فيلم «المجاذيب» لشيراز بوزيدي: الموسيقى مطية للهروب من الواقع

الفيلم الوثائقي وسيلة لتقديم الصورة الحقيقية عن ظاهرة ما دون اضافات درامية او سينمائية، السينما الوثائقية

جزء من الواقع هي عملية نقل لقصص وحكايات افراد او مجموعة دون «ماكياج» او زينة، وبالكاميرا نقلت المخرجة جزئيات من حياة «مجاذيب» الرديف في فيلم روائي طويل اسمه المجاذيب.
وهو فيلم وثائقي طويل للمخرجة التونسية شيراز بوزيدي فيلم تتابع معه قصص محبي الحضرة ومقدمي اغانيها في ربوع مدينة الرديف، تلاحق قصصهم الشخصية وتبحث في سر تعلقهم باغاني الحضرة التي تكون مهربهم من بؤس الواقع.

الكاميرا صوت المفقّرين
الى الرديف من ولاية قفصة كانت رحلة كاميرا شيراز بوزيدي، لأربعة اعوام واظبت على التصوير تحديدا قصصهم وحكاياهم وعلاقتهم بالموسيقى، زينة الفيلم طبل وشقاشق وآلات موسيقية ايقاعية هي سلاحهم ليقاوموا البؤس والوجع المرسوم على وجوههم.
هم المجاذيب الذين احبوا موسيقى وأغاني الحضرة فكانت مطيتهم للقمة العيش وفي الوقت ذاته اداة للهروب من شظف العيش وبؤس الواقع، الكاميرا كانت صوتهم، ترددات ارواحهم وعنوان لوجيعتهم، رحلة الكاميرا في مدينة الرديف نقلت بؤس المنطقة وصعوبة حياة الشباب هناك.
أبطال الفيلم وأبطال القصة شباب تونسيو الجنسية ينتمون الى واقع مزر عنوانه البطالة والتهميش الاقتصادي والاجتماعي انطلاقا من» محمد الرايونو» الذي حبس ظلما فاصبح «مهبولا» الى ناجح وغيره من شباب الجهة الذين يشتركون في حالة فقر شديدة يعيشونها ويحاولون الخروج منها لقاء لقمة العيش وثمن السجائر، بؤس المدينة انعكس على الصور الصفراء والانهج غير المعبدة والاسنان المصفرّة بفعل المياه وملابس لم يغيرها الاشخاص طيلة الفيلم إلى حد أن بعضهم يلبس «شلاكة» صيفا وشتاءا، كاميرا شراز بوزيدي عايشت حكاياهم وتفاصيلهم، نقلت للمتفرج بؤسهم وصعوبة حياتهم، الكاميرا كانت فرصتهم للحديث عن اوضاعهم الاجتماعية وأحلامهم المسروقة والمؤجلة وهل للفقراء حق في الحلم في وطني؟
بالكاميرا جعلت المخرجة جمهور قاعة الطاهر شريعة يعايش واقع مجموعة من شباب الرديف و حكاياهم بالكاميرا انتصرت الى وجيعتهم وانحازت الى آلامهم لتكون السينما صوتهم ووسيلة للتعبير عنهم وفضاء ينفثون فيه وجيعتهم في ظل نظام لم يسمعهم يوما وسياسيين لم ينحازوا الى واقعهم ولا مشاكلهم ولن ينقذوا الطفولة التي تنقطع عن الدراسة ولا الشباب المعطّل .

الموسيقى مهرج وملجأ
المجاذيب هو اسم الفيلم وهي جمع لمجذوب ومعناها «رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ الصُّوفِيَّةِ جَذَبَهُ الْحَقُّ إِلَى الْحَضْرَةِ الإِلَهِيَّةِ» وفي الفيلم يكون المجاذيب هم رجال حضرة سيدي بوعلي، شباب محب لموسيقى الحضرة يتفاعل معها ويعايش ايقاعاتها إلى حد الشعور بالقوة والجنون، انفعالهم وتخميرتهم يراها البعض جنونا وفي الفيلم تكون الموسيقى مهربهم، صوت الشقاشق وصرخات الطبل كما عذابات النفس وشطحاتهم على الموسيقى كانها تعبيرة لرفض الفقر والتهميش، الموسيقى والحضرة في الفيلم تكون دليل هؤلاء الشباب ليهربوا قليلا من الواقع مع «السجائر» و «بعض الكحول» ثلاثية تجتمع لتبعدهم عن بؤس يعيشونه وشظف يقلقهم كما يقولون في الفيلم، الموسيقى كانت هاجسهم للحياة، لحظات المتعة والابتسامة الحقيقية حين يجتمعون ليغنوا ويرددوا اغاني الحضرة و يصرخ صوت الشقاشق مخترقا صمت الوادي العميق وبؤس المدينة التي يعيش اهلها الكثير من الوجع.

الفيلم طويل إلى حد الضجر أحيانا
عنوان الفيلم «المجاذيب» حاولت معه المخرجة تتبعهم وتتبع قصة تعلقهم بموسيقى الحضرة ودورها في حياتهم، لكنها اطالت في تتبع قصصهم الشخصية وحكاياهم فبات الفيلم مقلقا بسبب طوله وضياع «Fil conducteur» إلى حد تشعب الحكاية بالإضافة الى طول المشاهد التي تضجر في بعض الاحيان إلى حدّ التساؤل عما سيغير مشهد ما في علاقة المتفرج بالفيلم، ما الذي ستضيفه قصة حب هناء وناجح للفيلم وللموضوع الرئيسي؟ وما الذي سيغير مشهد احد الاطفال يشرب «كحولا» وما علاقته بالمحور الأساسي للفيلم؟ ما الذي يضيفه تصريح احد المصلين عنهم وقوله «هم لا يصلون لكن ندعو لهم بالهداية والنجاح؟» ما الذي ستضيفه معلومة صلاتهم من عدمها في علاقة المتفرج بفيلم وثائقي؟ بالإضافة الى «التمثيل» احيانا في مشهد «التخميرة» أو «الصرع» والهلوسة المشهد كان تمثيلا وبامتياز وليس حقيقيا فكيف يصرع شخص وقدماه مثلا ثابتتان؟ فقط يحرك يديه وبلطف؟ في مشهد البرايف قبل العرض تمر جملة « يزي من الخدمة فيجيب اخر لا راهم مازالو يصوروا» ربما جزئيات بسيطة لكنها اثرت سلبا على الفيلم الذي اثر طوله وتشعب حكاياه على سيرورته، فالفكرة جد مميزة وجميلة لكن طريقة التناول لم تنجح كثيرا.

جينيرك الفيلم وصوت معتصم الأمير عنوان للقوة
صوته ساحر، له قدرة على اختراق قلب المستمع، من مقومات نجاح الفيلم صوته في الجنيريك في وسط الفيلم، الفنان معتصم الامير من تطاوين حلق بحنجرته في سماء الابداع السينمائي، فكان من علامات القوة وغناؤه اثناء تحرك الشخصيات ومرورها من حالة الى اخرى كان بمثابة البلسم الحقيقي، لصوته قوة وتردداته كانت من مميزات الفيلم وعلامة فارقة، صوت الفنان مثل نقطة قوة باختلافه وتمكنه من الاغاني الصوفية التي يرددها فابدع في الغناء وأبدع في كسب اذن المتفرج ورسخ في ذهن المتلقي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115