التياترو: معرض «أحسن نوارة تقطفها» لعمر بن إبراهيم: المرأة ملهة الفنان ليبدع دوما

«أن الثورة ليست بندقية ثائر فحسب، بل هي معول فلاح ومشرط طبيب وقلم كاتب وريشة فنان» هكذا قال ياسر عرفات

ذات مرة و الفنان عمر بن ابراهيم تنطبق عليه هذه المقولة فهو ثائر بالريشة واللون، متمرد بتفاصيل الخط وطريقة التعبير، فنان مختلف صنع ثورته الفنية انطلاقا من التزامه بقضايا الانسان عموما وقضايا المرأة خصوصا، المرأة الكائن السحري الهلامي ملهم عمر بن ابراهيم ليسر ويقدم لجمهوره «احسن نوارة تقطفها».
هو اسم المعرض الذي يحتضنه فضاء التياترو الى غاية 4فيفري 2019، معرض يغوص في تفاصيل المرأة يلامس جزئيات الجنون والحب و الذكاء و القداسة التي تميزها، لوحات تحاول فك شيفرات الانثى جسدا وروحا.

المرأة وردة الحب داخل كل انسان
تختلف الألوان تصنع موسيقى مميزة تتناسق احيانا وتتنافر احيانا اخرى لتقدم للمتفرج مقطوعات موسيقية لونية كتبتها ريشة فنان عاشق لما يقدم، كل اللوحات تشترك في موضوع واحد هو المراة بكل اختلافاتها وتناقضاتها، المرأة السمراء والبيضاء، طويلة الرقبة و قصيرة الحجم، الحالمة و غائبة الملامح، جميع التفاصيل تعبر عنها الالوان والتفاصيل في لوحات الفنان عمر بن ابراهيم جزء اساسي في اعماله.

جولة مع 32لوحة اشتركت جميعها في اسماء أو صفات النساء أو دلالات تحيل على النساء، اسم المعرض «احسن نوارة تقطفها» والعنوان مدخل المعرض هو كما عنوان الكتاب او الفيلم و المسرحية البوابة التي ستحملك ايها المتفرج او القارئ الى عالم الرسام عمر بن ابراهيم.

«احسن نوارة تقطفها» جملة يعرفها التونسيين من خلال اغنية الفنان صالح الخميسي، اغنية تشترك مع المعرض في الدلالات، فكلمات الاغنية يقول مطلعها « احسن نوارة تقطفها كلمة عالغرة تخطفها، من فمو قلبك عارفها، موش لازم هوني نوصفها،شوف الفم يقلك اقرب، يغري فيك عللي ترغب، عكري كي الستان المحبب، يضحك يتحرك يتقلب وفمه الي زعمة تتهرب وكي على كلمة تتلهلب تحب على حد يألفها» كلمات تتماهى تماما مع اللوحات المعرض.

فجميع اللوحات تشترك في الغموض حينا و الوضوح التام لكل التفاصيل احيانا اخرى، لوحة تشد الانتباه لتقف امامها لدقائق وأخرى تتجاوزها كما الكلمة مرة تكون حلوة واخرى مرة، و»احسن نوارة تقطفها» في الاغنية هي الكلمة بكل دلالاتها وفي العرض هي المرأة بكل تفاصيلها و تلويناتها، المرأة بحبها وحكمتها، بجمالها وغموضها بقوتها وحنيتها جميعها تفاصيل يبدع عمر بن ابراهيم فكتابتها من خلال موسيقى لونية وضوئية بسيطة وممتعة فأكثر اللوحات جمالا تلك البسيطة وأفضل الفنانين تبقى لوحاتهم بسيطة، تنقل فكرة واحدة بدون تعقيد، يتخطَّى فيها التفرد في التقنية لإقامة رابط قوي سهل الوصول للمشاهد.

