معرض الفنان محمد الوحشي في دار الثقافة ابن خلدون المغاربية: المكان قيمة جمالية والمرأة سر حركة الضوء واللون

صدق الشابي حين صرخ بكل شغف وقال « أنا يا تونس الجميلة في لج الهوى، قد سبحت أيّ سباحةّ، شرعتي حبك العميق

« فها هو محمد الوحيشي يصرخ بريشته ليعبّر عن شغفه بهذا الوطن الصغير ويتجول في ربوعه موثقا بالريشة ما تراه عينه وما يقع في قلبه من هوى لسحر هذه الأرض.
في دار الثقافة ابن خلدون المغاربية يقدم الفنان جزءا من تجواله في ربوع تونس في معرض سماه ma passion picturale en 3p- patrimoine-portait et paysage، معرض حمل هواجس الفنان وإرهاصات ريشته وهي توثق لجمال تونس من شمالها إلى جنوبها وتلتقط خصوصياتها لتكون الريشة أداة للتوثيق والتاريخ.

الريشة الكاميرا
ألوان جميلة تتسابق لملء المساحات البيضاء بأجمل القصص، عشق الريشة فاتخذها وسيلته للسفر في المعرض يوفر لك الفنان فرصة للتجوال في ربوع تونس وأنت في مكانك في بهو دار الثقافة ابن خلدون المغاربية من لوحاته يبدو الفنان شديد الالتصاق بهويته ووطنه، عاشق لتونسه التي يجسدها كما يجسد الوليد لعبته ويصنعها بكل الحب، فالمعرض يكشف لك أجمل مناطق تونس التي سحرت الفنان وألهمته ليجلس أمام البياض ويملؤه من روحه ليقدم أجمل الإبداعات.

يبدو المكان وما له من رمزية من مقومات أعمال الفنان التشكيلي محمد الوحشي فللمكان دلالاته العديدة المكان هنا يكون الموطن و المنشأ وكذلك فضاء قيمي جمالي يبدع الفنان في تشكيله ليصبح قيمة جمالية لها خصوصياتها في لوحات محمد الوحشي.

المكان أيضا جزء من الفنان، هو قيمة لونية وضوئية فللجنون خصوصية اللون الأصفر وامتداد أشعة الشمس فيكون التعامل أساسا مع الألوان الأولية وللشمال سحر الخضرة فيصبح مزيج الألوان الباردة ممتعا وللبحر خليط الألوان الأولية والثانوية لنحت تفاصيل المكان الذي يجعل منه الرسام قيمته الفنية والجمالية الأولية والتي ربما يهرب إليها كلما اشتد ضيق الواقع عملا بالمقولة ف»الفن هو الطريقة الوحيدة للهروب دون ترك منزلك» ، ولأنك تريد الهرب من الضوضاء يتجول بك محمد الوحشي في «نهج السكاجين» فتراك تحيّى هذا وتخاطب ذاك وتسمع حكايا المدينة العتيقة وتستمتع بسحر عمارتهــا ثـم تتجول في طرقها وممراتها إلى حد الوصول إلى «باب سويقة» وتكمل جولتك في ربوع الأماكن الصوفية لتصل إلى جمال قبة سيدي محرز واللون الأخضر الجميل الذي يغطيها، مزيج من الألوان تزيد الصورة بهاء أكثر من الحقيقة أحيانا.

ليحملك فجأة إلى القيروان الساحرة لتتجول في «جامع القيروان» وبالريشة واللون البني ينقل تفاصيل وجزئيات صحن الجامع وقاعة الصلاة، ومن القيروان إلى توزر الجميلة لتتجول بك ريشة الفنان في «سيدي عبيد» وتشاهد انعكاس ظلال النخيل على اللوحة بتماهي الأخضر والأصفر وقليل من البياض كأنه يحاكي صمود الصحراء وقساوتها، لتصبح الألوان أكثر وضوحا ويكون الأخضر اشد قوة في «سيدي بومخلوف» فبالريشة يصحبك الرسام لتعايش سحر سيكافينيريا وتستمتع بتاريخها ومن الكاف إلى روعة بحر بنزرت وجمال مينائها القديم لتتداخل الألوان الأولية وتصنع تحفة جمالية ترغبك في زيارة بنزرت فقرطاج والمرسى جميعها أمكنة أثرت في الذاكرة البصرية لمحمد الوحشي ووثقت عدسة العين جميع جزئيات المكان التي حولها بريشته وتناسق الألوان إلى لوحات تشكيلية جميلة كانت بمثابة التوثيق لرحلته المكانية في ربوع تونس ودليل الزائر لاكتشاف هذا الوطن ومعرفة خصوصياته وكأننا أمام مقولة بول كلي الفن لا يعكس المرئي، بل يجعله مرئيا».

المرأة ملهمة الفنان دوما
هي سيدة الإبداع والمتربعة على عرش كل مبدع، هي الملهمة ودليله للفن، هي الريشة وأنفاسها ألوان تزيد اللوحة سحرا نظراتها حادة كما حركات الخط وهو يملأ المساحات البيضاء، المرأة في لوحات محمد الوحشي جزء أساسي في العملية الإبداعية، المرأة بكل اختلافاتها ، المرأة ببساطتها وحليها بغضبها ورقتها تنقلها ريشة الفنان الذي تجول في ربوع الوطن وشاهد كل اختلافات المرأة التونسية في اللباس والشكل فحاول رسمها وتقديمها.

«جميلة جربة» كما سمّى اللوحة رسم لامرأة سمراء البشرة تزينت باللباس التقليدي والحي والجربي، صورة يطغى عليها اللون الذهبي مع البياض وتركيز على تفاصيل «الطريزة» كأنها صورة فوتوغرافية جد دقيقة، وللجنوب سحره فعشق الصحراء يكتب على وجه المرأة الصحراوية أثره فتكون سمرتها مغرية لأنها تميل إلى لون «الدقلة» ذهبية ومغرية المرأة الجنوبية نقلتها ريشة الفنان مع مساحات لونية مختلفة لتبعث في فضاء الصحراء الكثير من الحياة، المرأة البدوية رسمها بلباسها البسيط والمرأة الريفية «جميلة الساحل» نجدها بلون «الفولارة» المميز لنساء الساحل والأقراط الكبيرة الحجم «الخرس» مع الحفاظ على اللون التقليدي للحولي بتدرّجات الأزرق فلألوان دورها في أعمال محمد الوحشي.
وفي لوحاته الألوان هي لوحة المفاتيح والعيون ما هي إلا نغمات والروح هي البيانو أما الفنان فهو اليد التي تلمس المفتاح لتسبب الاهتزاز في أعماق الروح حسب مقولة فاسيلي كاندينسكي.

في لوحات الفنان لا وجود للمحظور تتصالح ريشته مع الجسد وتخاطب جماله وتنقل تفاصيله لتكتب بها لوحة إبداعية مميزة، لوحات محمد الوحشي تنقلك إلى حمام النساء وتصور الأجساد العارية في جميع حركاتها وطرق جلوسها واستفزازها للذاكرة البصرية، تصوير ينقل تفصيلات الجسد في تماهيها مع جزئيات المكان فتلك إلياذة جمالية خاصة بمحمد الوحشي يدعو فيها المتفرج ليغوص في عالمه ويحاول البحث في رمزية المكان والمرأة في أعماله الإبداعية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115