روبورتاج: معرض «afrik’art» رواق السعدي بقرطاج: ألوان يتماهى فيها الجسد مع أوجاع الروح لتبعث من جديد

أمواج البحر ترحب بضيوف المكان، هسهسة البحر في خطابه للرياح يصنع موسيقى مغرية، موسيقى تلازمك

اثناء زيارتك للرواق لاكتشاف سحر الالوان وحركات الخطوط وقصص اللوحات، مجسم كبير وضع امام الفضاء ليرحب بضيوف المكان، شجرة الماندرين حذوها شقيقتها الياسمين كلتاهما تحدتا لتقديم رائحة مغرية للمكان.
المكان رواق السعدي بقرطاج، الزمان صبيحة يوم شتوي شمسه مختبئة بين السحب تبعث اشعتها بخجل ودلال زهرة توليب تأبى التفتح، والحدث معرض للفنون التشكيلية عنوانه afrik’art، معرض يشارك به ستة عشر فنانا وفنانة تشكيلية احتفت ريشاتهم بإفريقيا الساحرة.

الافريقيات جواهر سوداء
منذ المدخل تناديك لتقف أمامها بسيطة إلى حد الإغراء سمراء مثل قطعة شكلاطة لذيذة مغرية ومثيرة لوحة تتوسط المعرض وتغريك بالتوجه اليها مباشرة تجذبك مثل المغناطيس، عنوان اللوحة «جوهرتي السوداء» للفنانة هدى هنتاتي عبارة عن بورتريه لامرأة افريقية عيناها مرسومتان جيدا بالأسود وزينتها عقد من الورود المغرية الوان اللوحة تدرجت من الابيض الى البني الداكن تدرجات اللون تتماهى مع تدرجات الضوء في اللوحة فكانت مغرية وكانها صورة للالهة «باستت» ربة الخصوبة واالموسيقي في الميثيولوجيا الافريقية.

الاسود سيد المكان، السواد لون الكافور و العنبر، الاسود لون القارة الام القارة الافريقية ام البدايات، سيدة المكان و الحدث ايضا، الاسود اللون المشترك بين سكان القارة الافريقية، يتدرج ليصل الى البياض في دول شمال افريقيا اكنه اللون الطاغي، بلون البداية لون سكان الصحراء لون قبائل افريقية يعود تاريخها الى قرون مضت، فالاسود سيد المعرض ايضا في لوحات من ابداعات تونسية وافريقية تؤكد ان المرأة الافريقية رمز للقوة والحضارة والجمالوالريادة.

في افريقيا السوداء عادة ما يستعملون كلمة «bob’iba bolo»: أي كلٌّ رجل بيد أمِّه في اشارة الى سيطرة المرأة وجاء في دراسة في مجلة «قراءات افريقية» ان من النَّماذج النِّسويَّة ذات الحضور الفعَّال في الشَّأن الاجتماعيِّ شخصيَّة (Omu) عند الإيبو، و (Ohemaa) عند الأكانْ في غانة، و (Iyalode) عند اليوربا، فـ (الأومُو) توصف بأنَّها (أمُّ المجتمع)، تتميَّز بالحكمة والحصافة، ومعرفة العادات والتَّقاليد، وبالتَّضلُّع في تاريخ المجتمع، ومن مهامِّها مراقبة السُّوق، وضبط الأسعار، وفضِّ النِّزاعات بين النِّساء، والإشراف على الطُّقوس التي تضمن وئام المجتمع، وهي النَّاطقة الرَّسميَّة باسم النِّساء في المجموعة.
الاسود ميزة اللوحات وجمال النساء الافريقيات يصنع الفارق فمن السواد صنع الرسامون أجود اللوحات، خطوط تغريك بمتابعة سيرها، وتفاصيل للون تبعث فيك آلاف الاسئلة عن المرأة الافريقية وقصصها، عن جمالها رغم السواد، عن بساطة مغرية، وضعت في اطار بني اللون داخلها رسم لوجه امراة سوداء وحولها الخط العربي لوحة عنوانها بورتريه لزهور شعبوني قرقوري، لوحة تؤكد أن الافارقة ليسوا فقط سكان افريقيا السوداء وانما سكان شمال افريقيا ايضا، سكان مصر والسودان ودول تستعمل العربية في لغتها الرسمية وجمال الخط العربي هو جناس لجمال المرأة الافريقية وسحرها، نفس الرسامة تقدم بالتقنية ذاتها بورتريه اخر وضع في اطار ابيض مع اضافة احمر شفاه فاقع وورود تزين الشعر وكانها تقدم الصورة الانموذج للمرأة الافريقية المتفتحة كوردة برية.

