المركز الوطني للاتصال الثقافي وفاء لتسمية القديمة «مدرسة الصالحية». وبعد أن كان عنوانها «الإمتاع والمؤانسة» وزادها الإبداع والجمال، لملمت الدورة الرابعة لهذا المهرجان ركحها وذاكرتها بعد أن نثرت ورودها على امتداد 10 سهرات متنوعة الرائحة والشذى...
أضيئت الشمعة الرابعة في عمر مهرجان ليالي الصالحية مساء السبت 18 ماي 2019 على إيقاع معزوفات الفنان فوزي الشكيلي، في حين أسدل ستار النهاية مساء أول أمس بعد جولة في التراث الغنائي في عرض «دويدة» لمعتصم الأمير.
حفل ياسر الجرادي: يد بيضاء إلى المكفوفين
هو الفنان «المخضرم» فنيا الذي يأخذ من كل فن بطرف، فإذا هو الموسيقي والمسرحي والسينمائي والرسام ... وبين هذا وذاك، جاءت أغاني ياسر الجرادي مشبعة بروح الالتزام ومفعمة بحماس الثورة التي تلهب جمهوره وتجعله يصفق طويلا لفنان لا يشبه أحدا غيره.
وفي «ليالي الصالحية» كان للفنان ياسر الجرادي حضور من نوع خاص وحفل مختلف عن حفلاته الأخرى حيث خصصت عائدات هذه السهرة لفائدة «جمعية رؤيا لفاقدي البصر».
ولأن لكل أغنية حكاية وكثير من الحكايات يمكن أن تصبح أغنيات حتى تبقى حية في خانة الذكريات، فإن عرض ياسر الجرادي انطلق من قصة مؤثرة روتها على أسماعه رئيسة «جمعية رؤيا لفاقدي البصر» وهي تترجم معاناة المكفوفين بعد أن تمّ حرمان الجمعية من المنحة السنوية بعد الثورة.
وهو ما جعل ياسر الجرادي يهدي مداخيل حفل «ليالي الصالحية» إلى هذه الجمعية مساهمة من الفنان في الانتصار لقضايا للإنسان.
اكتشافات جمالية مغايرة
رغم حداثة عمره وهو المهرجان الفتي الذي لم يتجاوز الأربع سنوات، نجح مهرجان ليالي الصالحية في تثبيت قدميه على أرض صلبة ونحت مكانته وهويته عام بعد عام. فليس من السهل أن يصل المهرجان إلى استقطاب الانتباه والجمهور رغم منافسة مهرجانات تفوقه عراقة وميزانية يعج بها قلب المدينة العتيقة في ليالي رمضان.
ولعل من نقاط قوة «ليالي الصالحية» المراهنة على تلوينات فنية تحتكم إلى الجودة دون إقصاء أي من التعبيرات الجمالية أو استبعاد أي من الموسيقات التي تجد لها طريقا نحو قلوب أحبائها وعشاقها ... فكانت مواعيد الأنس والمسامرة مع الطرب والشعر و فيسفساء من الموسيقى.
وكما أثثت ليالي الصالحية مجموعة من العروض على غرار «ومن النوى» لمحمد علي شبيل وجهاد الخميري و «باسبور» للفنان حاتم القروي و»دندري» للفنان محمد الخشناوي وعرض روضة عبد الله وليلة الساكسوفون للعازفين طارق معتوق ومحمد الهرماسي ... فإن من باب الطرافة في برمجة ليالي الصالحية اتبّاع تقليد سنوي وسنة حميدة تتمثل في الاحتفاء بالدراما الرمضانية عبر استضافة فريق مسلسل «المايسترو» هذا الموسم حتى يكون باب النقاش والنقد البناء مفتوحا على مصراعيه بين جمهور المتفرجين وصنّاع الدراما في تونس.
ولعل من النقاط المضيئة في ليالي الصالحية فسحها المجال والمكان لاكتشاف تعبيرات جمالية جديدة ومغايرة من خلال منح ركحها ومصدحها إلى الشباب المبدع والمواهب الواعدة بالفن الجميل من أجل طرق أبواب عوالم إنسانية أرحب.