افتتاح الدورة 34 لمهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية: الموسيقى صلاة الصادقين ودين زارعي الأمل

«تيسدروس» تتزيّن، «تيسدروس» تلبس أجمل حلة لتستقبل عشاق الحياة، «تيسدروس» تأنقت لتكون كأميرة شامخة شموخ المكان،

هنا «تيسدروس» الساحرة هنا قصص الاولين وحكاياتهم تحدثك عنها الحجارة، في هذا القصر الشامخ كل حجارة تكون دليلا للزائر لتخبره عن المكان وعن عراقته وتاريخه منذ بناه.

يازائر «تيسدروس» التاريخ يفتح ذراعيه لتحلم وترحل بعيدا في غياهب المكان لتستمتع، يا زائرا تيسدروس كلّ ذاكرة القصر ومكوناته تستقبلك وتساعدك لتزهر مخيلتك بأجمل الصور، يا باحثا عن المتعة تيسدروس هي افضل الوجهات لتحلم وتجمع بين سحر التاريخ وجمال المكان ومتعة الموسيقى فهلاّ لبّيت الزيارة واستمتعت بكلّ هذا الجمال فأنت في تيسدروس دع الفكر جانبا واغمض عينيك واحلم وارحل بعيدا جدا ولا تهب الحفر او السقوط فأوبريا ستحرسك.

القصر الشامخ من بعيد، اقواسه علامة تدلّ على عراقته، شباب بازياء رومانية يستقبلونك لتشعر انّك جزء من تاريخ المكان وذاكرته، الممرات زينت باجمل الشمعدانات المضاءة بالوان مختلفة، انت في حضرة تيسدروس ممر الثقافات، ممر التاريخ وممر الابداع بالوان موسيقية مختلفة تحملك الى العام 46قبل الميلاد حينما شهد الفضاء حربا ضروسا بين يوليوس قيصر وبومبيوس، اصوات جلجلة الزوار والتعبير عن الاعجاب كانها صوت صدى لتلك الحروب الكثيرة التي شهدها المكان، واصل الجولة فلازال للتاريخ نصيبه من سحر المكان.

أمش بخيلاء كما النبلاء الذين كانوا يحضرون عروض المصارعة والعروض الفرجوية الكبرى، دع للربة تاريسكو حرية توجيهك ايّ المقصورات افضل وايّ الاماكن أجمل، كن الملك فالجميع في خدمتك في رحلتك عبر التاريخ فأنت في حضرة تيسدروس العظيمة، انت في حضرة التاريخ قبالتك اجمل القصور قصر الجم المصنف رابع المسارح الرومانية العالم والذي يعود تاريخه إلى العصور الرومانية القديمة وبالتحديد عام 238 م حيث بناه سكان مدينة تيسدروس ليكون المكان المفضل للشعب و النبلاء لمشاهدة مصارعات الوحوش ومعارك المحاربين وسباقات العربات لكنه اليوم أصبح مسرحاَ لعمالقة الفن والموسيقى العالمية والوجهة المفضلة لعشاق الفن الجميل، بعد ان كان حلبة لتصارع الوحوش بات مسرحا لمعانقة الحلم والنوتة الجميلة، ولك ايها الزائر نصيبك من هذه المتعة التي ستكون مع موسيقى جياكومو بوتشيني.

ملحمة الموسيقى تحيي بوتشيني
الشموع الملتهبة كما الارواح التواقة الى الحياة تزين كامل القصر، الوان خضراء وبنفسجية وزرقاء احيت القصر من صمته وبعثت فيه من سحر كليو الهة الموسيقى، هنا قصر الجم الساحر لقاء اخر مع الموسيقى السيمفونية لقاء ينعش كما رائحة الياسمين التونسي والفل المميزين، جماهير غفيرة من جنسيات مختلفة توافدت لتكون لبنة من لبنات الحياة وتشارك الفرقة متعة موسيقية منقطعة النظير فالكل يشرب من كأس الموسيقى إلى حدّ الثمالة.