غامضة هي المرأة الافريقية، كتاج ملكي مرصع بالجواهر تكون، رائدة ومقدامة وجميلة من الالهة باستت تستمد سحرها وذكاءها ومن آلهة البحيرات تستمد بهاءها وكما انزار الهة المطر عند الامازيغ تكون لذيذة ومغرية، هكذا يمكن وصف لوحة زينب التليلي casque dor لوحة خلفيتها اللون الازرق زرقة كأنها تماهي نهر النيل اطول الانهار في افريقيا، ثم وجه

لافريقية مغمضة العينين سوادها يميل الى البرنز تضع

غطاء مزينا بالقطع النقدية وفي الموروث الشعبي المغاربي عادة ما تضع العروس الذهب والقطع المعدنية في غطاء رأسها، فالمرأة الافريقية سواء من افرقيا السوداء او الصحراء الكبرى او من الامازيغ سكان الجبال عادة ما تكون عنوان القوة والسحر وسواد بشرتها يلمع كجوهرة سوداء تحت اشعة شمس افريقية ساحرة.

المرأة الافريقية سيدة الحرب
لا تزال الجولة متواصلة، لازال لفيض الابداع نصيب، دع الجوهرة السوداء تغري غيرك وواصل ملء عينيك بدفء اللون الاسود، «جوهانا» تناديك لسماع حكاياها بشرتها الداكنة وغطاء الرأس والقرط البني اللون ونظرة ثاقبة تدعوك لتعايش القليل من قوة الافريقيات لوحة لزينب التليلي وكانها تستحضر قوة نساء «داهومي» او «البنين» حاليا، نساء داهومي اللواتي كن الاشد والاكثر شجاعة في عهد الملك «جيزو» (1818-1858)، نساء كن الاقوى وبهن صنع الملك جيشا ارعب الدول المجاورة واربك القوات الفرنسية.

النساء الافريقيات هن وقود الحرب هن القوة وهن صانعات المجد دوما كما تقول الاساطير و الحقائق التاريخية، بريشته يقدم اجمل الصور عن المرأة الافريقية، ريشة الفنان onesime lufuma ramadan تصنع امجاد المرأة الافريقية، هو فنان من الكونغو الديمقراطية تشبع بقوة المرأة الافريقية فوثقها في لوحاته المعروضة في رواق السعدي، لوحات تغريك بالبحث لدقتها تفاصيلها، لوحة اولى جبلية الروح، عنوانها «الكاهنة البربرية» بخلتها وتاجها المصنوع من الحجارة و الذهب يقدمها، بشرتها بيضاء اللون مع احمرار على الخدين فنساء الجبل عادة ما يتمتعن بالبشرة البيضاء كالكاهنة البربرية الافريقية المحاربة «الفارسة ام الفوارس» تلبس البرنس البني اللون موشى برسومات امازيغية في اللوحة ابدع الرسام في التماهي بين حركة اللون وحركة الضوء ليحمل المتفرج الى عالم البطولات ويعايش القليل من المثيولوجيا الامازيغية الافريقية التي تتغنى بقوة «الامازونيات» أولى النساء المقاتلات والكاهنة حفيدتهن حسب اللوحة.

