قراءة في كتاب «كلاش طاير» لبرهان اليحياوي: تونس شامخة وبدماء حماتها ملاحم الانتصار للحياة

احتفى الصحفي برهان اليحياوي بوليده المكتوب الأول وليد اختار له من الاسماء «كلاش طاير» او قصة الارهاب من الشعانبي

الى بن قردان، هو قصة تنقلات صحفي ميداني اثناء تغطية كل الاحداث الارهابية التي عاشت على وقعها تونس بعد 2011، «كلاش طاير» هو صراع الحياة بين شطاير الامنيين محبي الحياة ومحبي الوطن و «كلاشينكوف» اصحاب الكنى عشاق الموت والمتسارعين اليه و الراغبين في طمس هوية هذا الوطن، ليكون الكتاب بمثابة «الحلم التونسي» حلمي صحفي بتقديم تفاصيل كثيرة ربما تناساها الشارع التونسي.

«كلاش طاير» كتاب يوثق للعمليات الارهابية التي عاشتها تونس بعد الثورة ويعود بالذاكرة أيضا الى احداث مركز سندسي الحدودي للعام 1995 وأحداث التنظيم السري في 2000 وأحداث الغريبة وسليمان، كتاب يحلل ظاهرة الارهاب بأسلوب ممتع ومشوق يتتبع فيه خطى الارهابيين والبطولات الامنية.

الصحفي جزء من الوطن صوته الصادق الموجع
«الكتابة عن الكتابة صعبة» فما بالك بالكتابة على كتاب يتناول ظاهرة اقلقت التونسيين، ظاهرة يحاول اصحابها نشر ثقافة الموت و البشاعة ظاهرة اسمها الارهاب عاشت على وقعها تونس منذ 2012.

كيف نكتب على كتاب صاحبه عايش جل الاحداث الارهابية التي عاشتها تونس عايش لحظات الخوف واستنشق عبق البارود ولامس وجيعة الثكالى واليتامى، كيف نكتب عن قصة مواكبات صحفية يكون فيها الصحفي مجبرا على الحياد لنقل المعلومة، كيف بالكتابة عن كتاب يتناول ظاهرة الارهاب التي»استهدف فيها الارهابيون الجنود و الامنيين والرعاة والمدنيين بالحرق والذبح وبالتفجير من خلال عمليات اجرامية، ادناها زرع الغام تقليدية بسيطة، بينما بلغ اقصاها محاولة اقامة «امارة» تكفيرية اشبه في بشاعتها بما تلتقطه بعض العدسات حول ما دار في الموصل العراقية أو الرقة السورية» (صفحة18)،.

اسم الكتاب «كلاش طاير» وهو اختزال لاسمي السلاحين «الكلاشينكوف» سلاح الارهابيين و «الشطاير» سلاح الامنيين والعسكريين، اختزال الاسم لم يأت من الفراغ فقارئ الكتاب حتما سيعرف ان كاتبه ينحاز تماما إلى الأمنيين، ينحاز إلى الوطن، ينحاز للشطاير لا للكلاشينكوف، فمنذ العنوان يعرف القارئ ان «الكلاش» «طاير» وفي المفهوم الشعبي كلمة «طاير او طار» معناها ان الشيء انتهى وامحى كذلك الكلاشينكوف سلاح يمحي تدريجيا من وطننا فالعنوان مدخل الكتاب وبوابة الدخول الى عالم الكاتب اختاره برهان اليحياوي بدقة ليعلن عن انتصاره للوطن منذ الحرف الاول ويعلن عن انتصار الأمنيين والعسكريين والمدنيين على «كلاشينكوف» الارهابيين.

«كلاش طاير» كتاب يقدم قصة الارهاب من الشعانبي الى بن قردان، اسماء عديدة للارهابيين، تتبع لملفاتهم و نشأتهم، ذكر كل تفاصيل الاحداث الارهابية في العديد من المناطق التونسية، لكنه لا يقدم المعلومات جافة بل كتبت بجزء من دم القلب، حبرت بوجيعة صحفي يواكب جميع الاحداث عن قرب، صحفي ملزم بالحياد في نقل لمعلومة وملزم بالتعامل مع الارهاب كاي حدث ينقله للمؤسسة الاعلامية، حبر الكتاب بالوجيعة، برائحة البارود، برائحة دماء الشهداء، اثناء القراءة تتراءى لك قصص الشهداء، أسماؤهم وأعمارهم وأحلامهم التي سرقت، أثناء القراءة ستعايش كل تفاصيل جبال القصرين، ستبكي لكلمات خالتي زعرة أم الشهدين خليفة ومبروك السلطاني، ستتالم كما تألم اليحياوي امام يتم عزيز ابن الشهيد انيس الجلاصي، ستشتم رائحة البارود وتفتخر انك تونسي متى تذكرت بطولات الضابط نبيل بطل ملحمة بن قردان، وحارس الوطن.

