جميلة كحبّ جديد، ولادة أوّل لوحة تجريدية لي». هذا ما كتبه الفنان هادي التركي ذات يوم، وبين يديه لوحة فنية ليست مجرد أشكال وألوان بل قطعة من الحياة!
ومن لوحة إلى أخرى، كانت تتراكم المهارات والإبداعات في مسيرة الفنان حتى استحق لقب «عميد الرسامين التونسين» وأحد رموز الحركة التشكيلية في تونس وأبرز رواد الفن التجريدي. ولأن تجربة هادي التركي عانقت العالمية بوصفها لغة إنسانية متفردة فقد تقلّد صفة مستشار مدى الحياة للجمعية العالمية للفنون التشكيلية منذ سنة 1978.
بعد عمر من العطاء والتجوال بين خطوط اللوحة ودروب الفن، فارق الفنان هادي التركي الحياة أوّل أمس الأحد 31 مارس 2019 عن سن تناهز 97 عاما.
حوالي 100 سنة عاشها هادي التركي وكان فيها للفن نصف الحياة وأكثر ! كان الرسم هو العشق الأبدي الذي تعبّد في محرابه الفنان الراحل وجال بين مقاعد أكبر الجامعات الأمريكية والفرنسية طلبا للفن من المهد إلى اللحد وهو الذي نظّم أول معارضه الشخصية وهو لم يبلغ سن العشرين!
نذر هادي التركي عمره للفن، ووهب حياته للرسم سواء أكان متعلما أو معلما حيث عمل أستاذا بالمعهد العالي للفنون الجميلة بين سنتي 1962 و1989. وجزاء لعبقرية الرجل الاستثنائية في محاورة اللوحة وترويض الألوان لتستحيل بين يديه إلى إبداع يؤلف بين الأصالة والحداثة، البساطة والغموض في الآن ذاته... كان الاعتراف بهذه القامة الفنية استحقاقا لا مجاملة. وقد تحصل الراحل عام 1986 على وسام الفنون والآداب الفرنسي إلى جانب وسام الاستحقاق الثقافي التونسي عام 1989.
ولئن كانت ريشة هادي التركي تطاوعه وتصيب الهدف في كل ما يرسمه من لوحات سواء كانت انطباعية أو تشخيصية أوتجريدية... فإنه كان في كل الألوان والأوقات يدافع عن مدرسة تونس في الرسم وهو خير سفير لها ومعلم وملهم.