وراحَ يدقُّ طبولَ البعثِ على نَغَماتِ الغيبِ بِعنفٍ.» هكذا باحت الشاعرة سلوى الرابحي في ديوانها «سلري: سيرة الألواح المنسية» الصادر عن دار مسكيلياني للنشر والتوزيع سنة 2007. ولأنه نص عميق وطويل تغازله حبال الأساطير وترواده ملاحم البعث والخلق ... كما هو المسرح نشأة حياة وولادة، فقد انتقاه المخرج أنس العبيدي ليكون حمّال وجوه وحمّال رسائل في عمله الفني الجديد.
في قفصة مهد «الحضارة القبصية»، يعكف الفنان أنس العبيدي على أداء مهمتي الدراماتورجيا والإخراج لمسرحيته الجديدة «سيرة الألواح المنسية» من إنتاج شركة مسرح الجنوب بقفصة وبدعم من وزارة الشؤون الثقافية.
10 سنوات من الحلم المسرحي
منذ أكثر من 10 سنوات، وحلم إخراج مسرحية وبعث الحياة في أبيات شعرية يراود الفنان أنس العبيدي. ولأن ديوان «سلري : سيرة الألواح المنسية» للشاعرة سلوى الرابحي امتلك من الرموز والدهشة والأسطورة...ما جعله يحصد التتويج والجوائز ويسيل حبر النقاد ، فقد رأى المسرحي أنس العبيدي في هذا النص الشعري الذي احتل لوحده كل صفحات الديوان وانساب حبره وبيت قصيده على حوالي 100 صفحة مشروع ولادة لمسرحية جديدة، مختلفة تستعير الشعر نصا ورافدا وملهما. يصف المخرج أنس العبيدي مسرحيته المنبعثة من رحم الشعر بأنها « مبحث جمالي لمقاربة نصية تبحث في أغوار منابع المسرح الأولى وفي الأسطورة...» ويسوق الفنان أنس العبيدي مبررات عديدة لخياره في الاشتغال على نص شعري ويروي في تصريح لـ»المغرب» مواطن افتتانه بـ»سيرة الألواح المنسية» فيقول: «هي قصيدة مبهرة تعيد نصا قديما قدم النصوص البابلية، إنها قصيدة تطرح عدة أسئلة، أسئلة الأصل والمصير. في سطورها تناول لقضايا وهواجس الفكر والأسطورة والسرقات الأدبية والتهشيم والضياع .. وبين أبياتها تتهادى معاني العدم والوجود لتغوص بنا في قاع العالم السفلي ثم تطفو بنا في تحليق إلى سماء تأسيس الأمل والحب... فنبحر مع الألواح المنسية في ملكوت العشق وننتشي بلذة تنشدها البشرية».
بحث في منابع المسرح الأولى
كان آخر ظهور مسرحي للفنان أنس العبيدي في «مملكة الذهب» لحسين محنوش على ركح مهرجان الحمامات الدولي في دورته 55 مؤخرا ليتقن دور «المهندس» الذي يبني السدّ لخلاص المدينة من الجدب والقحط، ومن المنتظر أن يحيّي جمهوره مخرجا لمسرحية «سيرة الألواح المنسية» قريبا، بعد أسابيع قليلة قد تكون أواخر شهر أوت 2019. وعن ظروف التمرين وأمكنتها وأزمنتها، أفاد أنس العبيدي:» وجدت كل الترحاب والتعاون من مندوبية الشؤون الثقافية بقفصة والمركب الثقافي ابن منظور رغم أن المركب في ظروفه الحالية عبارة عن حضيرة بناء ! ونحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة حتى يكون العمل في مستوى الانتظارات ويليق بالحلم الذي رافقنا منذ أكثر من 10 سنوات».
ووعد المخرج أنس العبيدي جمهور الفن الرابع بتقديم «عمل مسرحي مشبع بالفكر والصورة و مبني على البحث في منابع المسرح الأولى وموغل في رموز الأسطورة منذ اليونان القديم وصولا إلى الحضارة البابلية والأساطير الشرقية ...».
في انتظار مشاهدة «سيرة الألواح المنسية» نصا حيا من روح وجسد على ركح المسرح، يبقى التقاء شاعرة تونسية ومسرحي تونسي حول نص تونسي جدير بالتشجيع في زمن الاستنجاد بالنصوص الخالدة وبالمدونة المسرحية العالمية.