احتفالا بذكرى ملحمة بن قردان: «شهادة وشهود»: العقول النائمة لا تبني أوطانا فانهضوا وثوروا

ثلاثة اعوام مرت على احداث 7مارس 2016، ثلاثة أعوام أثبتت فيها بن قردان انها مدينة للعزة وأثبت أبناؤها أن

تونس «غالية» ويفتدونها بدمائهم إذا لزم الأمر ثلاثة اعوام مرت على ذكرى ملحمة العزة التي انتصرت فيها تونس على اوهام غربان الموت ورفعت الراية الوطنية شامخة ودحر اصحاب الرايات السود، بعد ثلاثة اعوام يستحضر الثلاثي يوسف مارس وضو الحداد وادريس عبد القوي ملحمة مدينتهم وبشكل كاريكاتوري ناقد وفي عالم يجمع بين الواقع والخيال ينقدون حال المدينة في الذكرى الثالثة للملحمة.

على الركح يحضر الشهداء ليخبروا ابناء مدينتهم عن حالهم ويوقظونهم من سباتهم، نص جريء جمع الكوميديا بالتراجيديا، عمل يبكيك حينا ويدفعك إلى السؤال أحيانا أخرى، ملحمة تستحضر ذكرى الشهامة وتناديهم لينهضوا من جديد فالبليدة مجروحة ووحدهم أبناؤها من يستطيعون مداواتها.

الشهداء على الركح فانصتوا...
تونس، قرمبالية، الحمامات، النفيضة كندار، البشاشمة، القيروان، رقادة، بوحجلة، جهينة، الشوايحية، الشراردة، العوايد، سيدي الظاهر، بير علي بن خليفة، واد غويلة، الحمادة سيدي محمد نوقيس، قابس، كتانة، الزكرين، مارث، كوتين1وكوتين2، فمدنين وام التمر ثمّ بن قردان، يا بن قردان الحرة، يا بن قردان العزّة، يا بن قردان الحب جئناك عشاقا جئناك باحثين عن تفاصيل الشهامة والكرامة، جئناك لننبع من مياه شموخك ونستدفئ بدفء اصواتك الرافضة للخنوع، جئناك للتزوّد بالوطنية و اعلاء الراية التونسية، جئناك لمشاهدة حارسة الحصن واتّباع تفاصيل ذكرى الملحمة في عيدها الثالث «هنا بن قردان، هني بن قردان، ليلة 7شهر 3من عام 16، صوت الكرتوش، قالوا باش نحرروكم، من شكون هاكم قتلتونا» كما يقول فرحات دبّش معلنا عن انطلاق العرض.

يرتفع صوت الموسيقى معلنا عن انطلاق عرض «شهادة وشهود» موسيقى الة العود تبعث في المكان روحا هادئة رقيقة مستحضرة أرواح الشهداء وأصواتهم، صوت العود كأنه عملية مناداة لهم ليحضروا ويشاركوا الجمهور الفرجة، صوت سفيان هلال يغني لتونس ويقول ما قاله مارسال خليفة « غنّي لصباح جديد، غنّي، هنّي الشهيد بوليد، بين الفرح والعيد والعيد، يا شعب لمّا يريد، يا تونس الحرة» وفجأة تحدث الجلبة، الاجساد المرمية على الركح تتحرّك، اضطراب في الحركة وارتفاع للصرخات والهتافات «تحيا تونس»، فهاهم الشهداء استجابوا للنداء وجاءوا ليحيّوا جمهورهم ويحدثوه عن «البليدة» ووجيعتها « البليدة نحبك ونصونك ولو غدروك اولاد الشؤم».

على الركح يستحضر الثلاثي يوسف مارس وضو الحداد وادريس عبد القوي الشهداء ويجعلونهم على الركح يحيونهم من موتهم ليكونوا صوت النص ويكونوا الشهود على الاحداث فالمسرح قادر على احياء الموتى واستنطاقهم وسؤالهم ولساعة ونصف من الزمن يعود الشهداء الى الحياة ويخبرون الحضور عما حدث ويدعونهم لينهضوا ويثوروا فالسبات لا يقدم حياة كريمة.ولا يصنع امجادا.

