في كل ولاية تتجدّد المواعيد كل عام مع أكثر من مهرجان قد تلتقي وقد تتقاطع لكنها دائما وأبدا تتشابه إلى حد الاستنساخ الركيك: الفنانون أنفسهم، السهرات ذاتها، موجة واحدة من النمط الموسيقى... أما الخصوصية فهي تلك العلامة المضيئة التي تدافع عنها بضعة مهرجانات تعدّ على الأصابع كهوية وبصمة خاصة وعنوان تفرد واختلاف على غرار مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية ومهرجان الجاز بطبرقة ومهرجان سينما الهواة بقليبية ومهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس....
وأمام اتساع رقعة خارطة المهرجانات من سنة إلى الأخرى، تصبح ميزانية الدعم عاجزة عن إرضاء الكل وقاصرة عن التوزيع العادل لـ»ثرواتها»، فتتمتع المهرجانات الكبرى على غرار قرطاج والحمامات بنصيب الأسد وتطالب بقية المهرجانات في عديد الولايات بحقها في منحة محترمة تجعلها قادرة على وضع برمجة محترمة تشفع لها عند جمهورها وتقيها شر سياط النقد من كل حدب وصوب.
في السنوات الأخيرة ، صار الرهان على سياحة المهرجانات عنصر جذب للسياح والتنمية وواجهة ناجعة للترويج لصورة البلد... وكان يمكن لتونس أن تتربع على عرش هذا النوع من السياحة لأنها لا تنظم سهراتها فوق أركاح عادية بل إن أغلب مهرجاناتها تصافح جمهورها في معالم تاريخية ومسارح أثرية تنطق آثارها بأمجاد حضارة عريقة بعثت الحياة وخلود الفن منذ سالف العصر والآوان في ربوع قرطاج العظيمة.
كان يمكن ألا تقتصر المهرجانات الصيفية على مجرد تنظيم حفلات موسيقية بل أن تسعى إلى تنشيط المسالك السياحية والبيئية على تخوم المسارح الأثرية حتى يعتز الجمهور التونسي بتراثه وآثاره وحتى ينبهر السائح الأجنبي بحضارة عصية عن النسيان بقيت معالمها حية وفاتنة رغم مرور العصور واندثار الحضارات.
في نهاية المطاف، إذا كانت المهرجانات في تونس تتطور على المستوى الكمي في كل عام فلا شك أنها في حاجة إلى المراجعة على صعيد الكيف ومدى التأثير في المحيط وفي إشعاع تونس في الخارج سيما وأنها تحمل صفة «الدولي» في تسميتها. قد نحتاج في هذه المرحلة إلى مهرجانات تدر علينا العملة الصعبة ولا ترهق ميزانية الدولة في «استيراد» حفلات من الخارج تستنزف أموال المجموعة الوطنية مقابل خيارات خاطئة أحيانا...كثيرا... وفي كل مهرجان.