ريبورتاج: معرض «أبصرهم، منا صنائع بر قبلي» لزكرياء الشايبي هم الوطن... هم الخلق... فانصت إلى أهازيجهم ...

حارب لأجلك ولو لم يحارب معك أحد حارب لأجل نفسك لتثبت انك حرّ وحرّ، حارب لتكون انسانا حالما يصنع تباشير

حلمه بإرادة لا تعرف الهزيمة، حارب وكن جيش نفسك حارب لتكون صوت الصادقين و الحالمين الذين بيحثون عن خيط رفيع ليرتفعوا الى سماء الامل وينظروا من علياء جدار الجمال الى انفسهم البهيّة، حارب بكلّ الاسلحة الممكنة ولعلّ الكاميرا امّها.

والكاميرا كانت ولازالت سلاح الفوتوغراف زكرياء الشايبي ليحارب ويكتب انتصارات المنسيين، لازال يخوض ساحات الوغى موثقا لابتساماتهم وانجازاتهم وتفاصيلهم، تفاصيل جمعها في معرض سمّاه «ابصرهم منّا..صنائع برّ قبلي» معرض يحتضنه رواق قاعة الاوبرا بمدينة الثقافة.
التفاصيل...ترسم اثار الزمن على الوجوه

الكاميرا مطيتهم ليقترب منهم، الكاميرا سلاحه ليوثّق التفاصيل يكتب ابتسامات الانتصار ويلتقط وجيعة السنوات، والتهميش، هم الاكثر هشاشة والأشدّ صلابة في الوقت ذاته، هم الكادحون الذين تركت السنون اثارا واضحة المعالم ممثلة في تجاعيد كتبت مسارها على الوجوه وارتعاشة اليد التي تتحسّسها وأنت تتأمّل الصور المعروضة في المعرض المميز.

الى برّ قبلي كانت الرّحلة، رحلتنا التي اصطحبنا فيها المبدع زكرياء الشايبي، رحلة الى الهناك عبر الكاميرا للخوض في شجونهم وتفاصيلهم، رحلة الى الحرف اليدوية التي تتطلب الكثير من التركيز خاصّة البصري لذلك تكون العيون ثاقبة تنظر الى نقطة ثابتة فالحرفة لا تقبل الخطأ ولا الوهن والتعبير عن التعب فالحرفة تتطلب الكثير من الحب لتكون القطعة المقدمة جزءا من الروح وإبداعات اليد، الحرفيون ممتهنو النجارة وصناعة الحصير من الحلفاء وصانعو الاحذية وصانعات الطين وصانعو سروج الخيول والحدادون وكلّ الحرف اليدوية حاول زكرياء الشايبي نقلها وتوثيقها والتجوال بها لنعايش ابداعهم وتفاصيلهم.

«أبصرهم ،منّا» معرض انساني يوثّق للحظات ولادة المنتوجات الحرفية من ارواح صانعيها، لحظة تعكس صدق الحرفي في التعامل مع المادة وصدق الفوتوغراف في التقاط الصورة، الصور المعروضة لكلّ مميزاتها وسحرها كلّ لوحة تمس مشاعر الزائر وتحرّك داخله وجع دفين يحاول إخفاءه فبالصورة نقل زكرياء الشايبي كمّ الوجع الذي يعانيه الحرفي قبل ولادة قطعة مميزة، امام كلّ لوحة ستطلق تلك الزفرة التي تخنقك وتكاد تكتم انفاسك لكمّ الوجع الموثّق الوجوه ونظرات العيون والتجاعيد التي فصّلت كثوب الزفاف بأجمل وادقّ التفاصيل.

