افتتاح الدورة الثامنة عشرة للعصاميات: أينما وجدت المرأة كان الخلق والجمال ...

صانعات الامل راسمات الجمال وراكبات مطية الخيال، زادهن الحب يوزّعنه اينما كنّ، هنّ السحر والبهاء هنّ جمال الريشة

ومزاجية اللون وجبروت اللوحة البيضاء هنّ ايضا لين القلم و بهاء حركة الخط ومزج بين الواقع والتجريد لخلق عالمهنّ فهن العصاميات اللواتي أحببن الفن فأعطينه كل الحب ليينع ويترعرع.
هنّ العصاميات اللواتي ولدن فنانات بالفطرة هنّ العصاميات اللواتي عشقن الريشة واللون وان أخذتهن الحياة الى غير الفن، هن العصاميات اللواتي يجمعنّ حب الحياة ويجمعهن المركب الثقافي بالمنستير للعام الثامن عشر للاحتفاء بهنّ وبتجاربهنّ من خلال افتتاح اللملتقـــى الوطني للمبدعات العصاميات في معرض «تجريب وانفتاح».

المرأة ملح الارض ودينها وديدنها
هي السيدة هي الجميلة هي الملهمة هي الخالقة هي السعادة والامل والوجع احيانا هكذا هي المرأة في اعمالهن، هي رمز للحلم كما رسمتها الفنانة العراقية فاطمة العبيدي، لوحة تمتاز بتناسق الالوان والكتل واقحام المادة بعد اتمام الرسم كاملا، شاركت بلوحة ّ»الحالم» لوحة مزجت الاخضر مع البرتقالي وخلفية تميل الى الاصفر لتعطي معنى الانعتاق والحلم، حلم «ترابي» كما وصفته رجاء القاسمي في لوحتها لامرأة أبدعت في صناعة تفاصيل الشعر وتموجات الخط والضوء كانها تعبيرة عن الصمود لتحقيق ما تصبو اليه المرأة دائما.

هنّ النساء وهنّ الاكثر دراية بتفاصيل روحها وكيانها في افتتاح الملتقى كان موعد الجمهور في خيمة عريضة مع اللون والحركة لقاء مع المرأة في أعمال النساء، المرأة ذاك الكيان الذي لا يهزم كذلك نجدها في اعمالهنّ ، منذ البداية تستقبلك امال الشابي بلوحة plagistes لوحة لامرأة ميزتها التمازج بين الالوان الحارة والباردة فالازرق وهو لون بارد زاد من بهاء اللوحة وقلّل من حدة اللون البني، معالم الوجه غير ظاهرة وكان بالفنانة تريدك ان تضع لها الملامح التي تشاء لكن بقية تفاصيل الجسد من الخلف مرسومة بكل دقة امرأة تعرف جيدا تفاصيل جسد المرأة ودلالاته، امال الشابي صاحبة الابتسامة المميزة ابدعت في العمل التشريحي للجسم مع تدرجات الضوء في اللوحة لاعطائها الحياة.

هي كائن لا يعرف الهزيمة لا يعرف كلمة مستحيل، من الطب الى الرسم، من وجع الولادة وصراخات المواليد الجدد والام امهاتهنّ اثناء الوضع الى سحر اللون ونقاء الريشة وابداع الحركات الخطية والنفسية الموجودة في اللوحة، الى عالم جد مميز هو عالم الصوفيين تحملك الفنانة اسماء الصيد في لوحة «رحلة من نفسك الى نفسك» للعنوان رمزيته فهو دليل على السفر داخلك للبحث عن تفاصيل النقاء والصفاء التي قد يخفيها سواد الواقع، في اللوحة امرأة ترقص رقصة اللولية المعروفة في سوريا ومصر لحظة صفاء جسدتها بحركات اليد واغماض العينين وتدرجات الاخضر في تماهيه مع البني الفاتح كأنه لحظة انفصال الروح وتحليقها في عالم الصوفيين، في اللوحة اعتمدت اضافات خارجية في شكل عمودي كامل اللوحة وهو الخشب وما للخشب من رمزية الرحيل ، كما ان الزخارف المعتمدة زادت من جمالية العمل وفي أسفل اللوحة دائرة تجمع الوان الاخضر والازرق والبني وفي تمازج الالوان الرحلة التي يؤديها الصوفي الى عالم اللازمكان، رحلة صفاء تحتاجها طبيبة التوليد لتنسى القليل من وجع تعايشه يوميا وتحول الاهات الى نوتات لونية ترسم بها.
الرحلة الى النفس هي رحلة لتجاوز كل القيود، «القيود» التي جسدتها سهى العنتيت في لوحة ابرزت جسد امرأة ابدعت في صناعة تفاصيلها ،منحنية الظهر ، وهنة في معصمها سلسلة حديدية وكامل جسدها ساعات بعقارب ومواقيت مختلفة، مع تركيز على اللون البني والازرق الداكن، جميعها اشارات إلى القيود وربما ارادت العصامية تحرير نفسها من كل تلك القيود بذلك الطائر الأبيض اللون الفاتح لجناحيه والمستعد للتحليق.

