«الثقافة محنة لذيذة» للكاتب والناقد خميس الخياطي: إنها المحنة الولاّدة..

هي محنة، لكنها بطعم لذيذ.. هو ألم ولكننا يمكن أن نتعايش معه، هي أوجاع ولكنها تنتهي بمخاض فولادة فحياة جديدة، هو دوران الكواكب، غيم وشمس ومطر، وأنواء تطهّرنا من الأعماق.. تُنبث فينا بذور التحدّي في تربة الحياة..
«الثقافة محنة لذيذة»

كتاب للناقد السينمائي والكاتب خميس الخياطي، صدر مؤخرا عن دار نقوش عربية، وهو «شذرات من سيرة ذاتية» هكذا يمكن أن نصفه أيضا..

الكاتب هو ابن لأكثر من مكان، من قرية القصور الكافية، التي أشبعته هواء جبليا عاليا معطّرا بالإكليل والزعتر.. أين أيضا تعلّم حروف الحياة الأولى ليصل بعد إلى مدرسة ترشيح المعلمين قبل أن يتوجه إلى جامعة 9 أفريل أين درس علم الإجتماع.. لينطلق بعد ذلك إلى مدينة الأنوار ويدّرس في السربون يبدأ رحلته مع صاحبة الجلالة.. وفي تلك الأثناء يطوف بالمحنة، وتطوف به محنة، ولكنها محنة ولاّدة.. تُبت الحرف لتنبثق كلمة أولى فثانية في طريق الحكمة..

17 فصلا من كتاب «الثقافة محنة لذيذة» فصول تشكّل مشهدا وجدانيا، فكريا، ثقافيا، مخياليّا، روحيا، جغرافيا، تاريخيا، نفسيا.. برائحة حضن جدته، وما تحمله من عمق يتجلى تراثا رحبا، يتجلى توقا لحياة أفضل، ولثقافة متينة تكبر يوما بعد يوم لتحصّن الإنسان من محن هي القدر، هي العدم.. هذه الجدّة توّلد من الخرافة مخيالا جبارا هو شذرات الإبداع، أي إبداع.. هذه الجدة تنسج وتحيك وتقتلع الأرض بأظافرها حتى يفتح الفاتحون كتابا ويخطون كلماتهم.. ما أروع وما أوجع الحياة عندما يفتح بابها عرق جدّة تحرث الأرض بأظافرها، وتداعب النسيج بأناملها..

في هذه المحنة، يمرّ الكاتب على عوالم، ووجوه، وأمكنة، رجّته، صقلته، هزته، جعلته يتساءل ويتطلع إلى ما بعد، وإلى ما أعمق.. إنها الكتب التي تصبح أجنحة، إنها الأفلام التي تغدو مرايا.. إنه عالم مليء بالمنعرجات، بالاختيارات المناسبة وغير المناسبة، وما من فرصة ضائعة في مسيرة الحياة.. فالضياع هو درس جديد بامتياز..

في هذا الكتاب أيضا نرى تصوّر خميس الخياطي لفسيفساء الثقافة، التي يمكن أن تلملم شتات المجتمع ككل، وليس الفرد فقط.. هذا الكتاب إجابة عن سؤال يمكن أن يخطر ببال الكثيرين، «ما الذي يجب أن يبقى؟ ولسان حالنا يقول: بدأنا حياتنا، وخطونا خطواتنا الأولى من خلال عرق جدّة، أو من خلال صبر أم، أو من خلال كدّ أب.. من خلال ثقب كبير يحفر طريقنا ولا يسويه.. غير أن أحدهم يفرش ذاته لنمرّ ونتعدّى خطواتنا الأولى على أنقاض أناس وهبونا حياتهم.. لنكون نحن..

خميس الخياطي الكتاب، أرّخ ضد النسيان لمرحلة هي رحلة أي إنسان، تتشابه الرحلة ويختلف الطعم.. ويبقى حصن يجمعنا.. حصن تتداعى لبناته أحيانا.. حصن يتماسك أحيانا.. حصن يكبر ويقوى أحيانا.. فرغم الرياح والعواصف هناك جوهر الثقافة التي تجمعنا تبقى شاهدة علينا.. تريد من يأخذ بيدها ويرعاها حتى يكون هذا الحصن حصنا من حديد..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115