والتاريخ وانتهاك للتراث والآثار... وهو ما جعل خبر تهديد اليونسكو بسحب هذا الموقع الشهير من لائحة التراث العالمي يتخذ منحى جديا رغم تفنيد الجهات الرسمية لهذا الأمر في كل مرة. ويبدو أن الأيام القادمة ستحمل الجديد بخصوص ملف قرارات هدم البناءات غير القانونية على هذه الأراضي الأثرية أمام التهديد الصارخ لثروة عالمية تهم كل الإنسانية.
يكتسب الموقع الأثري بقرطاج شهرة عالمية وهو المصنّف كموقع تراث عالمي منذ سنة 1979. فإلى متى يتواصل الاعتداء على سمعته ومكانته وآثاره...
نوعان من الإشكالات والاعتداءات
كثير من الجدل والصخب يثاران في كل مرة يفتح فيها الحديث عن الموقع الأثري بقرطاج المستباحة أرضه وعرضه بأكثر من طريقة حسب رئيس لجنة الفنون والثقافة والتربية والتعليم ببلدية قرطاج زياد الهاني، الذي أكد في تصريح لجريدة «المغرب» أنه: «يمكن إحصاء نوعين من الإشكالات فيما يتعلق بموضوع البناء فوق أراض مصنفة مواقع أثرية. الإشكال الأول يتمثل في اعتداءات تتساوى فيها الدولة مع المواطنين بل إن مسؤولية الدولة أكبر فمن غير المعقول وغير المقبول اليوم أن تقوم وزارة الداخلية ببناء غير مرخص فيه في مدخل الميناء البونيقي بقرطاج وذلك إلى جانب البناءات غير القانونية التي شيدها المواطنون فوق المركض الروماني. وهو ما دفع باليونسكو إلى التهديد بسحب قرطاج من لائحة التراث العالمي. أما النوع الثاني من الإشكالات فيتعلق بالبناء فوق أراض كانت أثرية ثم أزيحت عنها الصبغة الأثرية بأمر قبل سنة 2011 ثم أعيدت لها الصبغة الأثرية في مارس 2011. وهذا الوضع خلق إشكالية لمواطنين اشتروا قطع ارض مرخص فيها بالبناء وتحصلوا على رخص بناء من البلدية ثم وجدوا أنفسهم في وضعية غير قانونية نتيجة إرجاع الأراضي إلى صبغتها الأثرية.
وأشار عضو المجلس البلدي ببلدية قرطاج زياد الهاني أنه في أحياء «محمد على» و»الياسمينة» و«بيرصة» مواطنون متضررون من تلكؤ وزارة الثقافة في حل الإشكاليات القائمة رغم أن منازلهم مشيدة منذ ستينيات القرن الماضي !
حلول ومطالب عاجلة
أكثر من 350 قرار هدم تتعلق بمبان غير قانونية في منطقة قرطاج الأثرية لم تنفذ إلا ما قلّ وندر منها... وقد أرجع زياد الهاني أسباب هذا التقصير إلى « وجود تهاون من الشرطة البلدية في تنفيذ القرارات مما يتطلب فتح تحقيق إداري وقضائي لتحديد المسؤوليات».
وقد قدّم رئيس لجنة الفنون والثقافة والتربية والتعليم ببلدية قرطاج زياد الهاني جملة من المطالب العاجلة وباقة من الحلول التي تراعي مصالح كافة المتدخلين في الموضوع ، حيث شدد في تصريحه لـ«المغرب» على ما يلي: « أولا، يجب أن تقوم وزارة الداخلية من تلقاء نفسها تأكيدا لاحترامها لسلطة القانون بإزالة البناء غير المرخص فيه الذي أقامته في مدخل الميناء البونيقي وإلا فستجد البلدية نفسها مجبرة على القيام بذلك. فلا أحد فوق القانون. ثانيا، إيجاد صيغة تعويضية لأصحاب المباني التي أقيمت فوق المركض الروماني قبل هدمها. ثالثا، وبخصوص تقسيم المعلقة المطلوب تسوية وضعيته بالتعاون مع معهد التراث الذي يمنح الترخيص لكل من يثبت خلو أرضه من آثار.
