساح الشارع والفضاء العام وكانت أول فرقة تقدم عمل مسرحي في المقهى داخل الأردن «أملاً في الوصول إلى مسرح حي ومؤثر في الناس على اختلاف ثقافاتهم، ويؤصل لبدايات المسرح العربي عندما كان الحكواتي يقدم حكاياته الممسرحة داخل المقهى»، فرقة تؤمن بقدرة المسرح على التغيير، تتجول حاملة هموم المسرحيين وقضايا الأوطان لتنشرها أمام الجمهور في كل مكان، تقدم مسرحا أساسه الكوميديا التي تحترم عقل المشاهد وتساعده على النقد والتفكير، لتكون «جنونستان» مسرحية ساخرة، موجعة تجمع الفرجة والنقد ويعتبر سبب توجه فرقة الرحالة نحو الكوميديا أن الإنسان العربي اليوم لم يعد يرى في التراجيديا تعبيراً حقيقياً عن واقعه، بل يرى أن الواقع الذي نعيشه اليوم لا يمكن التعبير عنه إلا بالسخرية حسب تعبير حكيم حرب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115