«احسن نوار تقطفها» هو اسم المعرض و»النوار» هو الشيء المشترك بين كل اللوحات تقريبا، فكل لوحة رسمت بها وردة اما في الزاوية لتكبر تدريجيا كأحلام الرسام مثل لوحة «وردة حب» لوحة ميزتها اللون الاصفر الهادئ مع تدرجات اللون الازرق،امرأة مبتسمة تشعرك انها تنظر اليك بكل حب وضعت وردة حمراء على الاذن اليسرى وزين قميصها بورود صغيرة كانها لحظات الحب الاولى، او تتوسط اللوحة وتكون مركز جاذبية نظر المتفرج على غرار لوحة «صمت»، او في ملابس النساء المرسومات او في اسماء اللوحات مثل لوحة «نوارة» رسم لامرأة طويلة الرقبة الازرق والبني كتبا موسيقى اللوحة مع وردة وردية زينت الشعر او لوحة «فاطمة» الغامضة التي جمع فيها الفنان بين هدوء الابيض وغموض الرمادي لكتابة تدرجات اللون ومعه تفاصيل قراءة اللوحة والتعمق في فك رموزها.

فـ»النوار» او الورود بكل الوانه وتفصيلاته يكون الجزء الابرز في اللوحات المعروضة في احالة على المرأة لان المرأة وردة تتفتح فتبعث في نفس الانسان الامل والحب والمرأة كما الوردة يغريك جمالها تحاول قطفها فتدميك اشواكها.

‎لوحات مختلفة اللون والحركة تشترك في التعبير عن تقلبات المرأة كما تقلبات الفنان لوحات يمكن ان تنطبق عليها مقولة ديستويفسكي «نحن المتغيرون مع الطقس، مع إيقاع الموسيقى، المزاجيون كالأطفال، ثقوا بنا دائما لأننا لا نصطنع الثبات والقوة الزائفة».

هن الجميلات والصادقات
حيرة، تساؤل، بحث عن التفاصيل، محاولة لفهم حركة الخط وتدرجات الريشة وفك شيفرات اللون و المقصود منه، بحث عن اسم اللوحة ودلالاتها، جميعها انفعالات يعيشها الزائر اثناء حواره مع اللوحة، حوار روحي ينطلق من الذات ليخاطب ايقاع اللون تناسقه في ارجاء اللوحة، خطاب هو بمثابة الرابط الروحي بين الفنان والمتمعن في تفاصيل للوحة وفي اعمال عمر بن ابراهيم ستنحاز حتما للجميلات الكادحات ستنحاز للمرأة وتكون ملتزما بقضاياها تماما مثل الفنان عمر بن ابراهيم.

فالمرأة في اعماله ليست مجرد فكرة للرسم بل قضية يومية يدافع عنها، المرأة بحقوقها كاملة، المرأة الفكرة، المرأة القضية، المرأة الصدق، المرأة الابتسامة المرأة قصة الحب والحرب، المرأة اكسير الحياة المرأة الوطن جميع هذه التفاصيل تجدها في تفاصيل معرض «احسن نوارة تقطفها».

مزيج بين الرمادي والابيض، الرمادي لون الغموض والابيض بياض السلام و الهدوء يتحدان في لوحة تتوسطها أمرآة خلفها طائر البوم، حديث اللونين هو حديث الحكمة فاسم اللوحة «منيرفا» منيرفا الحكيمة الهة الجمال والحكمة يرسمها عمر بن ابراهيم تحاور طائر البوم رمز الحكمة في كل الحضارات معلقا على اللوحة بمقولة الفيلسوف هيجل «إن بوم منيرفا لا يبدأ في الطيران إلا بعد أن يرخي الليل سدوله» لوحة يرسمها مازجا البياض بالرمادي في اشارة الى حياة المرء الممزوجة بهذين اللونين.

