فيلم «كفرناحوم» لنادين لبكي في قاعة الكوليزي: الطفل إنسان أنقذوه من توحش الحكومات

فقر وتهميش، ظلم وتزييف للحقائق، تجارة بأحلام الاطفال وحقوقهم، زيف وخديعة، توحش الكبار وتغولهم على حقوق الطفل،

اطفال يولدون ويموتون في صمت، تزويج للقاصرات بتعلة الحاجة والفقر وحقوق اخرى مسلوبة لكن الحكومات تصم اذاننا بإمضائها والحديث عن اتفاقيات وحدها السينما تكشف ضيمها وانها مجرد حبر على ورق..
السينما مطية للحقيقة والبحث عن المخفي كما فعلت كاميرا نادين لبكي التي كشفت بؤس واقع الاطفال في الاحياء الشعبية من خلال فيلم حقق نجاحا عالميا مبهرا هو «كفرنا حوم»فيلم ابدع فيه الطفلان زين الرفاعي والرضيع بولواتيف تريزور بانكول (لا يتكل لكن تعابير الوجه والبكاء والابتسامة صنعت الفارق).

السينما مطية للنقد وكشف الحقائق المخفية
موجعة هي الحقيقة، صادمة هي الحقائق التي تكشف بؤس الواقع وزيف الاتفاقيات الدولية، مخادعة هي الكلمات التي تصرخ بحقوق الطفل وتوهم الكل ان الطفولة بخير في دولنا العربية، قاسية هي المشاهد التي تنقلها كاميرا نادين لبكي مؤلمة إلى حد البكاء ضيما وحنقا على كل الانظمة التي مرت على دولة لبنان.
انظمة تصور عبر القنوات التلفزية جمال البلاد وسحرها ورخاء العيش وفي الحقيقة تخفي الكثير من البشاعة، بشاعة الاحياء المهمشة، بشاعة الاحياء القصديرية، بشاعة الطفولة المسروقة، بشاعة معاناة اللاجئين السوريين، بشاعة انعدام اوراق ثبوتية لمواطنين لبنانيين ولدوا وحرموا من الدخول إلى المدارس والعلاج في المستشفيات لان لا اوراق ثبوتية عنهدم فهم مجرد عدد فقط كما يقول احد المثلين «نحنا شو، نحنا ولاشيء، مين حيفكر بوجودنا او كيف نموت».

كاميرا المخرجة نادين لبكي تحمل المتفرج الى الاحياء المهمشة والمنسية في لبنان، تلك الاحياء التي لا نشاهدها في التلفاز، بكل تلقائية تقترب الكاميرا من المنسيين، تعايش قصصهم وتنقل للمتفرج صورا عن بؤسهم، صور لا كلام فيها، فوحدها قادرة عن ايلامك وإيذاء الصور الجميلة التي تحملها عن لبنان صور عن الاحياء المفقرة التي يعيش سكانها على الهامش منسيين من الدولة ومن كل المسؤولين، صور بشعة عن فقر مدقع تعانيه العائلات، صور عن عمالة الأطفال عن سوداوية وشظف عيش الاطفال اللبنانيين في تلك الاحياء الذي يولدون ويموتون دون ورقة او هوية او شهادة ميلاد فبالكاميرا تحملك المخرجة الى الهامش لتكون صوت المنسيين وتنحاز الى معاناتهم وتنقل الحقيقة دون تزييف لتبدع في نحت ملامح فيلم فاز بجائزة لجنة تحكيم مهرجان كان.

من ينقذ الطفولة؟
طفل مقيد في المحكمة، شاحب الوجه يساله القاضي عن سبب وجوده في المحكمة فيجيب «بدي اشتكي ع أهلي يسأله القاضي مرة اخرى «لماذا» فتكون الاجابة الصادمة «لانهم خلفوني»، مشهد سريالي موجع يرفض فيه الطفل وجوده في هذا العالم، مشهد موجع يعبر فيه طفل بكل سخط عن حاله وواقعه، لتعود احداث الفيلم تدريجيا ويتعرف الجمهور عن سبب رغبة مقاضاة الطفل لوالديه.

وهل هناك ابشع من طفل شرب من كاس الضيم والعنف النفسي حتى قرر رفع قضية ضد ابويه فقط لانهما انجباه زين في الفيلم طفل لبناني عمره بين 12 و13 عام (لاوجود لاوراق ثبوتية لديه) يعمل حمالا عند احد اصحاب المحلات، طفل له ستة أو سبعة اخوة واخوات اقربهم الى نفسه سحر التي تزوجها صاحب المحل وهي لازالت طفلة، زواج اثار غضب زين حاول تهريب شقيقته وفشل فغادر منزلهم وتشرد في الشوارع.

