الموقع الأثري «سيدي خليفة» جنّة ضائعة وثروة منسية

ليـلى بورقعة - «المغرب» - سيدي خليفة
على أعتاب الموقع الأثري سيدي خليفة أو على باب مدينة «فيراديماجوس» تقف الأسئلة حائرة والأجوبة مقتضبة لا تروي ظمأ

الزائر لسبر أغوار هذه الدّرة المكنونة وكشف أسرار مدينة عجيبة أظهرت بعضا منها للعيون وأمام العيان، وأخفت كثيرا من معالمها وملامحها وحكايتها تحت التراب. لقد باحت «فيراديماجوس» بشيء من تفاصيلها لكنها احتفظت لنفسها باللغز الكبير وأُحجية بلدة أخفت كنوزها تحت الأرض و أبقت قوسها الكبير شامخا وشاهدا على حضارة عصية على صمت القبور وموت الذاكرة.

« ذاكرة فيراديماجوس وأطر الاستثمار والاستشهار في محيطها » كان شعار الدورة الثامنة لمهرجان سيدي خليفة بمدينة  بوفيشة من ولاية سوسة من تنظيم جمعية مهرجان سيدي خليفة للعمل الثقافي والتنموي وتحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية من 21 الى 23 جوان 2019 .

مهرجان «سيدي خليفة» يروّج للآثار والتراث
مهرجان «سيدي خليفة» ليس مجرد فسحة من العروض ومتعة من الفنون، بل هو وساطة فنية لنفض غبار النسيان عن المعالم التاريخية وفرصة سانحة لتثمين الموقع الأثري «فيراديماجوس». وفي هذا السياق صرّح مدير المهرجان هشام الصلعاني لـ«المغرب» بالقول: «كانت انطلاقة الدورة الثامنة عسيرة بسبب شح الموارد المالية وتعثر موعد التنظيم ... وبالرغم من هذه الصعوبات نجح المهرجان في حشد الجمهور بالمراهنة على البعد الصوفي أو الروحاني لقرية سيدي خليفة التي تحمل تسمية وليها الصالح «خليفة الصلعاني» القادم من اليمن في حدود القرن 16 وبداية القرن 17 وكذلك بتثمين عمقها التاريخي والحضاري في إطار الترويج للموقع الأثري فيراديماجوس ودعوة المسؤولين إلى استثمار هذا التراث في التنمية الاقتصادية من خلال إحداث خط سياحي يقود بمرونة إلى مدينة سيدي خليفة سيما وأنه تتموقع بين فضائيين سياحيين هامين: قنطاوي سوسة وياسمين الحمامات.

وكان افتتاح الدورة 8 لمهرجان سيدي خليفة في أجواء صوفية على تخوم زاوية سيدي خليفة ، ليسدل ستار الاختتام بعد يوم سياحي وترويجي لمدينة أثرية عريقة كتب تاريخها فوق ربوة من الشموخ والخلود وسط ضفاف من الخضرة والخصوبة وعلى إيقاع خرير عيون المياه العذبة وأغنيات الحوريات ...

«فيراديماجوس» عبر التاريخ
هي مدينة عريقة التاريخ والتأسيس وضاربة بجذورها في القرون البعيدة، فمن أين جاءت تسميتها بالموقع الأثري سيدي خليفة؟ الإجابة كانت على لسان منصف بن موسى الباحث في المعهد الوطني التراث ومدير دائرة التنمية المتحفية الذي أكد أن الاسم القديم للمدينة «فيراديماجوس» اشتقت منه تسمية «هنشير فراديس» مما يعني ترسبه في الذاكرة الشعبية ولكن في النهاية حملت القرية ككل اسم «سيدي الخليفة» نسبة إلى الولي الصالح خليفة الصلعاني الذي حلّ بها نهاية القرن 16 بداية القرن 17.

وعلى هامش مداخلة له في اليوم الترويجي لذاكرة فيراديماجوس وسبل تثمينها واستثمارها، روى الباحث في التراث منصف بن موسى لـ«المغرب» حكاية هذه المدينة الأثرية من النشأة إلى الحاضر، فقال: «سيدي خليفة مدينة عريقة وقديمة ويسبق تأسيسها الفترة الرومانية تفنيدا للفكرة المغلوطة بأن أغلب المدن الأثرية هي مدن رومانية. وقد أثبتت الحفريات بسيدي خليفة سيما في التسعينيات أن هذا الموقع هو موقع استيطان سبق الفترة الرومانية على الأقل بثلاثة قرون. وفي القرن الأول قبل الميلاد ذُكر اسم «بارا» أو» بارادي» في نصوص الحرب الأهلية حيث مرّ من هذا الموقع أعداء يوليوس قيصر عند فرارهم من الساحل في اتجاه قرطاج. لم يكن الأهالي من الرومان لكنهم كانوا يتبنّون ايديولوجيا يوليوس قيصر فتم تقتيلهم وحرق مدينتهم. كانت هذه أول مرة يذكر فيها اسم هذا الموقع وبعدها تم تداوله في عديد المصادر بأشكال مختلفة حتى تمّ العثور سنة 1926على نقيشة تثبت بصفة قطعية أن هذا الموقع كان يسمى «فريداي ماجوس». وأهمية هذه المدينة تأتي من نموها في الفترة الرومانية حيث توجد في مجال خصب وتستغل الظهير الخلفي لها وهذا الاستغلال الاقتصادي ساهم في بروز فئة اجتماعية مرموقة نجحت في ربط الصلة بين المدينة المذكورة بالعاصمة قرطاج وبالتالي مركز السلطة في روما. ومما سمح لهذه النخبة بتشييد عديد المعالم التي ترسخ هوية الحضارة الرومانية وثقافتها على غرار الساحات العمومية والمعابد والسوق اليومية والحمامات...

وفي فترة متأخرة، عند ضعف الإمبراطورية الرومانية وقدوم الوندال انقطعت العلاقة بين المدينة ومركز السلطة فلم تعد مجبورة على دفع الجباية. ومما نتج عنه تمتع أهاليها بكل العائدات وبالتالي تغير النمط الاقتصادي وتحوّل المشهد الحضري بها من مدينة استغلال تعيش على ظاهره الريفي إلى مدينة تنتج وتسوّق منتوجها... وقد اكتسبت منذ القرن الرابع حتى قدوم البيزنطيين في القرن السادس انتشارا كبيرا وشهرة واسعة على مستوى الأسواق المتوسطية بفضل جودة خزفها وأوانيها الفخارية...».

ولم ينف مدير دائرة التنمية المتحفية بالمعهد الوطني التراث منصف بن موسى حاجة موقع سيدي خليفة الأثري إلى التعريف به والإشهار له كوجهة سياحية مهمة لكنها مغمورة مشددا على أن الحماية ثم التثمين ثم الإحياء هي ثالوث الإستراتيجية الناجعة حتى تتحول المعالم التاريخية في بلادنا إلى قوة جذب واستثمار مشيرا إلى أن سيدي خليفة يمكن أن تتحول إلى مركز إنتاج لما كان ينتج قديما من خزف رفيع وبالتالي توظيف التراث لتحقيق التنمية الاقتصادية ... كما أكد أن المعهد الوطني للتراث يوّفر الحماية فقط لحوالي ألف موقع من جملة 30 ألف موقعا وهو ما يتطلب تكاثف جهود المواطنين والجمعيات والمجتمع المدني من أجل الحفاظ على ثروة ثمينة وهبتنا إياها الحضارات الغابرة وحكايات شعوب سالف العصر والأوان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115