تتواصل رحلة اللون ومتعة الحكاية، جولة في تفاصيل المرأة فاللوحات التي تحمل اسم «الورود» ترسم تفاصيل المرأة عارية من اللباس، تفاصيل الجسد تقدمها ريشة الفنان وكانه بنزع الملابس عن جسد المرأة ينزع عنها كل الافكار المسبقة التي تقيد جسد المرأة وترى في تفاصيله عورة، يضعك الفنان امام تفاصيل الجسد فتتأمل جماله وتناسقه من خلال الضوء وللون وكأنه يدعوك إلى التتصالح مع نفسك وجسدك وترى في جسد المرأة كل مقومات الجمال وتخاطب فكرها قبل جسدها.

في لوحات عمر بن ابراهيم تختصر الالوان صدق الجميلات والكادحات وتكتب احلامهم بريشة حرة ومتمردة، لوحات تذكر الزائر بجزء من قصيد لمحمود درويش يقول فيه:
ألجميلات هُنَّ الجميلاتُ
نَقْشُ الكمنجات في الخاصرةْ
أَلجميلات هُنَّ الضعيفاتُ
عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرةْ
ألجميلات هُنَّ القويّاتُ
يأسٌ يضيء ولا يحترقْ
ألجميلات هُنَّ الأميرات 
رَبَّاتُ وحيِ قَلِقْ
ألجميلاتُ هُنَّ القريباتُ
جاراتُ قوس قُزَحْ
ألجميلات هُنَّ البعيداتُ
مثل أغاني الفرحْ
ألجميلات هُنَّ الفقيراتُ
كالورد في ساحة المعركةْ

لوحة «الصمت» تناشدك الهدوء امام صخب الوانها وجلجلة الورود التي تزينها، لوحة «المتكبرة» تكتب تفاصيل رفعة المرأة ونظرها من علو إلى كل معيقات الحياة، و «نظرة حب» يرسمها الفنان بكل الحب الذي تقدمه الريشة لماسكها فكانها نبش في روح الفنان وإخراج دفاعه عن المرأة في خط وحركة ولون فلوحة الافريقية بملامح مطموسة وتفاصيل غائبة لكنك ستتوقف امامها طويلا وكانك تحاول رسم ملامح الوجه كما تريد، ستتوقف امام غموضها وتحاول فك شيفراته غموض علق عليه الرسام بكلمات لإبراهيم الكوني « الجاذبية، آه من الجاذبية، الأنثى، إنها واضحة وبسيطة مثل الصحراء، ولكن ليس ثمة شيء يفوقها غموضا و خفاء» .

هن قبس الحياة، هن الفن والأمل وولادة متجددة هن السحر والشبق هن البداية والنهاية هكذا هي المرأة في لوحات عمر بن ابراهيم الفنان الملتزم بقضايا المرأة في رسوماته.

عمر بن ابراهيم :
الفن التزام
عمر بن ابراهيم فنان شامل، مشاكس يتابع تفاصيل الابداع وينحتها ليكتب بطريقته الخاصة جماليات الابداع، فنان يقبل عليه محبو الاغنية الملتزمة لتفرده في الاداء ومسرحة الاغاني وقد تميز في ادائه لاغاني الشيخ امام مع مجموعة «فنار» لكنه بالاساس خريج المعهد العالي للفنون الجميلة اختصاص رسم وشارك في المعارض الجماعية منذ عمر ال 16عام، وله مشاركات في معارض في الاروقة الخاصة على غرار فضاء صديقة وفضاء كان و التياترو و في 2011 بعث صحبة مجموعة من اصدقائه مجموعة «اهل الكهف» التي ابدعت في رسومات الغرافيتي التي زينت تونس بعيد الثورة، اهل الكهف كانت رسوماتها مرجعا للنقد، اعمال رسخت آنذاك لثقافة الاحتجاج، كما ان اهل الكهف عملت على فنون الشارع، وفي 2016 انضم عمر بن ابراهيم الى جمعية المكان التي نظمت مجموعة من اللقاءات والمعارض في الفن الحديث فنان ملتزم بقضايا الانسان وقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية والحق في الثقافة حقوق يعبر عنها ويدافع عنها بمختلف التجليات الفنية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115