فالكتاب جزء من روح كاتبه «فاللحظة الصحفية الحاسمة لا تسمح احيانا بلحظة زمنية واحدة من التمعن والتفكير وقد كنت اتسابق مع الزمن لنقل الاحداث المفصلية وكنت اسعى للحفاظ على مصداقيتي كصحفي عبر تمرير معطيات ثابتة لا لبس فيها وكنت في خضم كل حدث اذكر نفسي باني ابن الجهة المنسية وابن هذا الوطن المنهك الذي اختار مكافحة الارهاب، فكنت في صفه طوعا وعلانية» (الصفحة11 من الكتاب)، الكاتب اختار الانحياز للوطن وآمن بتونس وآمن برجالها «فما جمل ان نحيا حياة النضال من اجل الفكرة، وموقف، وكلمة، ومهنة» كما يقول اليحياوي في الصفحة 177 من الكتاب الذي يعلن فيه صاحبه خلف كل كلمة وبين كل الاسطر مناصرته للشطاير ولحاملي الشطاير.

«كلاش طاير» يوثق للبطولات الامنية
«هنا تنضج الطفولة باكرا، هنا يكبر الصبي قبل عمره، هنا يموت الرجال في عز شبابهم بلغم او بكمين، هنا يموت سكان الجبل بعبوة او بخنجر او برصاصة، هنا تموت جامعة الاكليل والراعية بحثا عن كرامة مهدورة، هنا يعزل الجبل عن الوطن، هنا قد يغتال صاحب الفكرة لتعيش الفكرة ابد الدهر» هكذا يقول اليحياوي في (الصفحة 176) من الكتاب، بهذه الكلمات تحدث عن القصرين بكل جبالها واحيائها لينطلق في رحلة يحمل فيها القارئ الى كل المناطق التي عرفت أحداثا ارهابية متتبعا بطولات الامنيين والعسكريين ناقلا صورة عن «حلمي التونسي» الذي يلازم كل من ينتمي الى الاسلاك الأمنية والعسكرية تقريبا لان « (حلمي التونسي وما يحمل من تونس كان اللقب ووبرشة وطنية» (صفحة19).

رحلة يتقصى من خلالها تحركات الارهابيين ويوثق لبطولات الامنيين والعسكريين والمدنيين، من احداث منطقة بوحية التي حدثت في 25سيبتمبر 2018 تعود الرغبة في الكتابة قوية فيقتفي اليحياوي انطلاقا من قرية منسية في الجبل تفاصيل البطولة التونسية ليعود الى احداث هنشير التلة و عين سلطانة و الشعانبي والمغيلة وبن قردان وأحداث كثيرة مخيفة كشفت عن حب التونسيين لوطنهم ورفضهم لتغول الارهاب.

في «كلاش طاير» ينحاز الكاتب إلى الوطن وإلى الوطنيين أثناء القراءة ستعشق شجاعة أول شهداء الارهاب الشهيد أنيس الجلاصي «الشجاعة لا تظهر الا في تلك اللحظات الحاسمة التي تواجه فيها الموت ووحدها المواقف التاريخية الكبرى من تحدد مدى ثباتك ورباطة جأشك»(صفحة46)، كما يتحدث احد الضباط عن زميله الشهيد انيس الجلاصي الذي واجه ارهابيي جبل «السنك» الفاصل بين الحدود التونسية والجزائرية ذات 10ديسمبر 2012، استشهد انيس الجلاصي تاركا ابنه «عزيز» الذي قال: إني أطمح أن أكون «شرطيا مثل ابي لانتقم من الذي قتله» (صفحة 176)،شجاعة نرى تفاصيلها عند قصة الشهيد الديواني عبد المجيد الدبابي الذي استشهد في عملية بوشبكة مخلفا طفلة صغيرة اسمها مريم لازالت ضحكتها تزين وجهها «فالرصاصة قتلت بومريم، اما ما قتلتش ضحكة مريم وحلمتها» (صفحة126).