احلام الاحياء يحكيها الشهداء
يحلم ابناء بن قردان كغيرهم من شباب هذا الوطن، يحلمون بالتشغيل والحرية و الحق في الصحة وتحسين المنظومة التعليمية، يحلم ابناء حارس الحصن بالكرامة، احلام بعضها مؤجل وآخر اجهض منذ مدة، احلام تخامر جميعهم نقلتها الملحمة على الرّكح في نص نقدي موجع يقوله الشهداء.

جميعهم بالأبيض، وللأبيض رمزيته فهو لون النقاء و السلام هو الكفن الذي كفّنت فيه اجساد شهداء الوطن، البياض هو عنوان للحلم ايضا، يتحدث اول الشهداء عن رائحة الورود التي أقلقتهم ويسال سكان البليدة عن الوعود التي وعدت بها الحكومات المتعاقبة ويدعوهم الى النهوض والمطالبة بحقهم في الحياة.

لساعة من النقد الموجع، نص جريء وخطابه مباشر يستنهض الهمم يدعو الضمائر النائمة لتصحو ينقد السياسيين والمسؤولين والمواطنين ابناء بن قردان يدعوهم إلى النهوض «نوض، قوم، قاوم، فيق، اطلب، طالب، عبّر، الي يحب البليدة يقوملها بكري» كما يقول نص العمل.

الشهداء شهود على الحقيقة احياهم النص من سباتهم، ارواحهم حضرت في اجساد ممثلين مبدعين يؤمنون بأن الفن وسيلة للمقاومة والتمسك بالحقوق ومطية لتغيير العقول النائمة بأخرى متقدة الى الحياة.

بين وعد السياسي ومماطلة المسؤول يتيه «البطّال»
ايقظته الوعود الزائفة، اقلقته التصريحات «هاو باش نخدموكم، هاو باش»، انهكته سياسة «سين التسويف» واتعبته كثرة الوعود والمطالب المكتوبة، هو «بطّال» تونسي الجنسية يتمني جغرافيا الى بن قردان، ميّت منذ اعوام لكنّه الاخر نهض مع الشهداء ليحدثنا عن حلم لازمه لاعوام قبل موته ولازال يلازم اترابه وابناء جهته، حلم التشغيل.

الموسيقى تصبح اكثر عنفا، حركاتهم على الركح تكون اكثر قوة كأنها تعبيرة عن رفض داخلي يسكن سكان الجهة وغضب يلازمهم من البطالة وازديادها، حسام الزريبي ابن الرقاب يحدث الجمهور ويقول «بطّال، نعم انا بطّال، 10 اعوام بطال، 20بطّال ولازلنا في سياسة هاو باش نخدموكم» ليكون بعدها خطاب اخر لابن بن قردان صياح بوراس ويحدث الجمهور عن البليدة ويقول «هنا بن قردان، وراء ها البلاكة، مئات المليارات تدخل خزينة الدولة، مياه جوفية، نفط ثروات طبيعية، وملح البحر والمعبر، ونعاني البطالة» فهل يعقل ان ترتفع البطالة في مدينة لم تتجاوز نسبة السكان فيها 120 الف ساكن؟.

حلم التشغيل من هواجس ابناء الجهة ومن احلامهم اليومية ايضا، وللتعبير عن ارتفاع هذا الهاجس اعتمد كتاب النص على تقنية الكاريكاتور في التعبير عنه فهاهو ابن العاصمة الياس العبيدي يرسله مكتب التشغيل الى بن قردان ليعمل في «المنطقة الحرة» التي وعدوا بها منذ اعوام واول أمس تم وضع حجر الأساس يسال احدهم عن العنوان فتكون الاجابات في شكل احلام وامنيات «كلية الطب، كلية الفنون، المنطقة السياحية» وحين يجيبه «تحب تخدم» تنهض الاجساد المرمية في اشارة الى ان الجميع يريد العمل وكناية عن ارتفاع البطالة في بن قردان، مشكل عبّروا عنه بالفن والمسرح فاب الفنون وسيلة للمطالبة بالحقوق الاساسية.

