بصفاقس في قطف زهور الخلق وورود الخيال. فإذا بالثمرة لوحات ولوحات، منحوتات وتجليات من الحياة، تنصيبات تتمرد على الموجود لترسم بريشة الحلم والأمل وجه الوجود. ومن مقرّها بـ»برج القلال» قدمت هذه الجمعية إلى العاصمة حاملة تاريخها النابض بالحركة والألوان ومسيرتها المتفاخرة بأمجادها وأعلامها لتنظم معرضا جماعيا بقصر خير الدين بالمدينة العتيقة احتفالا بحدث ثلاثينية التأسيس.
سنة 1989 كانت ولادة جمعية أحباء الفنون التشكيلية من رحم الإيمان بأن الفن عقيدة في الحياة وأن إعلاء راية الجمال واجب والتزام. على يد ثلة من الفنانين وعشاق الفنون كان بعث هذه الجمعية بهدف نشر الثقافة الفنية والتشجيع على فتح الفضاءات الثقافية وتنظيم المعارض والندوات واحتضان الورشات واللقاءات...
ثلاثون سنة من النضال الثقافي
أسماء وأسماء، أجيال وأجيال، فنانون ومبدعون... مروا بتاريخ جمعية أحباء الفنون التشكيلية بصفاقس من تونس وخارجها من التأسيس إلى حدث الاحتفال بالثلاثنية.
انطلاقا من فترة أوّل رؤساء هذه الجمعية محمد اليانقي وصولا إلي فترة الرئيسة الحالية عايدة الزحاف، تحافظ جمعية أحباء الفنون التشكيلية على سيرتها ومسيرتها كمنارة مشعة بأنوار الثقافة والفن سيما بعد إن اتخذت من «برج القلال» مقرا وفضاء مفتوحا لاحتضان إرهاصات الحياة على المحامل الفنية المختلفة والاحتفاء بالضيوف والجمهور...
احتفالا بمرور 30 سنة على ولادة جمعية أحباء الفنون التشكيلية بصفاقس، صرّحت رئيستها عايدة الزحاف لـ«المغرب» بالقول: «في برج القلال لا نكتفي بالفنون التشكيلية هاجسا ومعارض بل نفتح الأبواب لبرنامج دسم متنوع الفقرات ومتعدد الاهتمامات يفسح المجالات لكل الفنون ويحتفي بالصناعات التقليدية والعادات والموروث الثقافي ويستضيف كبار المفكرين والمثقفين من تونس والعالم . بالرغم من الصعوبات وشح الموارد المالية فإننا نبذل قصارى جهدنا ونعطي بلا حساب لهذا الفضاء الثقافي حتى يعكس نبض الجهة ثقافيا ويكون رجع صدى للحراك الفني والثقافي على المستويين الوطني والعالمي. ولن يزيدنا حدث الثلاثينية إلا إصرارا على التحدي والإيمان بدور الفن على تغيير مصير الشعوب.»
«برج القلال» لحفظ ثقافة الأبراج من الاندثار
يحكى أنه في برج من الأبراج المنتشرة في ضواحي مدينة صفاقس بين جنان الكروم واللوز والزيتون مما منح الجهة ميزة متفردة معماريا وحضاريا...وجدت جمعية أحباء الفنون التشكيلية لها مقرا ومستقرا بعد أن أقدم رجل محب للثقافة وممارس لها اسمه عبد السلام القلال على وهب برج العائلة «برج القلال» لهذه الجمعية حتى يكون منارة ثقافية ومنبرا لصوت الفنون ولؤلؤة تشع بالفكر والعلم... بعد أن فرط الكثيرون في بناءات الأبراج بالهدم والبيع وبناء العمارات الشاهقة على أنقاض الأبراج التي تختزن الذاكرة الجماعية وتشهد على سمة اجتماعية وحضارية تميز بها المجتمع الصفاقسي دون سواه.
ولاشك أن هذه البادرة لتحويل البرج السكني إلى فضاء ثقافي تعكس التزام صاحبه عبد السلام القلال بحماية معمار الأبراج من الاندثار والنسيان وسط صيحة المجتمع المدني بالحفاظ على ما تبقى من هذه الصروح ذات الجمالية والخصوصية التي يمكن استغلالها في مسالك سياحية ثقافية على شاكلة فنادق صغيرة أو ديار ضيافة... سيما وأنها تختزن مظاهر عديدة للتراث
اللامادي في العادات والتقاليد.
«الحرقة» الثقافية لغزو البحر بالفن
بعيدا عن الفضاءات المغلقة والمعارض الكلاسيكية على الجدران التقليدية، تبتدع جمعية أحباء الفنون التشكيلية ببرج القلال تجليات مختلفة للتعبيرات الفنية وأشكال ومحامل جديدة للعملية الإبداعية... وفي هذا السياق يأتي المشروع الثقافي «الحرقة» بدعم مادي من «تفنن» ليؤسس نظرة مغايرة لمعضلة الهجرة السرية وركوب مراكب الموت من خلال إنجاز معرض دولي لتنصيبات عائمة بالميناء القديم «شط القراقنة» بصفاقس، حول موضوع الهجرة غير النظامية. وباعتبار أن الهجرة غير النظامية هاجس ومأساة ...فإن هذا المشروع الثقافي «الحرقة» يهدف أساسا إلى التحسيس بمخاطر الإقدام على اعتلاء أمواج الخطر لبلوغ الضفة الأخرى من خلال لغة الفن. مما من شأنه أن يساهم في تعميم ثقافة الفنون التشكيلية وممارستها كوسيلة للتعبير الحر ...
وفي أطار مشروع «الحرقة» تفتتح أعمال الورشة الفنية يوم السبت 23 مارس 2019 ببرج القلال حيث سيقوم الفنانون التشكيليون شاليس لاي من السينغال والفرنسية من أصل سوري سمر رحمة وغازي زليلة وياسمين الحضري وتهاني الهنتاتي بإنجاز 5 تنصيبات فنية سيتم
تعويمها يوم 30 مارس الجــــــاري بالميناء القديــم بصفاقس. وذلك في انتظار دفعة جديدة مـــــن التنصيبـــــات العائمة التي ستغزو البحر فنا وخيالا وجمالا في وأد لمراكب الموت التي تلقي بالشباب الغض في الأعماق السحيقة و في بطون الحوت وانتصار لثقافة الأمل والحياة.