المدينة الاثرية بدقّة: هنا عشق بعل امون منيرفا فكانت thugga الرائعة

هل تبحث عن متعة لا نظير لها؟ هل تريد القيام بجولة في مدينة تسحر الفكر والرّوح وتمتع ناظريك باهى الصور؟

اتبحث عن سرّ دفين وتريد اكتشاف الحضارات القديمة جميعها؟ هل تبحث عن مكان يجمع كلّ الحضارات التي تعاقبت على هذه الارض ملتحمة، متجاورة؟ ان كنت تريد جولة في غياهب التاريخ لك ذلك، اذا اردت العودة بالزمن الى الخلف قليلا، ليس بضع سنوات بل اكثر من ذلك، بضعة قرون ربما ستجد بين ازقتها وفي نقوشها وزينة فيسفسائها كلّ ما تبحث عنه ستشبع روحك وفكرك؟ فهلا تفضلت بالزيارة فالوقت يمضي والمدينة شاسعة.

رحلتنا ستكون الى مدينة تاريخية مميزة، هي عروس الاثار في تونس هي الاجمل والأكثر صيانة، وهي كأميرة تتربع على عرش التراث وان كانت قرطاج تاج تونس فدقّة عقدها الفريد، دقة مثل عقد لؤلؤ فريد لا مثيل له، معالمها المترامية كحبات اللؤلؤ تلك التي تزين رقبة منيرفا اله الجمال رحلتنا الى التاريخ فالتاريخ يعلم الانسان الدروس، ويجعله اكثر وعيا وأقدر وعيا" كما يقول عبد الرحمان منيف و الجولة تكون مؤطرة من قبل وكالة احياء التراث والتنمية الثقافية ونقابة الصحفيين التونسيين.

 

الجبل الصخري يدعوكم لسماع حكاياه فانصتوا
هنا دقّة، 108كيلومتر عن العاصمة تونس، رحلة تنطلق من العاصمة باتجاه الساحرة vagaكما يسميها محبي التاريخ vagaاو باجة مطمورة روما، vaga مدينة التاريخ والذاكرة و thugga جزء من هذه الذاكرة الشاسعة، رحلة تسحر العين بخضرة ازهار الربيع وتفتحها كأنها تستقبل بشوق زوار المكان لتصحبهم في رحلة داخل المدينة الاثرية رحلة ستظل راسخة في الذاكرة كما النقوش الموجودة على الحجارة.

في مكان مرتفع توجد المدينة الاثرية، اذ تقع دقّة على بعد 5 كيلومترات من معتمدية تستور، الى يسارك ايها العاشق الباحث عن اسرار الماضي سحر الحقول المترامية الخضراء اللون الممتعة الى يسارك الحاضر وربيع الشمال الغربي المبهر والى يمينك التاريخ، الى يمينك تاريخك حضارتك اسرار من بنى هذا الوطن وفكّر وكتب وأرّخ وصنع وترك معالم ومعمارا يشهد ان اجدادك مبدعين يشهد انّ هذه الارض منذ الازل كانت عنوانا للحضارة للتميز وللتعايش السلمي بين جميع الاديان والأفكار وبعد اتمام الزيارة ستعرف لم اخبرناك عن التعايش بين الاديان والأفكار فهلاّ واصلت.

منذ البداية تعترضك لافتة كبرى للتعريف بالموقع وإخبارك ان دقّة موقع مصنّف ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي، ابتسم فالخبر مسعد، ام انّك منهمك في القراءة ما كتب عن دقّة؟، انت تقرئ الان انّ دقة موقع يمسح مساحة سبعين هكتارا وتعتبر اثاره شاهدة على اكثر من سبعة عشرة قرنا من حياة مدينة تأسست قبل القرن الرابع للميلاد، مدينة كانت الاجمل مدينة هي اول عاصمة للنوميديين مدينة تبدئ بحرف T وكل باحثي التاريخ والمهتمين به يعرفون ان المدن التي تبدئ بحرف Tبربرية امازيغية تتبع المملكة النوميدية و THUGGAالواقعة على مسافة 130 كلم جنوب غربي قرطاج اول عاصمة للنوميديين في القرن الرابع للميلادي لتكون في عهد الملك النوميدي ماسينيسان (198-194 قبل الميلاد) مقرّ إقامة الملكية.

