في بعض شؤون الثقافة: إلى رَجاء بن عمار لماذا تَركتِ المَدارَ وَحيدًا ؟

وحيد السعفي
لماذا تَركتِ المَدارَ وَحيداً، ورَحَلْتِ؟ ما الّذي أزعجَكِ فينا؟ أعِشْقُنا الذي لمْ يَتشكّلْ صَوتاً صارخاً

بالعشق أم حُبُّنا الذي لَمْ نَجرؤ عن التعبير عنه، مات فينا ولمْ نَصدحْ به قَطُّ؟ ما الّذي أزعجَك فينا، فَرَحَلْتِ؟ أسُكوتُنا الرهيبُ أمْ صّمْتُنا الذي عايَنتِ فينا دَهراً؟ ما الّذي أزعجَك فينا، فَرَحلتِ؟

لماذا تَركتِ المَدارَ وَحيداً، ورَحَلْتِ؟ إلى أيْنَ رَحلتِ؟ هل اتّخذتِ حَيَّ السيّدة سَكناً، فَضّلتِيه على مَدار حَيّنا حيثُ كُنّا نَلقاك؟ هل تَجاوزتِ السكّةَ إلى هنالك، حيثُ أصْبحتِ وراءَها تَنظُرينَ فينا ولا نَراك؟ هل اتّخذتِ وَطناً لكِ هَوًى لأنّ وَطنَنا لم يتّسعْ لهواك؟ أم اتّخذتِ السماءَ منزلاً وتَلحفتِ الفضاءَ؟

لماذا تَركتِ المَدارَ وَحيداً، ورَحَلْتِ؟ لماذا رَحلتِ؟ هل اتّخذتِ بَيّاعَ الهَوى لك جاراً، فَضّلتِيه علينا، جيرانَك أمْسِ، كُنّا نَجهل الهوى، نَبيعُ السرابَ؟ هل وَجدتِ في الملائكة رقّاصةً فرَقصتِ تُوجعين إبليسَ وشَياطينَ الجنّ كما فَعلتِ هنا أمسِ بالشيخَ الذي يَجهلُ الرقصَ الذي كان فيك طَبيعةً وفطْرةً؟ هل وجدتِ في السّدنَةِ جَسداً حُرّاً يَرقى إلى مُستوى الجَسد الذي كان فيك آيةً في الحرّية وسُورةً من سُور الله؟

لماذا تَركتِ المَدارَ وَحيداً، ورَحَلْتِ؟ ماذا وَجدتِ حيثُ رَحلتِ؟ لِماذا سَكتِّ؟ اسْمَحي أنْ أفضحَ السرَّ. سَجدتْ لك المَلائكةُ، سَجدَ الجنُّ، وإبليسُ الذي عَصى رَبَّهُ أمْسِ خَرَّ لكِ ساجداً. صارتْ الجنّةُ سَمحةً. ساد الفرحُ. اصطفّْ الأنبياءُ ينتظرون المَشهدَ. حُمّلتِ صُكوكَ الغفران، فاغفري لنا الذنبَ.

صَفّقنا لك منذ سَنتيْن، في نهاية المَشهدِ، وأنتِ تُغادرينَ الركحَ، وانتظرنا أنْ تَعودي. اختفيتِ. لَمْ تَعودي كما كُنتِ تَفعلينَ من قبلُ لمّا كُنّا نُصفّقُ لكِ في نهاية المَشهد، وتُغادرينَ الرّكحَ ثمّ تَعودينَ أجملَ، وتَعودينَ أبهى، وتَعودينَ مُبتسمة.