في القصر وفي حفل الافتتاح التقى الجمهور أوركسترا مهرجان بوتشيني الإيطالي الذي يحتفي بالملحن الأوبرالي الكبير جياكومو بوتشيني و بقيادة المايسترو ألبرتو فيرونيزي وحضور أصوات شهيرة في عالم موسيقى الأوبرا وهم وأماريلي نيزا وجيوفانا كاسولا وإيليا فابيان وإيفانا كانوفيتش والتونسي حمادي الاغا.
الكمنجات تعلن عن موعد الرحلة نوتاتها الهادئة تسعد القلب وتدعو المتفرج ليغمض عينيه ويسمع هسيسها ليغوص تدريجيا في عالم ساحر، موسيقى الكمنجات ساندتها معزوفة من تقديم «إنيو موريكوني» الضيف المفاجأة للمهرجان وهو عمدة مدينة فلورنسا،بعد هسيس الكمنجات يرتفع صخب الالات الايقاعية لتعلن عن بداية الرحلة البوتشينية على ركح الجم مع «مدام باترفلاي» و ان بال دي فدرومو» بصوت السوبرانو أماريلي نيتزا ، التي تغنت بألحان بوتشيني بحرفية عالية.

و«مدام باترفلاي» اوبرا تجسد الحب والخيانة والتضحية جسدها على ركح مسرح الجم صوت متقطع ومتذبذب يكشف عن مدى تمزّق ومعاناة «مدام باترفلاي» و بتناغم مع الآداء الساحر للتينور التونسي حمادي الآغا الذي قدّم Air» Viene sera «من نهاية «مدام باترفلاي « مما جعل صوت التينور القوي يكون دافعا لبروز النغمة الناعمة لشريكه في الآداء.
مازال للجمهور نصيبه من المتعة ليلتقي بعدها مع جمال النوتات الأولى لتوسكا ، إحدى أشهر معزوفات أوبرا بوتشيني ، وقدمها الثنائي جيوفانا كاسولا وحمادي الآغا في «ماريو ماريو» معزوفة هادئة كانها تعبيرة عن الحلم الذي ازداد جمالا في حضرة النجوم المتلألئة في سماء القصر.

وقدمت «إيفانا كانوفيتش» «Turondot»، وهو آخر عمل للملحن الكبير جياكومو بوتشيني، فتأرجح صوت السوبرانو ببراعة كبيرة بين الارتفاعات المروعة والإيقاعات الأكثر ثراءً وامتدادًا ، فيسمع صوتها رائعًا في ارتفاعات لطيفة ويتحرك ويتغير حسب متطلبات الآداء وكانت تعابير الوجه جزءا من القصة تأثرت وأثرت في محبيها ومتابعي العرض الذي احتفى بالعظيم بوتشيني (1858 - 1924)، ذاك الطفل النابغة الذي ولد على حب الموسيقى وتعلمها منذ الطفولة وبدأ العزف على آلة الأورغن وهو في الرابعة عشرة من العمر.

ليشرع بعدها بثلاث سنوات في تأليف المقطوعات الصغيرة إلى أن ألف أول عمل موسيقي كبير وهو «القداس المجيد» للكنيسة، جياكومو بوتشيني علامة موسيقية مضيئة في عالم الاوبرا، عبقري لم تمنعه الحروب من تاليف النوتات الموسيقية وتحقيق شهرة عالمية في مجال الاوبرا، لأجل ذكراه وعبقريته يقام مهرجان بوتشيني السنوي في جويلية واوت في ايطاليا، مهرجان يقدّس الموسيقى ويجلّ عظماءها وفي الجم كان الموعد مع صلوات صادقة للموسيقى لتلك النوتة القادرة على احياء الارواح الميتة لتزهر وتينع كما زهرة الجوري البهية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115