مونودرام «سمها ماشئت» لوليد الدغسني ضمن مسرح المبدعين الشبان: لأنك فنانة فأحلمي وأصنعي لنا جسرا من الأمل ...

هلا وقفت أمام مرآتك؟ هلا سألتيها عن تفاصيلك وحاولت اكتشاف خبايا جسدك و التمتع بكل جزئياته الجميلة؟

هلا وقفت وحادثت نفسك بصوت عال وتساءلت عن جذور وجودك؟ عن دورك ولماذا خلقت؟ هل تساءلت ان كنت فاعلة ام مجرد جسد ولد ليقوم بدوره الحياتي ويغادر؟ هلا بحثت عن ذاتك عن رغباتك وأحلامك وشكلتيها أمامك لتتصفحيها ككتاب مفتوح؟ ربما نعم؟ لكن أماني بلعج فعلت ذلك واختارت أن تكون صوتك؟ وترى فكرتك بوضوح وتتامل جسدها كناية عنك علك تنهضين من غفوتك لتثوري وتبحثي عن جدوى وجودك.
هكذا يمكن تلخيص مونودرام «سمها ما شئت» اداء المبدعة اماني بلعج ونص وإخراج لوليد الدغسني وإضاءة لرامي قديش وموسيقى منير العماري وإكسسوارات وملابس للفنان عبد السلام الجمل، مونودرام هو وقفة نسوية وصرخة ضد كل اشكال التمييز و القمع التي قد تتعرض إليها المرأة عموما والمرأة الفنانة تحديدا.

أحلمي ودعينا نحلم معك
صوتها جسدها، قوتها في حركاتها وقدرتها على المرور من شخصية الى اخرى بكل براعة، ميزتها دقة في تقمص الشخصية وبراعة في لبس شخصيات مختلفة تتشظى داخلها فتجمعها وتلبس كل منها حسب الدور،وحدها على الركح تتنقل بالمتفرج من شخصية الى اخرى تحمله ليغوص في دواخل شخصيات متباينة من حيث الشكل ونبرة الصوت والعمر وطريقة الكلام جميعها تفاصيل ينبني عليها الموندرام أبدعت اماني بلعج في أدائها وتقديمها للجمهور سمها ما شئت.

ضوء اصفر يتوسط الركح، موسيقى ممتعة تتخلل خلايا الدماغ لتمتعه وتشده الى العمل، كرسي يتيم توسط المكان، وامرأة تلبس الاسود تحدث جمهورها عنها، السينوغرافيا خدمت العرض وكانت نقطة قوة لانقاص ثقل العمل من على الفنانة فلعبة الضوء والموسيقى صنعت حكاية تصاحب الفنانة في التنقل بين الشخصيات والامكنة ايضا فمع غياب الديكور يكون الضوء دليل المتفرج لمعرفة تغير مكان الاحداث، والموسيقى تكون وسيلته للتعرف على ملامح الشخصية الجديدة.

في «سمها ماشئت» تكون الشخصية الرئيسية لامرأة تحديدا فنانة، عاشقة للموسيقى للرقص للحياة برقصها تنشر تباشير الامل بنوتاتها تكتب الياذة الحب، تعلم الاطفال ان الحلم ممكن، تزرع فيهم عشق الحياة و الاستمتاع بكل تفاصيلها، امرأة جميلة وقوية، ثائرة ولينة، تونسية عنيدة ترفض الخنوع كما الدروس التي تقدمها لتلاميذها، لكنها تجد نفسها في دوامة «الحرام» و «العيب» و «الممنوع» و «كل شيء يتباع ويتشرى» دوامة تثقل كاهلها فنجدها تحدث الجمهور عن تلك المأساة، اولى المشاهد تكون جالسة مع موسيقى الفالز الهادئة لتحدث الحضور عن المرأة الفنانة، عن المرأة المبدعة الخلاقة.

فجأة تتغير الموسيقى تضج كما مستمعتها لتنتقل الاحداث من بيتها الى مكتب مدير البنك «المرتشي» ذاك الذي يريد غوايتها وجسدها مقابل تمديد اجل دفع ديونها، ثم تتواصل صرخات الموسيقى وتنتقل الى مكتب المحامي «المتحرش» الباحث عن لذة جسدية ثمنا لدفاعه عن قضيتها، حينها يغير لون الضوء الى اصفر مقلق كانه دوي انذار او هو صرخة داخلية تطلقها المرأة وتتساءل هل العيب في جمال جسدي ام في مجتمع ذكوري يختصر المرأة في الجسد؟.

تتصاعد الاحداث لكن اصرار الفنانة على الحلم يظل الخيط الرفيع الذي تناضل به وتتمسك بكل حققها متحدية بؤس المجتمع وقبح العقليات، تحلم ومعها توزع على الجمهور جرعات من الأمل ليتذوقها كلما سئم فالمسرح حلم متمرد جميل يبهرك ويزرع فيك الحلم الدائم.

سنظل نبدع
ترفض الخنوع والخضوع، تبحث عن التجديد دوما، تسكن في لاوعي المشاهد ليعيد مشاهدتها في أكثر من عمل حركاتها وطريقة ادائها تغريك للفرجة و الاعادة ان امكن فهي فنانة مشحونة بكل تعابير الاصرار على النجاح.
في مونودرام «سمها ما شئت» تواصل اماني بلعج ابداعها ودفاعها عن المرأة وحقها في الإبداع في العمل تتشظى الشخصيات وتختلف الحكايات التي تقدمها وجميعها تؤكد ان المرأة كائن يصعب هزيمته عبر العصور فمن حكايات شهرزاد التي هزمت ظلم شهريار الى بلقيس المتمردة وكليوباترا الساحرة الى الكاهنة الثائرة الفارسة الى كل امرأة تبدو ضعيفة لتكتشف أنها أشد صلابة من الجبال.

في المونودرام تتبع الممثلة نضالات الشخصية لاثبات حقها ومعها نقد المجتمعات العربية ونقد فكرة «الفن حرام» التي يدافع عنها داعش فكر ظلامي بسببه شرد الالاف وقتل عشرات المبدعين واتهموا بالزندقة فقط لانهم يحلمون مع «بشر» يرون الحلم كفرا.
في المونودرام تتبع الشخصيات الناقدة للمجتمع لظلمها لعقليات ذكورية ترفض التجديد وترى صوت المرأة عورة وحضورها مرفوضا في المشهد السياسي والاجتماعي، تنقد فكرة التميز حتى في الموت والشهادة فالجنرال في بيته والاف والجنود يموتون في الجبهات، تنقد مشاعر الظلم والعنف والكراهية التي انتشرت بيننا نحن بني البشر.
موندرام سمها ما شئت تتبع اماني بلعج قوة الفنانة واستمرارها في الدفاع عن ابداعها، ترفض الخنوع وترسب شيفرات الامل وتصرخ دوما «سنظل نبدع، سنظل نحلم ولو كلفنا ابداعنا حياتنا».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115