«المرا البنقردانية» الحرّة ابدا
بياض يعمّ الركح، كزهرة الياسمين تطل بالأبيض بفستان زفاف لم تمهلها الرصاصة للباسه، زهرة بن قردان، شعاع شمس تونس سارة الموثق تحضر لتخاطب اترابها وتحدثهم عن بن قردان مدينتها، عن حلمها وأحلام ابناء جهتها، أحلام ابدعت الطفلة نهروان ملوس في الحديث عنها بنبرة صوتها المميزة وتعابير وجهها رغم صغر سنها والرّهبة التي بدت واضحة في أول لقاء لها بالجمهور.

تتحدث على لسان الشهيدة وتقول «انا العامرية، الورسنية، المعمرات، الطابعي، العذيبات، السانية الحمراء، الراس، راس جدير، المعبر، على ذكر المعبر، اذا اردتم التغيير فعبّروا، ارسموا،ارقصوا و أطلب و طالب».

الشهيدة تدعوهم إلى المقاومة، تناديهم ليثوروا ويطالبوا بحقوقهم، تخبرهم عن العالم هناك وتدعوهم ليكونوا اقوى وتسألهم عن وحدتهم التي تراجعت وتحدثهم عن بن قردان الشجاعة والشهامة.

ولانّ الانثى وطن والمرأة عنوان للريادة يكون للمرأة حضورها في «شهادة وشهود» فهي صاحبة العقل الراجح، هي الحرة، هي العاملة والحالمة، هي روح الشهيدة وامها واختها وابنة مدينتها، هي الوطن المصغر هي الحالمة والباحثة و «المتخلفة كلمة اقولها عن عمد وغير قصد لانّ اغلبكم يعتقد ان المرأة البنقردانية متخلفة وهي سيدة النساء» كما يقول صياح بوراس في نص المسرحية جملة تعلو معها زغاريد النسوة وهتافتهم باسم المرأة الحرّة والمثابرة.

يا جريح الخبزة وفات؟
عندما يشتبك الفن بالواقع ويلتحم الفنان بالجماهير حينها سنرى عملا ملحميا، عندما يكون الفن مطية للنقد ووسيلة لقول لا والتعبير عن الاحتجاج ضدّ التهميش والاقصاء، على الركح يرقصون وهم يعرجون، صوتا العود مرة اخرى يعود ليكون صوت لخلجات الارواح المثقلة والمنهكة هو صوت الجرحى اللذين اصيبوا اثناء ملحمة 7مارس 2016، العود كان تعبيرة عن وجيعتهم مع اغنية يرتفع صداها ويقول الممثلين «يا جريح الخبزة وفات» بعدها يتحدث خالد حجاج عن الجرحى عن معاناتهم، عن احلامهم المجهضة، عن وجيعة نفسية تؤرقهم اكثر من وجيعة الجسد فالشهداء ارتقوا الى خالقهم فمن للجرحى؟ من سينصرهم ويناصرهم، من يمسح دموع الالم عنهم ومن يعيد إليهم ابتسامة متعبة ومسروقة ولو الى حين؟ خالد حجاج بدا في نصه منفعلا ومتماهيا مع الكلمات لأنها جزء من واقعه المعيش وهو ابن بن قردان الشاهد على وجيعة الجرحى ولان الواقع مؤلم يختم النص بمقولة « gamme over . فسخ وعاود من جديد» فما الذي سيفسخ؟ هل الوجيعة؟ ام الانتظار ام الحلم؟.

انهضوا فالثورات لا يصنعها النائمون
هنا بن قردان، هنا ساحة دار الثقافة في المدينة، هنا مدينة سماها التونسيون الحصن المنيع، هنا تاريخ وحضارة بحر وصحراء ومعبر، هنا افكار متحررة وعقول تريد التغيير هكذا يقول نص «شهادة وشهود» العمل الملحمي الذي يستنهض الهمم ويوجه النقد المباشر الى ابناء المنطقة لصمتهم واستسلامهم، يذكرهم بوحدتهم ويدعوهم إلى النهوض والمقاومة، يريد منهم كتابة تاريخ مجدهم وافتكاك حقوقهم وعدم الاكتفاء بالوعود يذكرهم انهم «يبيعوا كل شيء الا البيلدة مايبعوهاش» ويدعوهم إلى استحضار تاريخهم وشهامتهم والمقاومة المستمرة حتى تفتك الحقوق.