فلتعد بالذاكرة الى قرون مضت، اغمض عينيك وعد في ساعة الزمن الى القرن الرابع قبل الميلاد ستجد انّ الإسم النوميدي للمدينة TBGG والإسم اللوبي TBG يعني "يحمي" حسب غابرييل كامبس،وبذلك تتّضح تسمية المدينة، من خلال خصائص الموقع إذ أنّه موقع يسهل الدّفاع عنه.

ويذهب بعض المؤرخين للإعتقاد بأنه من الممكن التّعرف على دقّة من خلال أغاثقلس، ملك صقلية، الذي أطلق عليها تسمية TOKAÎ وعرّفها على أنّها "المدينة جميلة من الحجم الكبير" وبعد قرون لازالت "توكاي" مدينة اثرية ذات حجم كبير وآثار اكبر تستحق الزيارة والاكتشاف وتستحق ان تكون علامة بارزة في السياحة الثقافية.

ساحة "زهرة الرياح" سرّ "البلدة المزدوجة"
قارئنا العزيز هلا اكملت الرحلة فلا زال الكثير لتكتشفه دع اللافتات المكتوبة وأمتع عينيك بجمال لا يوصف قبالتك مباشرة المسرح الاثري حجارته وأعمدته وتيجانه تشهد عن عشق من سكنوا المكان للفنون، سنترك المسرح للآخر فلنكمل جولتنا اذن، رحلتنا لن تكون اعتباطية بل سيرافنا السيد محمد علي الشهيدي محافظ رئيس الموقع الاثري بدقة عاشق المكان والعارف بقصصه وأسرار حجارته.

إلى اليسار قليلا ستجدك في ممر مبلّط تتوسطه آثار محفورة لعربات وتلك ميزة دقة فتلك الآثار هي لعربات النبلاء والأمراء الذين كانوا يأتون إلى المسرح في عرباته التي تركت آثارها شاهدة أكثر من 17قرن.
الشمس الربيعية زادت المكان سحرا، هدوء غريب يجتاح المكان شعور غريب يسكنك ربما، فانت في حضرة الالهة، لا تخفض صوتك بل ارفعه بالغناء وهلّل للحب والعشق. لأنك في حضرة "جوبتير" و"جونو "والساحرة "منيرفا" فهل ستهاب ملكة الجمال والحب، فأنت قبالة الكابيتول المعلم الروماني المميز للإلهة وجهة المحبين والحالمين، وغير بعيد عنه معبد "بلوتون" و"كايلستيس "وساتورنورس" و"نبتون" فانت اذن في حضرة الالهة الرومانية بكل تعاليم الحب وشعائر الحياة التي رسموها.

الساحة الدائرية الشاسعة هي "قلب المدينة" كما يقول مرافقنا محمد علي الشهيدي، وقد بنيت في نفس الفترة مع معبد "عطارد" بين سنتي 180و192قبل الميلاد على نفقة زوجين ينتميان الى الجالية الرومانية في عهد الامبراطور كوموديس فخلفك تماما أي الى الغرب معبد الالاه "مركوريوس" الاه التجارة وحامي التجار وقبالتك من جهة الشرق سوق المدينة، في هذه الساحة زهرة الرياح كما يسميها الجميع وهو الاسم الحديث لساحة "اريا ماكيلي" Area Macelli" او ساحة اسماء الرياح ففي القاعة المبلطة رسمت ثلاث دوائر متحدة المركز ويصل قطران متعامدان كبيران بين الدائرة الداخلية والدائرة الخارجية وفقا للاتجاهات الاساسية، حيث يصلان من جهة بين الشمال والجنوب ومن جهة ثانية بين الغرب والشرق وينقسم الحيز الفاصل بين الدائرتين الى 24خانة في حين تركت الاثني عشرة خانة اخرى خالية للفصل بين الخانات المليئة بأسماء الرياح وكتب فوقها اسماء الرياح والاتجاهات لتكون دليل السكان لمعرفة حال الطقس وترمز الساحة الى دور الاله عطارد كمسافر عبر الكون ودور السوق الذي يتلقى البضائع من جميع انحاء العالم للتسوّق.

