مسرحية قمرة 14: لدليلة المفتاحي المسرح يعيد قراءة الحقائق والتاريخ

ماذا لو كان لك القدرة على الرجوع في الزمن ومقابلة عظماء هذا الوطن؟ ما الذي ستخبرهم به وما انتقاداتك لهم ولمسارهم النضالي؟

ماذا لو قدّمت لك فرصة مقابلة خير الدين التونسي؟ او السيدة المنوبية؟ او الدغباجي وغيرهم من الرموز؟ هل ستسائلهم عن الوطن؟ ام ستحييهم على نضالاتهم؟ ام ستبحث عن هاجس مشترك بينكم؟ ربما لن تستطيع ذلك في الحقيقة لكن المسرح قادر على احياء الموتى وإعادة بعثهم لتحاورهم وتسألهم عن تونس هذا الوطن الغني بنضالات الصادقين من ابنائهم.
المسرح قادر على احياء من رحلوا، الخشبة حياة وعلى الركح يبعثون لنخاطبهم ونحاكيهم ونسألهم عن تونس؟ عن الحروب وعن النضال وعن التاريخ والحاضر؟ وفي عرض قمرة 14 للمخرجة دليلة المفتاحي يجتمع الحاضر بالتاريخ فيبعث شاعر الجنوب منصور الهوش و المصلح خير الدين التونسي والسيدة المنوبية ليخاطبوا جيل اليوم ويطرحوا اسئلة عن تونس وليلة 14جانفي وقمرة 14 نص لبوكثير دومة وتمثيل الطاهر الرضواني وكمال الكعبي ونادر بلعيد وعبير صميدي ومحمد امين بالطاهر وضحى والي ومساعد مخرج حاتم حشيشة وكوريغرافيا لطارق بوزيد.

المسرح بحث عن الحقيقة
كتب تملأ الفضاء، الحكاية تدور في ارشيف ما، ارشيف يجمع اهم وثائق الدولة وكتبها، تاريخها وقصص مناضليها، رجل بلباس عصري اسمه «الباهي» (نادر بلعيد) يحاور شخصا آخر يدعى الزاهي (كمال الكعبي) ويطلب منه انقاذه من ذلك المكان «اريد الخروج لاشاهد السماء، سئمت رائحة الكتب القديمة» حديث الشخصيتين يبدو ان في داخله الكثير من الاسرار عن سبب وجود الباهي في ذلك المكان تحديدا و كلمات بالترميز عن الارشيف ومن يحرسه وهل يحافظون عليه ام لا.

تتصاعد احداث القصة عندما يريد الباهي الخلود الى النوم، تتغير الموسيقى ومن خلف تلك الكتب تخرج امراة طويلة القامة هيفاء جميلة تلبس البرنس التونسي، هي السيدة المنوبية ( عبير صميدي)العاشقة والعالمة، تدخل في حوار مع الباهي فيخبرها عن هروبها من زواجها من ابن عمّها وحديث عن عشقها لبلحسن الشاذلي وكلما تحدّث رجل الحاضر ازدادت نوتات الموسيقى اضطرابا كأنها صراع الحقيقة مع الاشاعة تخبره انها عائشة المنوبية، العالمة والعاشقة تخبره انها امرأة تونسية حرّة احبت التعليم والعلم وكرّست حياتها للدفاع عنه، تخبره ان عشاق الاباطيل يخلقون الاشاعات فقط لتشويه رموز هذا الوطن.

يختلف الفضاء الزماني للإحداث، فتارة هي الان وهنا زمن ما بعد الثورة وما حدث في الاوراق والوثائق من حرق ومحاولة لطمس العديد من الحقائق المخفية وطورا عودة بالذاكرة الى الماضي البعيد من خلال استحضار شخصيات اثرت في تاريخ تونس ومن السيدة المنوبية تجدك امام الوزير الاكبر المصلح خير الدين باشا (محمد بالطاهر) صاحب كتاب «اقوم المسالك في معرفة احوال الممالك» خير الدين ايضا يواجهه الباهي بالاسئلة ويسأله عن سبب رحيله من تونس ويقول له «ماكش تونسي يا باشا، لو كنت تونسيا لما لقّبوك بالتونسي» جملة تثير حفيظة خير الدين ليجيب بدوره عن اسئلة الماضي ويكشف بعض الحقائق المخفية، بين حكايات السيدة المنوبية واصلاحات خير الدين باشا واسئلة الراهن خيط رفيع اسمه تونس، خيط هو عبارة عن وطن يسائله ابناؤه في الماضي و الحاضر عن الحقيقة ويطلب منهم ان يصدقوا في كتابة الحقائق والحفاظ على الارشيف لتتضح الرؤى ويعرف مواطن اليوم تواريخ وأحداث وشخصيات وطنه بعيدا عن الزيف والإشاعات.

