المركز الوطني للاتصال الثقافي: «فني رغما عني»... الفن مقاومة

ثمانية أعوام من الإبداع ثمانية أعوام من النحت في صخور التهميش الثقافي و البحث عن التجديد واكتشاف الطاقات

المبدعة في ربوع هذا الوطن، ثمانية اعوام من الانحياز الى الطبقة المهمشة والانحياز الى المواطن والدفاع عنه وعن حقوقه بالفن، ثمانية اعوام من اكتساح الشوارع بالمسرح وافتكاك الحقوق انطلاقا من الفنون، ثمانية اعوام من الحلم والعمل لتحقيق عدالة ثقافية وتأسيس جغرفيا جديدة تتوجه الى ابناء الاحياء المهمشة وابناء الداخل وتخبرهم بأنهم جزء من هذا الوطن هم ملحه وشريانه الصادق النابض بالفن ابدا.
ثمانية أعوام كبٌر فيها الوليد وأينع فيها الحلم لتصبح جمعية «فني رغما عني» عنوانا للإبداع الفني ومرجعا في الاستراتجيات الثقافية وأملا للحالمين بممارسة الفنون، «فني رغما عني» جمعية يعمل جنودها بشعار الشارع موطننا والكلمة كلمتنا وفي المركز الوطني للاتصال الثقافي كان الاحتفال بالذكرى الثامنة لتأسيس الجمعية، احتفال مسرحي ناقد بعيدا عن الشعارات.

حلمنا واكتسحنا الشوارع بالفنون
هنا المدينة العتيقة هادئة شامخة ترحب بزوارها، هنا سحر المكان ينسي الزائر برودة الطقس ويدفعه إلى مزيد استكشاف خبايا المدينة، هنا المركز الوطني للاتصال الثقافي او المدرسة الصالحية فضاء المبدعين والحالمين، في هذا الفضاء سكن الشابي والدوعاجي ولازالت افكارهم ترحب بالضيوف ولازالت ارواحهم المتمردة والحالمة بالفكر و المؤمنة بقدرات التونسي على الابداع تسكن المكان، هنا مساحة للابداع، مساحة للحب مساحة للحب وفرصة للتميز.

في بهو المركز الذي ازدان برسومات مميزة رسمها الفنان بلال روايحي كان احتفال «جمعية فني رغما عني» بعيد ميلادها الثامن، احتفال مسرحي نقدي موجع غابت عنه الكلمات والشعارات الرنانة وحضر الفن.

هنا احتفلوا بثمانية اعوام من الابداع، احتفلوا بالتمرد بنجاح المعسكرات التي انجزوها لمدة اعوام، احتفلوا بجنود هم المدافعين الشرسون عن الثقافة في ربوع تونس.. هنا تحتفل الجمعية التي تعمل بمقولة حينما لا تجدوننا في المحافل و المهرجانات الكبيرة فستجدوننا في «الدشر» والارياف وعلى الحدود،
وحينما تفتقدوننا في مدينة الثقافة وقتها ابحثوا عنا في الشوارع والازقة ومحطات القطار، متى لم تجدونا في المعارض والندوات والمؤتمرات معناه اننا وقتها في المعسكرات والتدريبات المغلقة وحينما لا نكون مع المثقفين والفنانين فيعني اننا وقتها مع الابناء الحقيقيين لهذا الوطن ومع الابناء الحقيقيين لهذا الوطن صنعت الجمعية الكثير من العروض الفنية الناقدة.