لوحاته عميقة عمق تاريخ القارة الافريقية، بألوان عديدة رسم iumumba وهي المرأة الافريقية المقاتلة، امرأة بلباس سكان الصحراء سواء الليبية او الافريقية، المرأة بوشمها الازرق وبشرة اقل سوادا ومع عقود وتمائم لكل قصة ولكل حرب ربحتها امرأة بالحولي الازرق الذي تلبسنه نسوة الصحراء في اللوحة تماهت الالوان إلى حد التطابق لتبدو وكانها صورة

فوتوغرافية لسيدة من سيدات صحراء القارة الافريقية.

ألوان وقصص حقيقية كتلك التي وثقتها عدسة ابراهيم البهلول في منطقة «غات» في الصحراء الليبية» صورة حملت اسم «جميلات غات القوية» وغات منطقة صحراوية أثرية جد مذهلة لا تزال رغم عراقتها وتاريخها تعاني تهميشا رغم انها جوهرة الصحراء الليبية بامتياز.
ولانه من هناك من الكونغو فهو متشبع بالتراث الافريقي وللتونسيين رسم الملك «شاكا زولو» ملك الزولو او «نابيليون الاسود» لحنكته وذكائه الحربي، بورتريه موشى بالألوان مع نظرة حزينة من الملكك المرسوم في شكل «بازل» مختلف الالوان اختلاف سكان القارة الافريقية واختلاف اديانهم وانتماءاتهم وقبائلهم وآلهتهم وأحلامهم.

الجمال الافريقي موسيقى متمردة
افريقيا الموسيقى و الصخب والحياة، افريقيا اختلاف عرقي وتنافر قبلي وانتماءات متباينة، افريقيا رقص يتماهى فيه الجسد مع اوجاع الروح ليبعثها من جديد، افريقيا نوتة متمردة رسمتها يد فنان بارع كأنه الاله اوشون.
افريقيا «الفرح» كما رسمتها رحمة فيتوري لوحة عن الرقص يحضر فيها الطبل الافريقي يتمازج داخلها البني مع اللون الاخضر ومساحة رمادية لصناعة ملحة الفرح الافريقي، فرح تراه في لوحة «قمر» لنفس الفنانة وتعاينه جيدا في لوحات الفنان امين الشوالي «disco diva و«soul diva» ويعرض لوحات تجسد للفرح الافريقي المنبعث من تلك البشرة السوداء التواقة الى الحياة.

لوحة أخرى تناديك لتتأمل جمالها، بورتريه آخر لامرأة سوداء البشرة شفتاها حمروان كمحبات الكرز ابدعت الرسامة في رسم تفاصيل الوجه والاقراط والابتسامة والالوان التي تضعها فوق رأسها الوان الحبور والبهجة، عنوان اللوحة «الافريقية» للرسامة بثينة فقيه بوغالي، ولأن الجمال الافريقي ميزته الوان واكسوارات ابدعت زينب التليلي في كتابتها في لوحات tatou profil - tatou face لوحتان تعجز الكلمات عن وصفها تقنية الرسم والالوان وحدها العين تقدر على استنشاق عبق السحر فيهما.
ولأن افريقيا سحر لا يوصف جسدها الفنان مراد شعبة بلوحة تجمع الفضي وتدرجات البني لوحة عنوانها femme modèle ارادها تعبيرة عن جمال المرأة التونسية الذي جسدته الفنانة ماريانا كاتزاراس في جربة والحولي الجربي بلوحة الفصول الاخرى.
افريقيا بكل ألوانها، افريقيا بكل اختلافاتها وحضاراتها جسّدها فنانون في لوحاتهم، شاهدوا جمال القارة السمراء واختاروا الريشة مطية للتعبير فكان المعرض الذي يأسرك لتعيد الزيارة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115