في الاحتفال بتسجيل فخار سجنان في التراث العالمي: فنانات «عرائس الطين» يطالبن بجزاء على قدر الإبداع !

إلي «سجنان» كان الطريق مفتوحا على احتمالات وخيالات عن كنه تلك القرية المعجزة التي عانقت سماء العالمية

ونسجت من خيوط الشمس وضوء القمر حكايات ومنحوتات صفّق لروعتها العالم وسجلها في قائمه تراثه الخالد. كانت الرحلة إلى السجنان كالسباحة في بحر من الزّمرد حيث كانت السيادة للون الأخضر وحده في امتداد الأفق اللا ّمنتناهي وكأنه يلثم وجه السحاب تارة ويهدهد نسمات الهواء تارة أخرى. كلما اقتربنا أكثر في الزمان والمكان نحو المبتغى والمشتهى كانت سجنان تبتسم لنا وترسم لنا بريشة فناناتها الحرفيات أبهى اللوحات عن تفاصيل عشق الأرض وعرائس الطين.
في استعارة لعناصر الطبيعة الأربعة من تراب وماء وهواء ونار تبدع نساء سجنان التحف والمنحوتات والعرائس... في موهبة استثنائية وحرفة متفردة فنلن شهرة عالمية بتسجيل فخار سجنان في قائمة التراث العالمي. وهو ما كان مدعاة احتفاء واحتفال من خلال تظاهرة «فخار سجنان…فخرنا».

احتفاء روتيني لا يليق بالحدث الكبير
بعد مرور20 سنة من تخلف تونس عن ركب التسجيل بقائمة التراث العالمي، أعادت حرفيات سجنان الشهرة العالمية إلى بلادنا بعد أن تم رسميا يوم 29 نوفمبر 2018 تسجيل عنصر المعارف والمهارات المرتبطة بفخار نساء سجنان في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونيسكو. وبهذه المناسبة انتظمت تظاهرة احتفالية بعنوان «فخار سجنان…فخرنا» كان افتتاحها يوم الاثنين 18 فيفري 2019 بإشراف وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين وحضور والي بنزرت محمد قويدر والإطارات المحلية والجهوية وعدد من أعضاء مجلس نواب الشعب. فهل كان الاحتفال في حجم هذا الحدث الكبير؟

دون الخروج عن «كليشيه» كل الاحتفالات التي أضحت «فلكور» مكررا إلى حد الملل، كان نقر الطبول ودق الدفوف في استقبال ضيوف تظاهرة «فخار سجنان... فخرنا» التي استهلت برنامجها من زيارة إلى القاعة الرياضية المغطاة بالجهة حيث توّزعت على يمين مدخلها ويساره لوحات معرض فوتغرافي عن حرفة نساء سجنان في ترويض الطين وتشكيل العرائس وتنسيق الألوان... حيث تقاسمت حرفيات هذه اللوحات ملامح شقاء المهنة وأصابع إبداع فطري وموهبة على السليقة.

من الفضاء الخارجي إلى بهو القاعة، كانت فنانات عرائس الطين تجلسن وراء منحوتات خلقتها أناملهن من العدم فنطقت سحرا وجمالا وروت تفاصيل قصة البعث من التراب إلى الحياة. وبعد أن تجوّل الوفد الرسمي في المعرض في كلمات شكر ومجاملة، انتفضت الحرفيات في سخط وحنق عن مصير تلك التحف التي تحملن وزر نقلها وكلفة شحنها من منازلهن إلى قاعة العرض دون بيعها وكسب قوت يومهن!

حرفيات سجنان يرفضن الحضور كمجرد ديكور
بقدر ما كانت إبداعات حرفيات سجنان تضج جمالا وحياة وشهرة عالمية، بقدر ما كانت ربات خلقها تتطلعن بعيون راجية وحائرة إلى ضيوف معرضهن سائلات منهم أن يشتروا بعضا مما أحسنت أياديهن صنعا حتى لا يضيع جهدهن سدى ولا يخيب لهن في السعي لعرض منحوتاتهن رجاء!
في حديث خاطف لـ «المغرب» مع نساء فخار سجنان أجمعت فنانات مدرسة الطبيعة على بؤس وضعيتهن الاجتماعية مما يجبرهن على مشقة التنقل مئات الأمتار بحثا عن مادة الطين في الشعاب وبين التلال ثم العودة بها كالغنيمة الثمينة إلى البيت لتنطلق أسطورة الخلق والتشكيل التي تستغرق الأيام والليالي في استعانة بالماء والهواء والنار لتنضح عرائس الطين وتتجلي في أبهى زينة.

لم يكن يهم حرفيات سجنان كثيرا أمر تسجيل مهاراتهن في صنع فخارهن بقائمة التراث العالمي طالما لم ينفض هذا الحدث عن بضاعتهن غبار الكساد ! كما لم تكن شهائد التكريم تعني لهن الكسب المثير والحال أنهن لا يجدن مسالك ترويج منعشة لما تبدعه أناملهن فتقيهن سؤال الحاجة وشظف العيش !
أمام مرارة سؤال نساء سجنان عن مآل أفضل لحرفتهن التي استحقت التسجيل في قائمة اليونسكو للتراث الحيّ، وعد وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين في كلمة له بالمناسبة بتخصيص ميزانية لاقتناء فخار نساء سجنان وذلك بهدف إعادة الاعتبار للشأن الإبداعي الحرفي وتثمين إسهاماته في عملية إثراء المشهد الثقافي الوطني. كما أعلن عن تنظيم أسبوع بمدينة الثقافة لعرض فخار سجنان والعمل على تسهيل حضور الحرفيات في المعارض الوطنية والدولية...

لا شك أن سجنان الساحرة خصبا وصفاء والضاربة شهرتها في أقطار العالم لأنها أنجبت من رحمها فنانات تتلمذن على يد الطبيعة تستحق أكثر مما هي عليه بكثير من تثمين لمسلكها الأثري والحضاري والحرفي واعتراف حقيقي بمعجزة ربّات عرائس الطين اللاتي حاورن التراب وصافحن النار وأمسكن الهواء ولاعبن الماء في أسطورة خلق لا تشبه غيرها أبدا !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115