وانتظرنا سَنتيْن. لم تَعودي. نَذكرُك في أحياننا الكُثْرِ. نَذكرُك عند إحياء الذكرى، وهل تَنفعُ الذكرى؟ نَذكرُك ونَرى فيك وَجهَك الذي، اسمحي أنْ أذكرَ تَقاسيمَ وَجهِكِ، كان آيةً في التعبير عَمّا تقولين على رُكحيْ الحياة الدنيا والمَسرح. كان وَجهُك وَجهَ مَسرحٍ لا مثيلَ له في المَسرحِ، وإنْ اشتهرتْ وُجوهٌ كُثيرةٌ فلا تَرقى إلى تَعبير وَجهِكِ. كان يَتقلّب تَعبيراً وفقَ الموقف، ويَبقى في قَراره جَوهراً ضاحكاً وتَبسُّمةً خالدةً تَنفي تَقلّبَه الذي كان عارضاً يَعرضُ على المسرح.

نَذكرُك ونَرى فيك رَقصةَ الجَسد الذي، اسمحي أنْ أذكرَ بَعضَ جَسَدِكِ، كان حُلمَ حالمٍ يُطوّقُ الفضاء على رُكح المسرح، لا يَعرف السكونَ الذي خُلقتْ له أجسادُ البشر. كان أنشودةً للحياة الدنيا. كان يَفرضُ إيقاعَهُ الصاخبَ على البشر، والبشرُ كانوا أعداءَ الجَسد، لمْ يتعوّدوا صَخبَ الجَسدِ. وفرضتِ حُكمَكِ في البشر.

نَذكرُك ونَسمعُ فيك نَغمَ الصّوتِ الذي، اسْمَحي أنْ أذكرَ نَغَمَ صَوتِكِ، كان أنتِ. فماذا كُنتِ؟ كُنتِ صَوتاً صارخاً لا يَركنُ للصّمت، لا حَشرجةَ فيه، صَوتاً أقضّ مَضاجعَ الوُزراء وأرْبَك الزبانيّةَ الكُثرَ. ماذا كُنتِ؟ كُنتِ يَداً مَرفوعَةً لا رَعشةَ فيها، تَنصرُ قَضايا الفنّان، تَنصرُ قَضايا الإنسان، مهما يَكن الفنّانُ، ومَهما يَكن الإنسانُ، ظالماً كان أمْ مَظلوماً. واسْمَحي الآنَ وقد بَعُدت الشقّةُ أنْ أقول لكِ على الملإ: كانتْ الوزراءُ تَخشاك وتُوصي الزبانيّةَ ألّا تَعرضَ لك فينطلقَ لسانُك بالذي لا تَشتهي الوزراءُ والزبانيّةُ، وكانت مُتْعتُنا في ما لا تَشتهي الوُزراءُ وما لا تَشتهي الزبانيّةُ.

نَذكرُك ونَرى في أفق السماء طَيفاً، طَيفَكِ، بين نُجوم السماء والفَلَكِ. انْظُرينا من هنالك. ها أنظارُنا شاخصةٌ، تَعلّقْنا بكِ. لا تَبخلي علينا من نور طَيفكِ الذي اختلط بنور القَمر والزهراء والثريّا والمَجرّة وبَنات النَّعش والراقص المُلتهب وسَعد السّعود وغير ذلك من النجوم التي لا نُسمّي. أعْجبتك صُحبةُ النجوم والفلك فبَخلتِ عَليْنا بالصُّحبة؟ أمْ تُراكِ تَقولين لا يَصلحون للصّحبة، فَوّتْنا علينا فُرصَتَنا لمّا كُنتِ بَينَنا، لَمْ نَرَ يَدَ السماء تَمتدُّ إليكِ؟

ها أنظارنا شاخصةٌ إليك، وأكُفُّنا مَرفوعةٌ نَحوَ السماء، تَدلّيْ قابَ قَوسيْن أو أدنى، نَخطفُك من حارس السماء وإنْ كان لا ينام آناءَ الليل وأطرافَ النهار. تَدلّيْ واسْمَعي تَسبيحَنا. تَدلّيْ ها نَحنُ نَمدُّ إليكِ الأعينَ لتعودي زَهرةَ الحياة الدنيا وزينتَها. أم تُراك فَضّلتِ علينا ربَّ السماء واتّخذتِ مَسرحاً عند سِدرة المُنتهى حيثُ تَطوفُ الملائكةُ ويَصطفُّ الأنبياءُ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115