المسرح تأريخ
المسرح تاريخ وحركة ثورية متمردة لإعادة الحياة الى الشخصيات التي تناولتها الكتب فيبعث فيها المسرحي من روحه ويلبسها حلّة اخرى تنبض بالحياة والانفعال، والمسرحي بوكثير دومة كاتب نص «قمرة 14» من المهتمين بالتاريخ ومن كاتبي المسرح التاريخي يستعمل الفن الرابع لإماطة اللثام عن الحقائق المنسية والرموز التي تناستها الذاكرة.
على الركح تحضر شخصية اخرى ربما لا يعرفها الجميع، فارس ببارودته ولباسه الجنوبي واللحفة البيضاء تزين رأسه، يشرع البندقية في وجه الباهي ويقول اجود الكلمات، نظرات ثاقبة وصوت قوّي كأنه فارس لا يهاب شيئا، مع تسلسل الاحداث تجدك امام شخصية منصور الهوش (الطاهر رضواني) شاعر الجنوب وفارسه، شخصية ربما لم تذكر كثيرا في كتب التاريخ يستحضرها الباهي امامه ويسائلها عن سبب هروبها الى ليبيا ويسألها عن الدماء العالقة بذمتها.

ومنصور الهوش ولد في مدنين في 1840 وتوفي بطرابلس 1895 هو قائد المقاومة بالجنوب الشرقي ، ولد وترعرع بمدنين وتربى تربية امثاله من الشباب بين القرية والبادية وتعلق منذ طفولته بحياة البادية والصحراء وتعلم وحفظ القرآن، وتفقه في الدين ورسخت في صلبه عقيدة الإيمان ومحبة والوطن، والدفاع عنه، ومقاومة كل مستعمر دخيل كما تعلّم الصيد والفروسية حتى أصبح فارس فرسان ولاية مدنين.

وعندما بلغ الاربعين من عمره، ومع دخول جيش الاحتلال لتونس في 12 ماي سنة 1881، رفض المقاوم منصور الهوش ذلك الاحتلال وتملكته الغيرة على الوطن ورغب في الدفاع عنه وغضب من تصرفات الباي، ورأى في رضاه بالاحتلال وقبول وجود المحتلين على أرضنا كفرا لابدّ من مقاومته وقد كانت اولى معاركه ضد جيوش الاحتلال بمساهمته في معركة جرجيس مع (فرسان ورغمّة) ضد الجيش الفرنسي بها، الى جانب المقاوم علي بن خليفة النفاتي المولود سنة 1807 والذي شغل خطة عامل على عروش نفات من عام 1858 الى عام 1881 حتى صار علي بن خليفة غداة دخول القوات الفرنسية الى التراب التونسي من ابرز رموز المقاومين، حيث بادر بجمع أهله وتسليحهم وأعدهم للقتال ومواجهة المحتلين الفرنسيين فكانت له عدة اعمال نضالية ومشاركات في عديد المعارك الى أن تم اخماد المقاومة فانسحب علي بن خليفة الى الجنوب الشرقي وهناك التقى بالمقاوم منصور الهوش وتحولا معا الى طرابلس حيث توفي ودفن بالزاوية سنة 1885 كما جاء في موسوعة «الثقافة الشعبية» وعلى الركح يجيب الهوش الشاعر والفارس عن كل الاسئلة بالشعر الموزون والكلمات الثورية التي تغنت بقوة ابطال تونس.

قمرة14 عمل يسائل التاريخ، ينطلق من اسئلة الراهن ليسأل عن حقائق الماضي، مسرحية لها جانب تأريخي واخر بحثي لمحاولة النبش في الوثائق المهملة والارشيف المنسي عن تونس عن بطولات ابنائها وعن صدق الوثائق المكتوبة من عدمها، مسرحية تجمع بين السخرية والنقد وابدع فيها نادر بلعيد المتحصل على جائزة افضل ممثل في مهرجان 4/4 للمسرح المحترف بجندوبة، مسرحية تدعوا لمزيد البحث وقراءة التاريخ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115