المرأة عنوان للغموض هي سيدة الفعل وسيدة العمل والخيال وامام لوحة silhavette  لدرصاف جماعة تكون للزائر فرصة للتحليق في عالم الخيال لاتمام العمل وتصوره باكثر من صورة فهي تبدع في توزيع الالوان ومنها تخلق جسما بشريا فوجها نسويا، يكون غير واضح المعالم لتترك لك فرصة الخيال ،هي لها طريقتها الخاصة في التلوين من اللون تخلق الحلم وتدعو زوار المعرض للرحيل معها في عالم ميزته الالوان والتحليق الحر في سماء الخيال.

خيال ممتع كشلالات تايوان، خيال يحول جسد المرأة الى كائن هلامي تنمو داخله المناظر الطبيعية كما الجنين، فالمرأة ليست فقط ام الانسان وانما امّ للجمال و الصفاء هي امّ للطبيعة ايضا، هي امّ للوجود خالقته ومن رحمها ولد هكذا تراها الفنانة التايوانية chen manling لوحة عنوانها transparence شفافة شفافية الام مع وليدها، لوحة جمعت فيها حنينها الى موطنها تايوان وبهاء جسد المرأة الساحر ملهم الفنانين والعشاق، فنانة تحسن التعامل مع الالوان وتبدع في مزجها لخلق مشهدية لونية تصنعها بنفسها.

المرأة هي الذاكرة والوطن المصغر
اختلفت التجارب والمدارس التشكيلية المقدمة في معرض افتتاح العصاميات، اختلفت قصصهنّ وعلاقتهنّ بالرسم واللون، لكنهن اشتركن في التأريخ فاللوحة عنوان للذاكرة، الى عوالم الجدات تحملنا قيدومة العصاميات عايشة مباركي بلوحة «العولة» وهي نسيج نسج بدقة لامرأة بدوية ميزة اللوحة هي الالوان الباردة وتدرج الازرق الخلفية بيضاء تميل الى الرمادي قليلا لجلب عين الناظر الى المرأة بـ«مليتها» زرقاء اللون امامها الرحى والى جانبها القمح، اللوحة نسجت بدقة إلى حد تبدو فيه يداها كأنهما حقيقيتان تتحرك ولسان صوتها يقول:

«طقّات فردات الرحى في اللّيل
وين القمر فوق المقادم صبّة
صحّى اللي جرحه نقض في اللّيل
يفهم غناء مولاتها صبّه
تمّت تنادي فيه ولا في قدم
تنده على اللّي ما يشيلو هم
تمّت تشاكي في الرحى
عاد الرحى تشكي
لين الرّحى راحت وتقطّعت طقّاتها
مولاتها ارتاحت وتنّت عليه جاراتها
غنت ، غنت ، غنت بدال تشكي»

فالمرأة خلقت لتغني ووحدها القادرة على تحويل انينها الى شامة عز وانشودة للامل.

جميعنا يحتاج إلى جرعة من التاريخ، جميعنا يرغب ان يعايش فترات زمنية لم يواكبها تبدو تاريخية وجزءا من الذاكرة فقط وبالريشة يمكن للفنانات احياء هذه الذاكرة ومصاحبة الزائر في جولة في ازمان ماضية، رحلة سمتها نجاة بارمي الغزل وهي لوحة تنقل لحظات تغزل رجل بامرأة في أحد أزقة المدينة العتيقة، هي تلبس الخمسة وتحمل جرة الماء لوحة الوانها باردة طغى فيها الاخضر في جزء منها مع قليل من الأحمر وهو لون حار في اللّوحة الكثير من الذاكرة منها طريقة لباس الشخصيات والمشهد والعمارة حتى «المرقوم» الذي يبيعه الرجل، مشهد حيّ يبدو كأنه حقيقي لدقة توزيع الألوان والمساحات الضوئية الموجودة فيها.