ولان THUGGA اول عاصمة للنوميديين فالى جانب الكابيتول الساحر بأعمدته المدهشة ونقائشه الرائعة والتيجان والسواري الموشاة بأجمل النقوش والكتابات يوجد قبر العظيم "ماسينيسان" ملك النوميديين وقائدهم، ومن يقول روما حتما سيسأل عن الفوروم وفي الموقع توجد ساحة الفوروم الى يسار الكابيتول و يعتبر مشروع بناء الفوروم الذي اقيم على انقاض ساحة "الاغورا" النوميدية اول مشروع تهيئة رومانية وكان اول مبنى روماني شيد في منطقة الفوروم هو معبد "تباريوس".

دقّة او ثقة او "تبقاق" اللفظة اللاتينية المستوحاة من اللفظة اللوبية "تبقق" التي تنطق حسب المختصين "تبقاق" هي "بلدة مزدوجة" منذ ضمها يوليوس قيصر عام 46قبل الميلاد الى روما اصبحت مكانا للتعايش المزدوج بين الطائفتين المختلفتين، طائفة المستوطنين الرومان "باغوس ثوقنسيس" و طائفة السكان المحليين "سيفتاس ثوقنسيس" طائفتين تعايشتا في سلما واتحدتا وتماهتا في تشكيل عمران المدينة لتكون بهذا السحر والتمازج بين عمارة النوميديين ومعابد الهتهم تانيت وبعل امون وزينة معالم الرومان وسحر منيرفا وجوبتير.

في هذه الساحة ايضا وقبل الكابيتول ببضعة امتار وضعت الحجارة بطريقة عسكرية تلفت النظر فهي اذن حصن بيزنطيّ يعود الى القرن السادس قبل الميلاد ، فالبيونطيون ميالون الى بناء الحصون لصدّ العدو وغير بعيد عن هذه الساحة من جهة اليمين تماما قبالة "الكابيتول" جامع اسلامي يعود الى الفترة الاغلبية بني اواخر القرن 17 واوائل القرن 18ميلادي وقد تمّ تشييده على معلم وثني.

فالحضارات جميعها تجمعها هذه الساحة التي شيدت في عهد الامبراطور كوموديس في 58ميلادي حد تعبير محمد علي الشهيدي، الم نخربك منذ البداية انها مدينة داخل المدينة، هذه الساحة الدائرية هي صفحة مهمة بل كتاب ممتع تعاقبت عليه الحضارات وكل تركت بصمتها بين صفحاته من النوميديين الى الرومان فالوندال و البيزنطيين واللوبيين والعرب المسلمين، في هذه الساحة اجتمعت كل الديانات فالروماني يعبد منيرفا وجوبتير وجاره النوميدي البربري يقدس تانيت و القرطاجني يعبد بعل ال حامون وبعدها كان للمسليمن الاه الواحد الاحد الذي يعبدونه .

توكاي سحر لا ينضب
الجولة داخل دقة ممتعة، السمش الربيعية بدأت تميل الى الغروب ولازال الكثير لاكتشافه، لك ان تترك ساحة الفوروم وبهاء الكابيتول وتتوجه حيث الشمس في طريق ملتوية وأزقّة ستخبرك حجارتها عن الحمامات و المعابد وسكان المكان، الى الشرق معلم او "معبد الالاه المجهول" ، معلم كثر حوله الجدل يسمى بدار لشهب لانه اسم العائلة التي سكنته الى ان اشترته الدولة التونسية وبعد الدراسات اتضح انه معبد حيث تمّ التعرف على الغرف الداخلية للمعبد خلف الصحن الذي تضمن نقيشة مطولة تحدد تاريخ بنائه بين 166 و163قبل الميلاد في العهد المشترك للامبراطور ماركوس اوروليوس والامبراطور لوكيوس فيروس، ميزة المعبد الحجارة المنقوشة المرمية في كل مكان وكانها تدعوك لتعلم اللاتينية لمعرفة اسرارها وقصصها.