وفي حي آخر تعرف على اللاجئة الافريقية رحيل «يوردانوس شيفراو» وهي الاخرى تبحث عن طريقة لاثبات اقامة ابنها يوناس الوليد متعرضة الى كل انواع الاستغلال.
تتصاعــــــد الاحداث وتتعرض رحيل الافريقية الى الايقاف فيضطر زين لرعاية يوناس، ايام معدودات شاهد فيها كل قسوة البشر و بؤسهم في التعامل مع الاطفال، انتحل صفة لاجئ سوري ليحصل على الحليب والحفاظات ليوناس، حتى اضطر إلى منح الطفل لأحد السماسرة قبل العودة الى منزلهم.
وهناك عرف بموت شقيقته فحاول قتل زوجها، مشاهد سريالية واحداث متسارعة تضع زين الطفل في السجن عوض المدرسة وأثناء بث احدى لحلقات التلفزية يتصل زين من سجنه بالتلفزة يخبرهم بقصته لتتحول قضيته الى قضية رأي عام بفضلها سلط الضوء على عمالة الاطفال والمتاجرين بالبشر وزواج القاصرات ومعاناة الاطفال اللاجئين وغيرها من القضايا التي تثبت بشاعة الكبار في تعاملهم مع حقوق الاطفال.

«زين» في الفيلم طفل كبر قبل اوانه، طفل لم يعرف من الطفولة شيئا، ذاق الم العمل منذ النعومة وعاش كل انواع الظلم منذ ان فتح عينيه في عالم لا يرحم الفقراء وأبوين غير مسؤولين، كلما سئما انجبا طفلا اخر ومعاناة أخرى زين انموذج عن معاناة الالاف وربما الملايين من الاطفال في الدول العربية، زين انسان لم يتمتع يوما بانسانيته، زين طفل لا يعرف معنى الطفولة هو انموذج عن ملفات انتهاك حقوق الطفل و بالفيلم تكون الدعوة الصريحة لكل الانظمة للدفاع حقا عن لطفل وحقوقه.
الفيلم تلقائي كما الممثلين «الأشخاص الذين شاركوا في هذا الفيلم لم يمثلوا، بل عكسوا واقعهم الأليم، واستطاعوا إيصال رسالة إلى العالم، «كما تقول لبكي مخرجة الفيلم، مضيفة القول: «للسينما دور كبير ومهم في إيصال وجع الناس وألمهم على المستوى العالمي» وبالفيلم نقدت نادين لبكي أوضاع الطفولة الهشة وكشفت حقائق موجعة عن عمالة الاطفال ومعاناتهم.

حينما يصبح الطفل اللاجئ نجما سينمائيا
السينما تصنع المعجزات، السينما تصنع الاحلام وتحققها ايضا، فمن كان يعتقد ان ذاك الطفل اللاجئ الذي غادر بلده بسبب الحرب ليجد نفسه في احد الاحياء الشعبية منسيا كغيره ينتظر دوره في السفر او يجد فرصة ليشعر انه انسان وفجأة يصبح نجما سينمائيا يمشي على السجاد الاحمر لاشهر مهرجانات السينما الدولية.
الطفل زين الرفاعي حققت له السينما هذه المعجزة فزين اللاجئ السوري المنسي في حي مهمش بلبنان لمدة ثمانية أعوام أصبح نجما سينمائيا بعد نجاح باهر حققه فيلم «كفرناحوم» وبعد التيه ورحلة من الضياع يجد زين نفسه وعائلته في سفر حقيقي الى دولة النرويج ليستقروا بها.
زين لم يسبق له التمثيل وانما شاهده فريق الفيلم صدفة أثناء جولته في الاحياء واختاروه للعب الشخصية الرئيسية فأبدع ونجح،نجاح زين لم يأت من الفراغ حتما فوجيعة اللجوء وحدها تصنع المعجزات، حزن زين الذي رسم على وجه الشخصية لم يكن تمثيلا وإنما حقيقة وجيعة طفل يفتقد لمدرسته واترابه، رجولة الطفل في الفيلم لم تبن من فراغ فاللجوء يصنع من الاطفال رجالا، زين ابدع، ابكى جمهوره، واحبه من شاهد الفيلم واحب تلك الابتسامة التي رسمها على محياه اخر لفيلم ابتسامة اصبحت حقيقية بعد ان غادر الهامش ليصبح مواطنا في النرويج.

وقد كتبت المخرجة في وداع الطفل زين رسالة على الانستغرام قالت فيها «قبل أسابيع قليلة ودعنا زين وعائلته، الذين توجهوا إلى النرويج لبدء حياة جديدة. وقبل دقائق من توجهنا إلى المطار شاهدته وهو يلقي النظرة الأخيرة على الحي الذي عاش فيه حياته لثمانية أعوام، حياة كانت صعبة لأنه كان لاجئا».

سافر زين ونجح الفيلم ولكن لازال هناك اطفال مهمشين، لازال اطفال هذا العالم يناشدون حكوماتهم القليل من الحقوق.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115