رابعا، المطلوب القيام بعملية تنظيف وتسوية شاملة للأراضي الأثرية الشاغرة بالتعاون مع المعهد الوطني التراث والمبادرة في الأثناء بشراء هذه الأراضي من مالكيها لفائدة الدولة حتى لو تطلب ذلك القيام بجهد وطني باعتبار أن الموقع الأثري بقرطاج تراث وطني وإنساني. وخامسا لابد من الإسراع بإصدار مثال حماية وتثمين قرطاج المتوقف على إمضاء وزيري الشؤون الثقافية والتجهيز. وتعطل إصدار هذا المثال غير المبرر يمثل السبب الأساسي في الانتهاكات الحاصلة على التراث الأثري والتاريخي بقرطاج.
المعهد الوطني للتراث : لا نملك سلطة تنفيذية
في ظل موجة الاتهامات بالتهاون والتقصير الموجهة إلى المعهد الوطني للتراث بسبب الاعتداءات التي طالت الموقع الأثري بقرطاج، أصدر المعهد بيانا توضيحيا أكد فيه أن أغلب التجاوزات الحاصلة بمنطقة قرطاج حصلت في الفترة الممتدة ما بين 2013 و 2015 أي قبل صدور أمر انتزاع القطعة وتحويلها إلى المعهد الوطني للتراث. وقد وقعت أغلبها في فترة النيابة الخصوصية التي لم تقم بتطبيق قرارات الهدم وإنما منحت أيضا بعض رخص البناء في هذا المجال وفي غيره من قرطاج دون أخذ رأي المعهد الوطني للتراث وهذا الأمر مخالف تماما للتراتيب الجاري بها العمل.
وكشف المعهد الوطني للتراث أن التجاوزات تواصلت في المنطقة إلى موفى 2018 حيث أصدر المعهد أكثر من 40 قرار هدم لم ينفذ منها إلا القليل.
وشدّد المعهد على أنه «ليست له السلطة التنفيذية وأنه يتولى دوما وفي وقت سريع إشعار البلدية بكل تجاوز وهي المخولة قانونيا لتنفيذ قرارات الهدم بالتنسيق مع مصالح الولاية».
والي تونس: قرارات الهدم سنفذ دون استثناء
قرارات الهدم ضد المباني غير القانونية فوق الموقع الأثري بقرطاج موجودة لكنها لم تنفذ وبقيت مجرد حبر على ورق، فقد أكد والي تونس الشاذلي بوعلاق في تصريح ،أمس، لإذاعة موزاييك أن «كافة قرارات الهدم المتعلقة بملف الاعتداءات المتواصلة على الموقع الأثري في قرطاج ستنفّذ دون استثناء وستشمل حتى المباني العمومية المخالفة».
وأضاف الوالي أن جلسة ستنعقد يوم الاثنين المقبل بمقر بلدية قرطاج لإعداد برنامج لتنفيذ كافة قرارات الهدم. كما شدد والي تونس على «أن الدولة التونسية مطالبة بإظهار جديتها في التعاطي مع ملف الاعتداءات على الموقع الأثري بقرطاج».
وعن مدى جدية تصريحات الوالي في نية تنفيذ قرارات الهدم دون استثناء ودون محسوبية، أفاد رئيس لجنة الفنون والثقافة والتربية والتعليم ببلدية قرطاج زياد الهاني أنه يكن احتراما كبيرا لوالي تونس الشاذلي بوعلاق لأنه أثبت في أكثر من مناسبة صرامته في تنفيذ القرارات مؤكدا أن بلدية قرطاج ستكون له سندا في الانتصار لموقع قرطاج تراثا إنسانيا وعالميا.
واعتبر زياد الهاني أن إحداث دائرة بلدية بقرطاج بيرصا وصلامبو سيكون بمثابة المنبر الجديد للتصدي للاعتداءات على التراث الأثري والتاريخي وتنفيذ قرارات هدم البناءات غير القانونية في الميناء البونيقي، باعتبارها وضعيات لا تحتمل الانتظار.