أيام قرطاج السينمائية أحدث ضجة في حجم البركان ورّجة بوقع الزلزال لأنه عرّى قبح قاع العاصمة وبشاعة «باب الجديد» خلف أسوار المدينة العتيقة التي يعمينا سحرها وعبق تاريخها عن وحشية الحياة في أحوازها... غير بعيد عن مباني عديد الوزارات ومقرات السيادة، يعيش المعدمون في مساكن القصدير ويلعقون القاع بلسان الإدمان والإجرام ... هناك لاشيء يدل على الحياة سوى أنفاس الشهيق والزفير في صدور مريضة استنزفتها حقن «السوبيتاكس» ومزقتها سكاكين الفقر والعدم والهامش...
بعد أن تم عرض هذا الفيلم الوثائقي الطويل والمثير للجدل عن تونس المخيفة والجائعة والمتوحشة... كان من المنتظر أن يكون هذا الفيلم صفعة على وجه الحكومة حتى تلتف إلى الهامش وأن يكون شهادة حية للمجتمع المدني حتى يحاول التغيير من بؤس قاع المدينة سيما وأنه نجح في حشد اهتمام نواب الشعب تحت قبّة البرلمان...
ولكن يبدو أن لا شي تغير !
في صورة حديثة لأحد البطلين الرئيسين في فيلم «لقشة من الدنيا»، طالعتنا شخصية «فانتا» في وضعية أسوأ من صورتها في الفيلم والرجل على قارعة الطريق يتسوّل صدقة قد تأتي وقد لا تأتي!
ومن الغرابة أن بطلي الفيلم «فاتنا» و «رزوقة» سارا في أيام قرطاج السينمائية على السجاد الأحمر جنبا إلى جنب مع مخرج الفيلم نصرالدين السهيلي تحت أضواء الكاميرا وبين النجوم وهما قد اعتادا الانزواء في الهامش والاختباء في الظلام... فظنّ المسكينان للوهلة الأولى أن رياح التغيير قد تعصف بحياتهما وقد يكون القادم
أحلى !
ولكن قبل الشهرة و بعد الشهرة... بقي الفقر والإدمان والوجع والاضطهاد قدر سكان القاع.
قبل خروج «فانتا» من جحر سكناه إلى ضوء الكاميرا، بلغ طفل الشوارع «حمّة حمّة» شهرة واسعة في مسلسل «كاستينغ» للمخرج سامي الفهري ولكنه عاد إلى المرض والفقر من جديد حتى وجد خلاصه الأبدي في الموت !
قد لا يحتاج البؤساء إلى مخرج يضع مأساتهم على شاشة يراها الجميع، بقدر ما يحتاجون إلى جمهور وحكومات تسعى إلى التغيير ولا تكتفي بالتصفيق !