اخر هذه العروض قدم في يوم الاحتفال، عرض مسرحي ينقد القانون عدد5ويتساءل عنه اهو حقيقة ام خيال، عمل قدمه الرباعي رامي الزيدي وغادة الجبالي ونسرين دريدي في التقديم المسرحي ومحمد علي العلاقي رسم، احداث العمل تحمل المتفرج الى حوادث حقيقية يعيشها التونسي والى ايقافات طالت الشباب وتم استنطاقهم دون تطبيق القانون عدد5 الذي يضمن للموقوف حقه في المحامي، مشاهد للايقاف والاعتداءات والانتهاكات التي تطال الموقوف قدمها الشباب بحرفية في الاداء واتقان النص، وأبدع خاصة محمد علي لعلاقي الذي جارى أحداث المسرحية بالرسم ومع نهاية المشهدية تكون الرسمة الكلون مبتسم ولكنه مقيد اليدين، رسم نقدي للحقوق التي تكتب على الورق لكن اغلبها لا يطبق ويبقى مجرد حبر على ورق في رف من الرفوف المنسية.

«فني رغما عني» ... كبر الحلم وأصبح حقيقة
الفن حق، الفن حياة، الشارع موطن للفن والإبداع، في الشارع ولدت الفكرة وفي الشارع نجسدها والى المارة توجه أعمالنا هكذا هو شعارهم (في فني رغما عني) عن الاسم قال الجلاصي «لا ندري كيف ولد الاسم ولكنه نتيجة لضغط الشارع الذي لم يتقبل بعد خروجنا الى الشارع والامن والأفكار الظلامية زمن الترويكا، فقط اردنا افتكاك اعتراف الاخر بنا، ومن يقول «فني رغما عني» فقد اعترف بنا «فنحن نؤمن ان داخل كل منا فنان، الفن كما الإنسانية فطرة داخلنا، من هناك ولد الحلم كبيرا، من هناك قلنا أننا قادرون على النجاح فلنبدأ المشوار» على حد قوله.
ويوم 9 أوت 2011 خرجنا بأول عمل مسرحي الى الشارع يومها قلنا «توه» يجب ان نكتسح الشارع بالفن، «توه» أو فلنعلن انسحابنا، وقدمنا عرض «حركة التحرير» عرض نقدنا فيه حركة النهضة وحزب التحرير ووجدنا أنفسنا في عمق السياسة، العرض كان أول تجاربنا و9اوت يوم استثنائي يومها عرفنا أن المواطن في صف الثقافة والمثقف..

بعد «جهنة» كانت «دورة مياه» فالجمعية تشاكس الجمهور انطلاقا من الاسم، منذ العنوان يدفعونك للسؤال عن سر العمل وسبب تسميته، سؤال جعل الجمعية هي الاكثر صمودا امام كل الضغوطات، ففني رغما عني ظهرت في 2011 كحركة وظهرت معها مئات الجمعيات التي تعمل في فن الشارع ومنذ 2016 بقيت وحدها قائمة الذات والفكرة ومنذ اول العروض الى حد الاحتفال بذكرى التاسيس الثامنة حققت الجمعية نجاحا باهرا في فنون الشارع وفي استقطاب الشباب ليبدع ويحلم من خلال العديد من المبادرات ونذكر منها «نحن هنا» وهي تجربة يقول عنها: «نحن هنا تجربة موجهة الى المناطق المنسية من الخريطة الثقافية، نحن من نذهب اليهم تحديدا إلى المناطق الداخلية التي تعج بالمواهب والقدرات التي تنقصها الفرصة»، ويضيف الجلاصي «ركزنا على المؤسسة التربوية لانها المجال الحساس للمراهقين ، نساهم في اصلاح المنظومة التربوية من خلال تاسيس فضاءات ثقافية في المؤسست التربوية، والانطلاقة كانت في 2015 في إعدادية دوار هيشر ومن ثمة كان التجاوب مع السلط و الاولياء و المهتمين بالشأن التربوي والثقافي لنصل الى تأسيس 25قاعة في مختلف مناطق الجمهورية».

تجارب عديدة ومحاولة لتغيير الخريطة الجغرافية الثقافية تعمل عليها الجمعية ساهمت في تاطير العديد من الشباب الحالم بالفن والمبدع وتركت الجمعية بصمتها في العديد من الجهات التونسية مكتسحة الشارع ليصبح موطن الكلمة الصادقة واالفعل الثقافي المتمرد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115