هي العاشقة لكل ماهو تقليدي، هي الحالمة والمجددة، محبة التطريز وعاشقة النسيج ابدعت في المزج بين التشكيلي والتطريز لتقدم عملا يمثلها ويكشف عن بهاء عالم المنسوجات التقليدية، المبدعة سعدية الجرادي ابنة قابس ككل مرة تقدم بصمتها التراثية الخاصة في أعمالها وفي العصاميات شاركت بلوحة اسمها «رسالة الى ابي» جمعت فيها تقنية «الكولاج» والتطريز بخيوط ملونة وبسيطة، لوحة تنم عن فنانة حقيقية تطورت تجربتها لإيمانها بقدرتها على النجاح.

لازالت الجولة متواصلة في رحاب الذاكرة وفي عالم النساء، رحلة وميل الى التراث تجسده إنصاف الغربي في لوحتها « الأصالة» لوحة جمعت فيها مكونات ذاكرتنا الجماعية من زينة الشباك الى الاقراط و الخلالة وبعض الزخارف التي تميز المنزل التونسي، ميزة عملها توزيع دقيق للون ولحركة الخط ايضا، لوحة تكشف عن رومنسية الفنانة في تعاملها مع الالوان، لوحة تخفي نصف الوجه كانها تدعوك إلى اكتشاف حكايات التراث المنسية.

هنّ الحالمات صانعات تعاليم الجمال الألوان الزاهية التي تبعث في النفس الحبور ميزة اعمالهن، الجولة في خبايا الذاكرة تؤثثها أيضا نجيبة حسين في عملها «هوية تونسية» عمل جمعت فيه تفاصيل الذاكرة والتراث من خلال العمارة والاجساد واللباس وتفاصيل الابواب والحلي اتقان لحركات الخط ودقة توزيع المساحات الضوئية واللونية يكشف عن حبها للاصالة ولهويتها وتراثها.

في موضوع التراث ايضا رسمت سنيا الغزي وقدمت عمل «جناس» لنقل صورة عن المرأة بالسفساري كانها تخرج من الذاكرة ومن العتمة الى الكثير من الالوان المتجانسة فسنيا غزي تلميذة ذكية استطاعت تجاوز التقنيات التي تعلمتها وفي التراث ايضا تعود سلوى الخضراوي الى زمن قديم برسم امرأتين تصنعان الكحل، بدقة في تدرجات اللون والظل صنعت لوحة تكاد تكون حقيقية مع تركيز على تفاصيل الوجه وتشريح ملامحه بكل دقة خلفية اللوحة صفراء خفيفة مع مسحة من البني الوان هادئة لا تضجر العين وتمتع الناظر اكثر فجميعهنّ كنّ الذاكرة واعمالهن حفظت جزءا من تراثنا اللامادي والمادي ايضا من خلال رحلة الريشة على اللوحة البيضاء.


عائشة مباركي قيدومة العصاميات
تحمل منسوجاتها بكل لطف، تمسح عليها بحنو وتضعها في مكانها فكل قطعة هي جزء من الروح ومن حباب العين ظلت الوقت الطويل في صناعتها والتركيز على ادق التفاصيل لتكون بتلك الجمالية من قفصة البية جاءت قيدومة العصاميات عايشة مباركي محملة بمنسوجاتها الجميلة التي «تعلمتها من يمة عالنول» كما تقول، فمنذ طفولتها كانت تلاعب الخيوط والمنسج حتى اصبحت فنانة متمكنة من كل تفاصيل العمل الفني، أغلب أعمالها تقدم جزءا من الحياة البدوية التي ترعرت فيها العصامية عايشة مباركي.

فاتن العبيدي أصغر العصاميات
ترعرعت في رحاب العصاميات، منذ الطفولة عايشت سحر الريشة واللون، منذ طفولتها شربت حب الفن ولامست سحر اللوحة، تعلمت حبّ الفن من والدتها الفنانة فاطمة العبيدي ابنة كركوك الملقبة بأنشط امرأة على الساحة الفنية، هي الطفلة التي كانت تأتي الى العصاميات لتلعب بالالوان وبعد اعوام أصبحت تشارك بلوحتها الخاصة، الطالبة في الاداب الانقليزية في جامعة لبنان، العصامية فاتن فاروق ابنة فاطمة العبيدي ، هي اصغرهنّ اصغر العصاميات لها رؤية جديدة للفن علاقتها خاصة مع سطح اللوحة، تجلس القرفصاء تضع سماعاتها وموسيقاها لترسم، تشكل دوائر ومكعبات واشكال مختلفة ، تنثر الكتل اللونية والاشكال ثم تربط بينها بكل الحب كانها طفلة تلاعب اشكالها وتكتشف عالمها، عنوان لوحتها «الانطلاق» هي لحظة انطلاقها في عالم جميل تبدع في رسم تفاصيله ،ترسم بصدق الاطفال وحدس الكبار لتصنع لنفسها مسيرة تختلف عن مسيرة والدتها وملهمتها الفنانة فاطمة العبيدي.


