عرض «جيل» لعماد جمعة: ارقصوا... فالرقص يحيي الأفكار وهي رميم ...

هلّا انتفضت من صمتك وخاطبت روحك الهائمة ودعوتها للرقص حينها ستنزاح كلّ الهموم فالرقص بلسم يشفيها من كلّ

الأدران هلا حررت جسدك وتركته يتجاوز الحدود والمطبّات دعه يرقص، دعه يتحرك بكل عشوائية ليصنع مساره الحياتي المختلف، هلّا تركت لروحك حرية الطيران وسمحت لجسدك بكتابة الياذته الخاصة، دع الطفل داخلك يتحرك بكل تلقائية وحرية فالرقص هو اللغة البكر لغتك الاولى ولغة جسدك التي لن تموت فارقص وارقص واكتب بجسدك كل تفاصيل الجمال.

هكذا رقصوا بكل تلقائية وحرروا اجسادهم وكتبوا واقع تونس واسترجعوا التاريخ بلغة اجسادهم وأصوات اقدامهم التي صنعت ايقاعها الخاص في عرض اسمه «جيل» للفنان عماد جمعة انتاج الباليه الجديد للرقص التونسي الذي يشرف على ادارته كريم توايمة وهو احد اركان قطب الرقص والكوريغرافيا.

جيل... الاجساد توثّق لتاريخها
موسيقى المزود تملأ قاعة مسرح الجهات، صخب ولغط المدينة العتيقة يصل إلى المتفرج، تلك الاجواء المميزة للمدينة مع ارتفاع موسيقى المزود صنع منها عماد جمعة العرض الجديد «جيل» ، بين صوت الموسيقى الصاخبة وحركات الراقصين القوية تبدأ الحكاية فالعرض يوثّق لمجموعة من الخطوات التونسية التي انتشرت في المدن العتيقة والمميزة لموسيقى المزود، اجساد الراقصين هنا كانت وسيلة عماد جمعة لاستحضار عبق الماضي ورائحة المدينة واجوائها المميزة، بأجسادهم استحضروا التاريخ ووثّقوا لخطوات تميز راقصي المزود وخلافاتهم وصراعاتهم وحياتهم فأجساد الراقصين الذين لبسوا جميعهم الازرق القريب من «الدنقري» كانت اجسادهم مخطوطات مفتوحة امام محبي فنّ المزود لقراءتها.

جيل هو اسم العرض مستوحى اساسا من تراث خطوات المزود واجواء المدن العتيقة وتقديمها بطريقة عصرية تواكب الراهن والفعل المؤطر لحركة الرقص، جيل عمل فني تونسي الروح والتقديم وانساني الانتماء يعرّف بموروث تونسي بطريقة معاصرة فهو يجمع ثنائيتي التوثيق ومواكبة العصر من خلال خطوات راقصي البالي الجديد عاشقي الرقص ولغة الجسد الصامتة.

جيل قدّم في عرض مصغّر احتفاء باليوم العالمي للرقص، عرضا يبحث في موسيقى المزود ينطلق منه لتأسيس نص عميق عن الخطوات المرافقة لهذه الموسيقى والنشوة التي يبعثها المزود في مستمعيه ومحبيه وكيفية التماهي الجسدي التلقائي مع هذه الموسيقى تفاصيل يتقنها الراقصون.

تماهي الراقصين مع الموسيقى كان ممتعا وتلقائيا، حركات مجنونة حينا كواقع المدن العتيقة في فترة الستينات وأخرى هادئة وبطيئة كأنها لحظات استرجاع للتاريخ، الاجساد كتبت موسيقاها وصنعت تاريخها وحدّثت الحضور عن سحرها وبكلّ الحب الموجود حلم الراقصون في شطحاتهم فمن دون الحب كل الموسيقى ضجيج كلّ الرقص جنون وكل العبادات عبء كما يقول جلال الدين الرومي وعلى خشبة مسرح الجهات صنعوا من حبّهم للرقص طقوس عباداتهم الخاصة فحلّقوا بكلّ شجاعة في سماء الابداع ليقدموا للمتفرج مهما كانت جنسيته عرضا يتجاوز حدود اللغة الضيقة.

جيل، الرقص ثورة فماذا تنتظرون؟
جيل ليس مجرد عرض كوريغرافي يستحضر الماضي او يقدم فكرة عن الخطوة التونسية انّما هو صرخة الاجساد النابضة بالحياة امام خنوع الشباب وتراجعهم، جيل هو دعوة مباشرة الى الشباب ليقاوموا ليعودوا الى الساحات الامامية وينقذوا تونس فالشباب هو من صنع الثورة، هم من صرخوا بعبارة «ديقاج» ضدّ كل اشكال الديكتاتورية ووجب ان يواصلوا ثورتهم ويواصلوا كتابة المسار الديمقراطي لوطنهم.

جيل عرض تنقد فيه الاجساد واقع الشّباب، بين الالم والأمل، بين الشك والخوف، بين الزيف والحقيقة تتراوح خطوات الراقصين وحركاتهم، فهم ثابتون على الرّكح حينا ثبات البعض من الشباب في تمسكهم بقيم الديمقراطية و الوطنية و هشة احيانا هشاشة بعض الشباب في ايمانهم بقدرتهم على التغيير، لذلك جاء «جيل» كصفعة علّها توقظ الضمائر النائمة و العقول التي ركنت الى الراحة والقوالب التي شربت كأس اليأس حدّ الثمالة فتصحيها من سكرتها وتدفعها الى مواصلة مسارات التحرر وافتكاك المناصب والقيادات والإيمان بقدرة الشباب على التغيير.

جيل عرض يستحضر الماضي ويربطه بالحاضر فـ»الحوم العربي» كانت تعرف بالشهامة واللحمة والوحدة بينما نفس «الحوم» اليوم تعيش تمزّقا، هذا التمزق الجزئي ينعكس على الوطن عموما فنشاهد كتلا واحزابا ومواقف مختلفة ومتباينة وبعضها يرفض الاخر ويحاول ابعاده واعدامه ليكون «جيل» دعوة بالجسد الى الوحدة من جديد.

في جيل تصرخ الاجساد امام تملص الشباب من المسؤولية وتدعوهم إلى خوض غمار الحياة السياسية وتجربة المسار الديمقراطي وصناعة مستقبل البلاد، جيل صفعة ضدّ النسيان ودعوة صريحة لمواصلة الثورة الثقافية والاجتماعية، ثورة تكتبها الأجساد تقدمها لغة لا تموت، لغة مجنونة تحطّم كل الحدود فالرقص جنون و»أن تكبر في الرقص يعني أن يتسع العالم أكثر لجنونك، وكل السنين التي تغادرك تقبض عليها بقوة كلما رقصت أكثر. والرقص تسلق نفسي، فكل القمم الروحية التي يحتاج الإنسان إلى سنوات لتسلقها، يستطيع أن يبلغها بخطوة راقصة واحدة» كما كتبت اية الاتاسي في القدس العربي وفي مسرح الجهات كان جنون الخطوات عنوانا لميلاد جيل من الراقصين يدافعون بكل صدق عن فن الرقص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115