غيرك يهتدي بخير ما تملكه.» ومن أجل هذا النور الذي يقذفه الله في قلوب عباده المثقفين والفنانين والمبدعين فيحشد حولهم آلاف المحبين والمعجبين والمساندين تهرع الأحزاب السياسية إلى استمالة هؤلاء المشاهير وعينها على القاعدة الجماهيرية العريضة من ورائهم عساها تكون لهم أصواتا فائزة وأوراقا رابحة يوم الانتخابات!
كثيرا ما تبذل الأحزاب السياسية قصارى جهدها من أجل التحاق المثقفين والمبدعين بصفوفها وتسارع إلى نشر صور انضمام بعضهم إلى هياكلها وكأنها تفاخر بأنها عنوان الحداثة والفكر وحصن للإبداع والفن... خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية 2019 في تونس.
«آفاق تونس» وندوة عن «آفاق الثقافة بعد الثورة»
الاستقطاب لأهل الثقافة والإبداع بقصد الانخراط والانتماء ليس وحده طموح الأحزاب السياسية بل كثيرا ما يسعى السياسيون إلى العزف على أوتار النخبة المثقفة والفنية ويقدمون أنفسهم على أنهم حماة للإبداع وعشاق للفكر في كل تجلياته من خلال تنظيم ندوات فكرية تهتم بالمسائل الثقافية.
وفي آخر موعد مع هذه الندوات وهي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة نظّم حزب آفاق تونس، مساء الثلاثاء 26 فيفري 2019 في أحد النزل بالعاصمة، ندوة تحت عنوان « آفاق الثقافة بعد الثورة ». وقد منحت هذه الندوة منبرها ومصدحها للمخرج السينمائي إبراهيم اللطيف و الفنان الموسيقي محمد علي كمون والفنان لطفي بوشناق والفنانة ووزيرة الثقافة السابقة سنيا مبارك وصاحبة الرواق الفني عائشة القرجي.
وقد نقلت مصادر إعلامية كلمة رئيس حزب آفاق تونس ياسين إبراهيم في استهلال هذه الندوة التي أكد فيها « أن الثقافة بعد الثورة أخذت منحًى إيجابيا، عكس القطاعيْن الاقتصادي والاجتماعي، الذي رافقته صعوبات. واعتبر أن تحرّر الطاقات في مجال الفن والإبداع لا يُخفي عديد النقائص، ذكر من بينها غلق دور الثقافة يوميْ السبت والأحد.
وأن حزب آفاق تونس يدعم السياسات الثقافية والمبادرات الفردية في قطاع الثقافة. ويدعم حقوق الفنانين والمبدعين».
وفي المقابل عدّد الفنانون المتدخلون في ندوة «آفاق الثقافة بعد الثورة» إشكالات القطاع الثقافي التونسي وصعوباته في الإنتاج والدعم والتوزيع والترويج... في غياب سياسة الصناعات الثقافية في تونس.
الثقافة عجلة خامسة في برامج الأحزاب
مع اقتراب ساعة الحسم والفصل بين الأحزاب السياسية التي بلغ عددها 216 حزبا في استعداد لخوض سباق الانتخابات 2019، يهرول السياسيون نحو المثقفين والفنانين بعبارات الإطراء والمديح وباقات الورد والتكريم قصد كسبهم في معركة الكرسي. وفي درجة أخيرة بعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد تحاول بعض الأحزاب تخصيص ورقات هزيلة في برنامجها الانتخابي للثقافة. ولكنها في الحقيقة ليست سوى ذر للرماد على العيون و إسكات لأصوات النقد والاحتجاج ... وعادة ما تبقى هذه السياسيات والخطط والوعود حبرا على ورق لا يتحقق منها لا الكثير ولا القليل ! فكم من أحزاب وصلت إلى الحكم بعد الثورة وقطعت على نفسها عهودا لصالح المجال الثقافي على غرار نشر فضاءات الثقافة ودعم شبكة قاعات
السينما وسن قوانين تحمي وضعية الفنانين ... أخلفت الوعد وتنكرت لتعهداتها ونسيت ما تشدقت بها في الاجتماعات والخطب أمام أهل الفن والإبداع.
وبعد هذا الإرث من العهود الخادعة كالسراب ونكث الوعود، لم تعد مغالطات السياسيين قادرة على إقناع المثقفين والفنانين وهم الذين يتخلون عن الثقافة فلا يدافعون عنها تحت قبة مجلس النواب وهي ترثي حظها المسكين بميزانية صفر فاصل . هؤلاء السياسيون الذين كثيرا ما يقفون موقف المتفرج أمام امتحانات حرية الفن والتعبير ونادرا ما يكتفي بعضهم ببيانات مساندة هزيلة.
ومتى قدم أحد الأحزاب برنامجا ثقافيا حقيقيا وأبدى نية خالصة في تطبيقه على أرض الواقع ، فالأكيد أن الكل سيصفق على انجازه ويرفع له القبعة عاليا لأنه قدّم خدمة لتونس الحداثة والفن والفكر والتنوير أولا وأخيرا.