يوسف مارس مخرج «شهادة وشهود»
وجب تغيير اسلوب الفعل الثقافي ليكون اصدق
هو ابن الجهة، مسرحي حالم لازال يؤمن بدور الفنون ويدعو أبناء جهته إلى التمسك بالفعل الثقافي الحقيقي عن شهادة وشهود يقول يوسف مارس «العرض المسرحي شهادة وشهود هو شهادة في حق ناسي وأهلي في بن قردان هو شهادة في حق من دفعوا بالغالي والنفيس الذين ضحوا بدمائم و ارواحهم للدفاع عن تراب تونس، و الشهود هم الشهداء الفلاقة و من مات في ملحمة 7مارس 2016»

يستحضر العرض بعض الأموات و الأحياء من زمن الخطاب إلى زمن الحكاية فيبث فيهم من روحه لساعة من الزمن ، فيكرمهم و ينطقهم بمشاغلهم و مشاغل بني جلدتهم.

فيشخّصون الداء و يعرون الحقيقة و يذرون من ملحهم على جرحهم ويقولون للمحسن أحسنت و للمسيء أسأت. و يقفون صفا واحدا ضد كل من يهدد استقرارهم و يقض مضجعهم هنالك في البرزخ زمن الموت و كل ما يهدد بني

جلدتهم في الحياة. فيكون العرض في برزخ بين الحقيقة و الخيال، بين لحظتي الهدم و البناء الفارقتين. لذلك تراه ماسكا بالعصا من الوسط، يحلل بالعقل رغم سطوة العاطفة، و ينتصر إلى الحقيقة رغم لذة الخيال التي كانت منطلقه ومستقره.

يستحضر العرض أيضا صورة القوال بثقل إرثها الشعبي و بقدرتها على الحكي و التأثير و بهامش الحرية المسؤولة التي تنطوي عليه و بقدرتها على الشعور بهموم الناس و نقلها. فالنفس واحدة و الهم منتشر.

ويضيف محدثنا أن نموذجا من النص بني على فكرة اساسية و هي الاقتراب أكثر ما يمكن من الشارع في ظل ما يعيشه الناس من تهميش و بطالة و من غياب الرغبة فخلق من جهتين من الجانب السياسي ومن المواطنين فحاولنا أن نقوم بجلد الذات لمواطني بن قدران علهم يستيقظون من سباتهم العميق.

و يبدو من وجهة نظرنا كضو الحداد و إدريس عبدالقوي ويوسف مارس ان اخر الطب الكي» أي انه ان الاوان لتسمية الاشياء بمسمياتها، ليكون النص خليطا من اوجاع شاعر وكاتب ومخرج

وعن اهمية الفعل الثقافي في جهته يقول مارس انّ الفعل الثقافي هو الحامي الأول و الاخير لهوية هذا الوطن فهو ينبى على العلم و الفن ما يلاحظ أمانة هو غياب شبه كلي للثقافة الحقيقة التي تحتك بالواقع والتي تقترب من مواطن يبدو انه في نظري فات زمن ثقافة المهرجانت الورقية و مهرجانات «البيروات».

لانّ الفعل الثقافي والمثقف مطالب بالغوص في واقعه و عليه أن يغزو الشارع ان الأوان للذهاب إلى الجمهور إذا تغيّر الواقع وتغيرت المنظمات التربوية والسياسية والاجتماعية ولذلك علينا تغيير الاسلوب .

جذاذة العمل الفنية
- نص: يوسف مارس و ضو الحدّاد و إدريس عبد القوي
- إخراج: يوسف مارس
- تمثيل : صالح الجدي و فرحات دبّش وبشير يحيى وضو الحداد وصياح بوراس ومبروك السّيّاري وإلياس العبيدي وحسام الزريبي ومراد طواهرية ونزار شفرود وجدي ناجي نهروان وعائشة يحيى وضحى الحجام.
- غناء : سفيان هلال وعبد العزيز بنعون وأمين لبيض واسمراني ونزار شفرود
- رقص مجموعة من خيرة راقصي الجهة .
- موسيقى: عدنان كتار
- إضاءة : لطفي معاوية
- سينوغرافيا : صابر شريح

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115