مسرحية «الحبيب بورقيبة الحوار» لرجاء فرحات في المركز الثقافي والرياضي المنزه السادس: تونس عصية على السقوط وإن كثرت مشاكل الأحزاب

التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وباطنه بحث وتحقيق مقولة للعلامة التونسي ابن خلدون مقولة هي مدخل الفنان رجاء فرحات

في اعماله وفي بحثه وفي تحقيقه في التاريخ التونسي المعاصر ونقله للجمهور بطريقة مسرحية ممتعة استعمل فيها وسائل الخطابة وحبكة الحكاية ومسار العرض المسرحي.
العرض هذه المرة كان بمثابة المقابلة الصحفية التي تجمع صحفية بالزعيم الحبيب بورقيبة، لقاء يتحدث فيه بورقيبة عن السياسة والبورقيبية وعلاقته بقيادات الحزب ورجالات الدولة وسبق أن قدم الفنان المسرحي رجاء فرحات أعمالا حول مسيرة المناضل السياسي الحبيب بورقيبة فجاءت كل من مسرحيات «بورقيبة: خطاب البلماريوم» و«الزعيم بورقيبة: السجن الأخير» و«بورقيبة في أمريكا» و«بورقيبة وحراير تونس».

صراع الزعامات بين الامس واليوم
زينة الركح بسيطة، كرسيان تتوسطهما طاولة مربعة الشكل مغطاة بلحاف بني عليها كاسا ماء ابيضا اللون، شخصيتان تجلسان على كرسين الاولى لرجاء فرحات متقمصا شخصية البحبيب بورقيبة بطربوشه التونسي وبدلته السوداء اللون قبالته امال الفرجي في شخصية الصحفية، والعمل عبارة عن حوار صحفي مع الزعيم الحبيب بورقيبة تطرح فيه الصحفية اسئلة عن بعض المعطيات السياسية التي اثثت مشهد تونس قبيل الاستقلال وبعده، اسئلة عن التعليم والمرأة.

المسرح تأريخ، المسرح جزء من الذاكرة ووسيلة للتعريف بتاريخ تونس وتقديمه بطريقة سلسلة ومبسطة وباسلوب مشوق وممتع ليرسخ في الذهن ولرجاء فرحات طريقة مميزة في الحديث، فحديثه حلو وطريقته في تقليد الحبيب بورقيبة ممتعة إلى حد التصديق أنك أمام بورقيبة ولست امام تجسيد لشخصيته.
عبر هذا الحوار وفي الحوار حديث عن جزء من الحركة النضالية لبورقيبة المتمثلة أساسا في عودته سنة 1943 لتونس بعد اعتقاله سنة 1938 من قبل الشرطة الفرنسية على إثر تظاهرة شعبية ليقع فيما بعد نقله إلى مرسيليا ثم إلى سجن ليون ثم إلى حصن سان نيكولا حيث اكتشفته القوات الألمانية التي غزت فرنسا، فنقلته إلى نيس ثم إلى روما، ومن هناك عاد إلى

تونس حرًا طليقًا (سنة 1943).

إلاّ أن فرنسا عادت إلى تونس عام 1945، كمستعمِرة. وقرر بورقيبة السفر إلى المنفى الاختياري في القاهرة في 23 مارس عام 1945، وفي سنة 1955، اعترف رئيس المجلس الفرنسي، بيار مانديس فرانس ، بحق تونس في الاستقلال الذاتي تحت وطأة الحرب الجزائرية ووقعت الاتفاقيات في شهر ماي عام 1955، وعاد بورقيبة إلى تونس كبطل قومي وزعيم سياسي.

في العام 2019 كانت العودة بالذاكرة الى ما قبل الاستقلال الداخلي، حديث في مقابلة صحفية للزعيم عن علاقته بصالح بن يوسف ومؤتمر صفاقس وسبب اختيار مدينة صفاقس فضاء لعقد مؤتمر الحزب الدستوري، حديث عن وجع المنفى والوطن المشتت وبحث في حقائق ربما لم ندرسها جميعنا قدمها رجا فرحات بطريقته المشوقة.

