آية وجواهر: هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ - 2 -

المصدر الثاني: 

معرفة حقائق الأحداث الواقعة، وليس الاكتفاء بقشرة بريقها ومظهرها:

فالبصيرة –كما يقرر الخليل-:
«نفاذ في القلب»، ونورٌ مضيء فيه يمكنه من الاستبصار بحقائق الواقع، أي رؤيتها على حقيقتها، واتخاذ القرارات بناء على ذلك، وبهذه البَصيرة يتمكن من الاستفادة من المعطيات الماضية لتقرير الأعمال الحالية، فقد قالوا: البصيرة: العبرة، يقال: أما لك بصيرةٌ في هذا؟ أي عبرة تعتبر بها،
وبذا فلا بد أن يكون عند صاحب البصيرة معرفةٌ بالحوادث الماضية على حقيقتها ليعتبر بها، ويبني رؤاه وقراراته في الأحداث الحاضرة عليها، وهذا الذي ذكره الله تعالى في كثيرٍ من المواضع كقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» (الأنعام:11) وقال تعالى «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (الأحزاب: 62)، وبناء على ذلك فإن البصائر تعطي الدراسات الأولية التي تبنى عليها الخطوات التنفيذية.

الحقيقة الثانية:
أهم لوازم المعرفة الراسخة وجود الحجة الواضحة عند اتخاذ القرارات أو بناء المواقف:
فمعنى قوله تعالى قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة (يوسف:108) أي «أدعو إلى اللَّه ببصيرة متمكنا منها..
والبصير: صاحب الحجة لأَنه بها صار بصيرا بالحقيقَة. ومثله وصف الآية بمبصرة في قَوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً (النمل:13)، وبعكسه يوصف الخفاء بالعمى كقوله  وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ (هود:28)، وهذا يقتضي أن يمتلك الإنسان البصير حجةً واضحةً من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وأن يترك التقليد الدال على الضعف والجمود وعدم التفاعل الصحيح مع المواقف، لأن البصيرة «المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل ديناً ودنيا بحيث يكون كأنه يبصر المعنى بالعين».
وهذا يقتضي العمل على تنمية البصيرة بكثرة مراجعة مصدر الإبصار (القرآن والسنة) مع التدريب العملي على فقه الواقع وفق فقه النص، وكذلك لا بد من العمل على الاستكثار من المستبصرين أي الإكثار من الدراسين والمراجعين لمصدر الإبصار وهو النص الشرعي وتطبيقاته في الواقع وهو الفقه الواقعي.

الحقيقة الثالثة:
تتفاوت البصيرة بين أصحابها:
فالبصيرة كالبصر في التفاوت، فكما أن الرؤية تتفاوت فكذلك البصيرة، ومن ذلك قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق:22)، فقد يكون أحدهم أقوى إبصاراً، وقد يكون غيره أعظم بصيرةً، وذلك يرجع إلى كثرة مزاولة الشيء الذي تُستمد منه البصيرة وهو القرآن الكريم مع ما يفتح الرحمن للإنسان من الفهم والرأي والإدراك، ومن ذلك قوله تعالى: قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِه (طه:96 )، «فَالمعنى: علمت ما لم يعلموه وفطنت لما لم يفطنوا له»، فبصر بالشيء حقيقَته صار بصِيرا به أو بصيرا بسببه، أي شديد الإِبصار، فهو أقوى من أبصرت، لأنه صيغ من فعل- بضم العين- الذي تشتق منه الصفات المشبهة الدالة على كون الوصف سجية، قَال تعالى: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ (الْقَصَص:11)، فـ«بَصُرَ» هنا تدل على معرفتها المؤكدة لما حدث في قصر فرعون

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115