الجولة ممتعة، الطريقة مميزة، رائحة الورود الربيعية تنتشي معها الروح، وحكايا الحجارة تشد الاذان، بعد المعلم طريق اخرى طويلية، نحو الشرق مجددا في اتجاه المعلم "اللوبي-البوني" وقبله بقايا لحمامات مربعة الشكل هي "الحمامات الانطونينية" كما يوحي اسمها بنيت في عهد الامبراطور كركلا "ماركوس اوريليوس انطونيوس سيفيروس" في تاريخ فترة من بين 211 و217قبل الميلاد.

ثم مدرج يضم 22درجة وقاعات موشاة بالفسيفساء وحمامات اكبر حجما لانها تعود لحمامات ومراحيض العمالقة وحيدي العين: تسمية هذه الحمامات مستوحاة من من لوحة فسيفساء تمثل العمالقة وحيدي العين، وهي حاليا بمتحف باردو وقد

تم العثور عليها في القاعة الباردة "فريجيداريوم" وتعتبر هذه الحمامات من اقدم من حمامات كركلا وحمامات عين الدورة جنوبي الموقع ويحتوي هذا المعلم الذي كان مرجحا انه حمام الحي على كافة العناصر الكلاسيكية للمعالم المعدة لهذا الاستخدام "غرف ساخنة ودافئة وباردة" وتوجد ايضا سراديب واسعة كانت تخصص لحفظ المواد اللازمة لتشغيل الحمام ولعل اكثر ما يلفت الانتباه هو المراحيض الجماعية الواقعة الى يسار الحمامات وتتخذ شكل حدوة حصان وهي تتالف من مقاعد بها اثني عشرة فتحة دائرية تتواصل الى الامام في شكل فتحة طويلة كما جاء في اللافتة التعريفية بالمكان.

توكاي مدينة الحب مدينة السحر مدينة الغموض والقصص التي لا تنضب، قصص تحكيها الحجارة وتخبرك بكل جزئياتها، قصص تدعوك لدراسة التاريخ لمزيد الحكمة عملا بمقولة تشرشل "ادرس التاريخ، ادرس التاريخ، فهناك تكمن اسرار الحكم".

مسرح دقّة الاثري: شعاع فن ينير الدروب
شارفت جولتنا على النهاية، الوقت يتسارع والشمس تريد العودة الى مكانها والرحلة الدائرية قاربت على النهاية فلنعد الة نقطة البداية اذن أي الى سحر المسرح الاثري بدقة وجمال تلك التحفة المعمارية التي تشبه كثيرا جوهرة نادرة وسط احجار اكثر ندرة او هو ياقوتة صنعها ساحر مجوهرات لا يكرّر.
ويعتبر المسرح أحد المسارح الرومانية الرائعة في شمال إفريقيا وأكثرها محافظة على شكله وأجزائه. بُني سنة 168م في عهد الامبراطورين مارك أورال (Marc Aurèle) )ولوقيوس فروس (Lucius Verus) على نفقة واحد من أثرياء دقّة، وهو يتألّف من ركح وأركستر و19 مدرجا مقسومة على 3 طوابق بأروقة للعبور. ويتسع ل3500 متفرج.
مسرح دقّة الاثري ليس مجرد حجارة او كتابات تاريخية ونقوش منسية، مسرح دقة يفتح ابوابه سنويا لاستقبال عشاق الحياة، يحتضنهم ليحلموا و يبدعوا ويرسلوا الى العالم نوتات ترقص لها فينوس وتنحني لسحرها تانيت وربما تسمع هتافات الاعجاب من عطارد وهو يدور حول الرياح، مسرح "تكّة" الاثري فضاء للإبداع مع مهرجان دقة الدولي لكنّه يستحق المزيد من الاهتمام فالعقد الفريد وجب مزيد الالتفات اليه حتى لا يخفت بريق حبات اللؤلؤ فيه.
ها قد انتهت الجولة داخل توكاي العجيبة، ها اننا نغادر المكان والشوق يحملنا لنعود فلازال الكثير لسماعه، ها انك قارئنا العزيز ترحل ولازال سحر الاثار يسكن روحك تغادر ولسان قلبك يردد كلمات فاروق جويدة:

أعود من بلدي الحبيب الى بلدي

احيا لوعة الذكر

سأعود من وطني الى وطني

وكلاهما بصبابتي يسري

وأظل أفتديك فى عنقي

وأعد أيامي على الجمر

حتى أعود إليك ثانية

وعلى يدي عطر الدهر

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115