فيلم "دشرة" الفن تخليد لكل التضحيات

هلا تخيلت انك في غابة ووسط دماء كثيرة لا تعرف مأتاها؟ هل لك ان تتخيل معنى ذبح طفل صغير قاعة الاوبرا

او فتاة صغيرة لاخراج الكنوز ماذا لو وجدت نفسك حاملا الكاميرا لتوثق لحظات موتك وترى دماءك تنساب امامك؟ هل لك ان تتحمل وجيعة الغموض الذي يلفك لتجدك في النهاية ضحية افكار بالية ومعتقدات وشعوذة تضحي بالإنسان لأجل المادة؟ اسئلة عديدة يطرحها فيلم «دشرة» لعبد الحميد بوشناق.
«دشرة» اول فيلم رعب في تونس فيلم من تمثيل ياسمين الديماسي وهالة عياد وبلال سلاطنية وعزيز الجبالي والبحري الرحالي عرض للمرة الاولى في ايام قرطاج السينمائية و شارك في العديد من المهرجانات الدولية ونافس في مسابقات افلام الرعب، فيلم تونسي بمواصفات عالمية.

في «الدشر» تولد الحكايات
خذ نفسا عميقا قبل انطلاق الفيلم فأحداثه مرعبة وتفاصيل الحكاية تبعث في النفس الخوف و التساؤل منذ المشهد الاول الصادم يختار المخرج «الصدمة» لوضع المتفرج في الاطار العام للحكاية، مشهد الدماء وطفل تفتح عيناه ثم يذبح بعدها ينطلق جينيرك البداية.
«دشرة» هو اسم لفيلم، وكلمة «دشرة» معناها القرية الصغيرة النائية البعيدة كل البعد عن حياة المدنية والتحضر، ففي الدشرة عادة ما تكون البساطة سمة العيش، في «الدشرة» عادة ما يكون الكرم والطيبة ميزة السكان، لكن «دشرة» الفيلم مختلفة، «دشرة» مخيفة تحمل المتفرج ليسأل عن «السحر» و«الشعوذة» و « الكسكسي بيد ميت» و «الحرز» و«استخراج الكنوز بالدم» وغيرها من الظواهر المسكوت عنها اعلاميا وفنيا فكان «دشرة» جريئا في الغوص في التفاصيل انطلاقا من حكاية واقعية طوعها سينمائيا ليقدم اول فيلم رعب في تونس.
أبطال الفيلم طلبة يدرسون بمعهد الصحافة يطلب منهم الاستاذ روبورتاج عن «محور مميز» غير محاور «الثورة» ليقترح احدهم قصة «منجية» مريضة بمستشفى للامراض العقلية تحاك حولها الاساطير عن كونها «سحارة» يصلون الى عنبرها يقومون بتصويرها، ثم يقررون البحث عن سرها وحكايتها ويتحولون الى المكان الذي وجدت فيه مرمية قبل عشرين عاما، رحلة من التشويق اعتمد فيها المخرج موسيقى تشويقية تثير الرعب و طريقة تقطيع الصورة تبعث في النفس الخوف ليوصل للمشاهد ماعانته الشخصية الحقيقية من وجع الموت والدماء والخوف.

السينما مطية للمقاومة
السينما مطية للمقاومة، وسيلة للكشف عن القبح الذي يسكن الإنسان اداة لكشف عيوبنا امام المتفرج، فبالكاميرا غاص عبد الحميد بوشناق في حكايات «السحر» والشعوذة و استخراج الكنوز بالدم، عادات يعرفها التونسي جيدا وان حاول اخفاءها، عادات مقيتة لازال البعض يؤمن بها ويمارسها، ولازال العديد يؤمن بقدرة السحر على التغيير فبعضهم يستعمل السحر والشعوذة للنجاح والتفوق و تحطيم الاخر وعرقلته، وآخرون يعتمدون على المشعوذين ويختطفون أطفالا بمواصفات معينة لذبحهم وبدمائهم يستخرجون الكنوز، عادات يمارسها البعض ويؤمنون بجدواها، ويرفضها اخرون وينكرونها لكنها جزء من المخيال الشعبي للتونسي وجزء من ممارسات عند زمرة من العباد و«دشرة» يعايش هذه الافكار ليحمل المتفرج الى غابة بها «دشرة صغيرة» يعيش سكانها على ممارسة السحر والشعوذة، في ذلك المكان القصي يشاهد الطلبة الثلاثة كل بشاعة الموت والدموية ويكتشفون اسرار عديدة عن «السحر» و«السحرة».
في دشرة يقاوم الفيلم هذه الظواهر، فيلم ميزته الصورة الممتعة و «الكادراج» بالإضافة الى التقطيع الفني و اداء مبهر للشخصيات، فالممثلون كل ابدع من جهته ليقدم جميعهم فيلما تونسيا بمواصفات ومقاييس المنافسة العالمية.

محلاها تونس
صورة جميلة الكاميرا تتجول في ربوع الشمال الغربي لتبهر المتفرج بمناظر طبيعية ساحرة فوسط الكثير من الدموية التي يتطلبها العمل تقدم الكاميرا للمتفرج مكانا مبهرا، منازل مترامية وسط الغابات، خرير مياه الشلالات، الثلوج و البرد واخضرار يزين الصورة، اختيار مكان التصير كان موفقا فهو يخدم الاحداث من جهة ويخدم صورة تونس من ناحية اخرى فهذا الوطن الصغير يمكن ان يكون «بلاتو» تصوير لكل الافلام سواء افلام الرعب أو الأفلام الرومنسية وغيرها فتونس بجبالها وصحرائها مكان للتصوير وتقديم اجود الصور، وسط الفيلم وأمام جمال المشاهد الطبيعية وسحر المكان ووسط تسارع الاحداث حتما ستخرج تلك الزفرة العفوية بكلمة «محلاها تونس» و«محلاهم التوانسة متى يبدعون».

جمهور دشرة الغفير
جمهور غفير واكب فيلم دشرة منذ السادسة مساءا و صف طويل امام الباب الخارجي لمدينة الثقافة ينتظر الدخول الى قاعة الاوبرا، طابور المنتظرين يذكر الجميع بايام قرطاج السينمائية و الصف الطويل لمشاهدة فيلم ما، وما ذاك الجمهور الغفير الا دليل على نجاح الفيلم وإيمان المتفرج التونسي بالمخرجين التونسيين ورغبته في مشاهدة اعمالهم.
عبد الحميد بوشناق:

أحلم وآمن بنفسك وستنجح
ولد الفيلم من العدم (المادي)، فكرة سكنت عبد الحميد بوشناق فآمن بنفسه وحلم ثم سعى لتحقيق حلمه ليقدم للجمهور اول فيم رعب روائي تونسي النص و التمثيل و الاخراج والفكرة، فيلم جد ممتع، فيلم مختلف هو نتاج حلم صاحبه الذي قال اثناء تقديم الفيلم «تونس متاعنا، احلم، أسعى لتحقيق الحلم وستصل حتما، احلم فالحلم وحده مطية النجاح» وخروج الفيلم بتلك الجمالية إلى القاعات هو ثمرة عمل تونسيين شباب امنوا بقدرتهم على النجاح ونجحوا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115