الذاكرة تحمل المتفرج الى ما قبل الاستقلال الداخلي ويتحدث بورقيبة عن رفض صالح بن يوسف لاتفاق الاستقلال الداخلي واجتماعه بالمصلين في جامع الزيتونة لحثهم على الاحتجاج على اتفاقية الحكم الداخلي ورفضه التحول الى صفاقس للمشاركة في مؤتمر نوفمبر 1955، واعلانه الخوف على حياته من «رفاق الدرب وإخوته في الحزب» كما يقول فرحات على لسان بورقيبة ومن هناك انطلقت القطيعة بين بن يوسف وبورقيبة قطيعة تشبه تماما قطيعة اليوم والصراع السياسي الذي تعيشه الاحزاب اليوم، وكان التاريخ يعيد ذاته فهاهو نداء تونس الذي كان حزبا واحدا قبيل الانتخابات الرئاسية يتخاصم أبناؤه إلى حدّ الاختلاف ويتفرقون وينقسم الحزب وتتشتت الرؤى والأفكار فصراع السياسة والسياسيين على الركح يبدو وكأنه تأريخ لكنه ايضا جزء من واقع اليوم.

التعليم والمرأة قوة تونس
تحاور الزعيم صحفية امرأة، وهو عنوان لكفاءة المرأة التونسية وتعلمها وخروجها من كلاكل الجهل، ففي الحوار يعيد بورقيبة التأكيد على دور التعليم و اهميته في بناء الدولة الحديثة فلا وجود لدولة قوية وأبناؤها غير متعلمين، ويعود الزعيم بذاكرته الى ما قبل الاستقلال وانزعاج المقيم العام الفرنسي من تفوق تونسيين وحصولهم على الباكالوريا ، في حوار الذاكرة تحتل المرأة والتعليم حيزا هاما من الوقت ومن الفكر البورقيبي «محرر المرأة» كما يسميه البعض وناصر التعليم كما يناديه البعض الآخر حوار التعليم والمرأة يربط الامس باليوم و تطرح الصحفية سؤالا عن سبب بداية تهلهل المنظومة التربوية التي حرص الزعيم على بنائها وفي الوقت ذاته تراجع بعض الحقوق التي تحصلت عليها المرأة رغم تقدم العصر، السؤال الاول تكون اجابته «شوف نقابات التعليم» وهنا يخرج فرحات من الشخصية ليصبح الشخص هو المتحدث ويقدم وجهة نظره وسبب انقطاع مليون تلميذ عن الدراسة رغم حرص بورقيبة على اهمية التدريس وبناء المنشآت وهنا يحمل رجا فرحات نقابة التعليم مشاكل وسلبية المؤسسة التعليمية التونسية.
بين الامس واليوم تدور الحكاية، مسرحية تنطلق من حب رجا فرحات للتاريخ التونسي واتقانه له ورغبته في تقديمه الى المتفرج بطريقة ممتعة، على الركح ابدع فرحات في تقمصه لشخصية الزعيم بورقيبة إلى حد التماهي وفي الاجابات اعتمد المراوحة بين الماضي والحاضر وبذكاء شديد ربط احداث الماضي بأحداث الراهن وترك للجمهور فرصة القراءة ومحاولة فك الشيفرات لينتهي الى كلمة «تحيا تونس حرة أبد الدهر».

تقديم عرض تاريخي يؤرخ لفترة جد هامة من التاريخ التونسي خطوة ذكية من فنان مختلف، تقديم التاريخ ومسرحته هو مطية للمقاومة ايضا لنعرف تاريخنا ونعيد البحث فيه وتقديم اعمال تاريخية او ذات منحى تاريخي هي وسيلة من وسائل التوعية فمن لا يعرف تاريخه لن يستطيع بناء مستقبله حتما وتلك رسالة رجا فرحات في كل اعماله المتعلقة بالسيرة البورقيبية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115