«أبصرهم، منّا» هو اسم المعرض، وهو دعوة مباشرة لابصارهم للاقتراب منهم، وكلمة «منّا» تحيل الى الجمع والملكية فنحن وهم واحد نشترك في الوجع نفسه والحلم ذاته والانين عينه، نحن فكرة واحدة وامل موحد وتفاصيل وان اختلفت جزئياتها تظلّ متماهية، فلا فرق بين النحن والهُمُ كما يقول المعرض هم منّا هم صانعو الحرفة وصانعو الجمال ونحن منهم لاننا نرى فيهم كلّ الابداع والصدق، وان سكنوا الهناك وابتعدوا عنّا يظلون منّا تظل مهنهم المنسية جزءا من الفعل الاقتصادي للبلاد وتبقى حرفهم رمز من رموز الابداع الثقافي فهم الذاكرة هم حرّاس الحرفة وأبطالها الخالدون.

نساء بلادي ...الحرفيات شريكات الخالق في الابداع
هنّ قبس الضياء فينا، هنّ الامل والابتسامة، هنّ سنوات تمضي وصدق لا يفارقهنّ، هنّ الارض وان قست، هنّ لين الصحراء وغموضها واحتضانها لكلّ نجوم السماء، هنّ الارض والولادة المتجددة لتباشير الضياء فينا، هنّ الحرفيات اللواتي ترك الزمان اثره على وجوههنّ ولازلن متمسكات باعمالهنّ اليدوية، هنّ هذا الجمال اجتمع في عيونهنّ و اناملهنّ الساحرة وهنّ يشرفن على عملية ولادة اجمل الحرف، صورهنّ كما الالهات شامخات كنخيل باسق معتدّ بنفسه كاننا بدرويش يصفهنّ ويقول»لن أسميكِ امرأة، سأسميك كل شيء» وهنّ رمز للخلق يشاركن الخالق في الابداع.
.نساء ذاك البلد، نساء قبلي حرفيات الجهة المبدعات كلهنّ مميزات اشتركن في رسم طريق الابداع وكنّ عنوانه، صورة اولى تشدّ الزائر «خالتي الكاملة» بوشامها الظاهر على الجبين واليدين وحرامها الجنوبي الموشى بالألوان، التخليلة والخلال الفضّة وقليل من «العفص» و «العود» وضع حوله، تنظر الى الكاميرا وابتسامة تسكنها، امامها «قرداش» و»مشط» لمشط الصوف قبل غزله وتحويله الى خيوط جميلة تصنع بها المرقوم القبلاوي المبهر.

سيّدة اخرى تصنع الحصير اللتقليدي، الكاميرا تقترب من التفاصيل، التجاعيد تبدو كأنها حركات ريشة فنان مبدع يتقن صناعة التموّجات، الدقة في الصورة تتماهى مع دقتها في الحرفة، لون اليدين الذي اقترب الى البني كما لون التراب نتاج عمل سنوات طويلة اصبحت بعدها لوحة تشكيلية مبهرة.
كلهنّ جميلات، كلهنّ مبدعات، نساء قبلي نساء الجنوب، سيدات الحرفة سيدات الصدق الكادحات نقلت الكاميرا تفاصيلهنّ ركّزت على تجاعيد اليد والعيون المنهكة من شدة التركيز، الوشم في اليد والجبين نجده مرسوم على «الطرف» و «الكليم» كعملية استحضار للذاكرة وللرموز النسوية الجميلة، الالوان الزاهية تبعث في الروح البهجة فهنّ يتعبن ويفتقدن الى الالوان في الواقع اليومي فحوّلن السأم الى امل جميل ابدعن في حياكته وقيافته وصناعته.

يقول درويش كل نهر، وله نبع ومجرى وحياة.. يا صديقي.. أرضنا ليست بعاقر كل أرض، ولها ميلادها.. كل فجر وله موعد ثائر» وأمام معرض «ابصرهم، منّا» ستجدك امام نهرا من الإبداع نهر الحرف والمهن الهشّة والمنسية، نهر ابداع نسوة ورجال لا نراهم دائما في وسائل الاعلام ولا وسائل التواصل الاجتماعي لكنّهم النجوم المضيئة التي لا تأفل مطلقا لانّهم الوطن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115