فراشة الفن التشكيلي نجاة بارمي تحلق بالريشة
مميزة ومختلفة، تشد اليها الناظر بابتسامتها الجميلة، تسمى فراشة الفن التشكيلي فهي حرة وحالمة كما الفراشة، بفمها تمسك الريشة وتبدأ عملية الخلق والابداع هي الفنانة نجاة بامري التي ولدت تعاني من حالة اعاقة في الرجلين ولا تحرك ذراعيها لاصابتها منذ الولادة بضمور في عضلات الذراعين، لكنها تفوقت فاستعملت أسنانها الامامية لترسم وتبدع فهي الحالمة والقوية التي واجهة شبح «الاعاقة» وقاومته ونجحت ان يكون لها لقب فراشة الفن التشكيلي في تونس فهي الكادحة والحالمة وصاحبة الإرادة التي لا تقهر.

تونس للجميع
تونس هي الوطن الذي يجمعهم بكل اختلافاته وتنقاضاته وجماله، تونس وطن الابداع وارض لميلاد الحالمات، تونس بورقيبة والدغباجي والطاهر الحداد، تونس الثورة والعزة هكذا رسمتها رشيدة منصور في لوحة اعتمدت فيها الاكريليك والتلصيق وتركتها دون عنوان لتترك للزائر حرية التحليل والتعبير، صور لتوحيدة بشير وبورقيبة وفرحات حشاد وذاك الشاب الحامل للقفص في 2012 وكلمات ارادة و ثورة والشعب يريد والاهم كلمة «تونس لا تستحق هذا الالم» جميعها رسائل قصت معها الفنانة الدفاع عن وطنها والتعبير عن وجعه وقوته واختلافات ابنائه.

اختلاف صنع بهاء تونس اختلاف في العمارة ابدعت العصاميات في نقله، فهاهي الفة العفاس تمزج الالوان الحارة و الباردة وتوزعها على كامل الفضاء لتبدع في تقديم صورة عن جزء من العمارة التقليدية لمدينة صفاقس، اشكال في شكل اقواس وشباك تقليدي ربما هي فكرة عن احد الابواب المنسية والعفاس فنانة تتقن التعامل مع الالوان ذكية في صناعة الاشكال داخل كتل الالوان.

ألوان متناسقة، ألوان مختلفة اختلاف سكان المدينة العتيقة بكل تفاصيلها، فالعمارة في اللوحة تبدو أجمل ربما هي رغبة العصامية في ذلك، عنوان اللوحة زوم على المدينة كانها تشريح لكامل فضاءات وبناياتها وتفكيكها واعادة تجميعها في لوحة واحدة القصبة في الاعلى ثم المنازل والقباب والجوامع ثم الابواب القديمة تدرج في البناء وتدرج في اللون تقول معه جنات مامي عاشقة العمارة والخيال التي تستعمل خيالها لاكتشاف كل الأماكن المظلمة ان المدينة جميلة ولوحة فنية ممتعة فانقذوها وحافظوا عليها لانها جزء من ذاكرة الوطن.
الوطن يحتاج إلى إدارة والارادة تكون في الكتاب والقراءة والتفكير هكذا هي رؤية اكرام الزرافي للوطن، فنانة مهتمة بالحروفيات مبدعة تتعامل مع الخط العربي لتصنع منه اجمل اللوحات، في «الارادة» استعملت الخط الديواني مع الوان متجانسة ومتناسقة هي رسالة تذكر باهمية الخط العربي من جهة ومن جهة أخرى تدعو الى التفكير للابداع، الفنانة المختصة في

الهندسة الميكانيكية تقول ان الفن «جزء من الروح» ويشترك مع مهنتها الاصلية في حرية التفكير والخلق و «الالهام» الذي نحتاجه لنبدع، «الالهام» هو عنوان لوحة للفنانة المتميزة اسماء البرقاوي المعروفة بالفسيفساء شاركت هذه المرة بلوحة مرسومة كانها تؤكد ان الفن انفتاح لوحة اعتمدت فيها تقنيات رسم المزاييك والوان كثيرة كما الامل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115