عن البطولات يقول الكاتب في فصل «بندقيتي لا تخطئ الهدف»، كثيرة هي الملاحم التي سطرها الجيش الوطني وقواتنا الأمنية في الحرب على الارهاب و»في مسيرتك كصحفي ميداني قد تنقل للراي العام احداثا كثيرة لكن ان تحظى بشهادة عسكري شارك في عمل قتالي من اجل حمايةو الوطن فتلك هدية من السماء» والشهادة التي يتحدث عنها هي لبطل عسكري شارك في القضاء على ارهابيين في دوار البعازة الموجود في عمق جبل تيوشة .

بن قردان فخر التونسيين وشجاعة الامنيين
«كانت أثار الرصاص المنتشر على الجدران قد رسمت عليها مشاهد اشبه برسوم الغرافيتي، اثار ستخلد لعقود قادمة ملحمة صورت بالدم والرصاص» (صفحة 131) هكذا يتحدث عن ملحمة بن قردان التي فشل فيها «تتار العصر» في اقتطاع جزء من تراب الوطن لإقامة دولتهم المزعومة، ملحمة الشهامة والبطولة التي قاومت الفكر الداعشي، ملحمة اثبت فيها الشهيد عبد العاطي عبد الكبير شجاعة ومقاومة بسلاحه الفردي.

ملحمة كتب فيها الضابط نبيل اسطرا من شجاعة الامني التونسي والبطولة «فكل بن قردان تحدثت عن قصة بطولية رج صداها يومها في البلدة، لما انطلق ضابط بمؤسسة الحرس الوطني،يدعى نبيل، وكان وقتها في عطلته،وبمجرد سماع صوت الرصاص، ارتدى زيه شبه العسكري وحمل مسدسه وعمامة اهل الجنوب تلف راسه...ثم توجه نحو مانيطة واجهز عليه قبل ان ياخذ منه سلاحه في حركة رمزية لها دلالاتها لمواصلة الحرب بسلاح اكثر نجاعة» (صفحة 140و141) ويضيف الكاتب في وصف بطولة الامني « تم توثيق بطولات فارس بن قردان في صور وفيديوهات بثت في كبرى تلفزيونات العالم، اظهرت الضابط نبيل وهو يشحذ همم زملائه ويحثهم على الاستماتة في الدفاع عن الوطن ورد المعتدين» (صفحة 150).

ومن يقول بن قردان حتما سيتذكر صورة جابت العالم لجندي متطوع صغير السن وخلفه الارهابيون الذين قتلهم،ذاك التونسي سماه اليحياوي «حارس الوطن» ويقول واصفا اياه «وكان وقتها جندي متطوعا يقوم بواجب الحراسة في ثكنة الجلالة،فتفطن الى وجود تحركات مشبوهة في محيطها، فكان له من سرعة البديهة ما جعله يشغل الرشاش الالي ثم انطلق في الرمي ليصيب ثلاثة ارهابيين في مقتل، ولم يتوقف عند هذا الحد بل اطلق صفارة الانذار فهبت كل التشكيلات العسكرية لصد الهجمة الداعشية وانطلقت الاشتباكات لتنتهي بصورة سيلفي اخذها شباب الجيش الوطني مع جثث من كانوا ينوون الهجوم على الثكنة» (صفحة 151).

في كتابه لم ينس برهان اليحياوي بطولات المدنيين في القصرين وبن قردان لم ينس مقولة والد سارة موثق» وطني قبل بطني وبلادي قبل اولادي» لم ينس بسالة الاستاذ لسعد الجريء عندما اندفع في هبة بطولية لم يبال فيها بالخطر للدفاع عن ابن عمه الامني محمد علي الجريء فمات مع ابن عمه موت العظام» (صفحة 140)، لم ينس اليحياوي شجاعة سكان الجبال والقرى المتاخمة للجبال، لم تسقط من ذاكرته قصص بطولات جامعات الاكليل،وحتما لن ينسى شجاعة خالتي زعرة التي لم تغادر ارضها رغم الوجيعة «خالتي زعرة لم تهج، ولم تغادر جلمة بل تجلدت بعدها وصمدت وثبتت في وطنها وعلى ارضها متحدية قتلة ولديها،ورقصت ام الشهيدين كثيرا كما لم ترقص من قبل في زواج ابنها الاصغر في صيف 2018، (صفحة 65) وما رقص أم الشهيدين إلا اعلاء للمقاومة و تأكيد لصمود التونسيين أمام «أصحاب الكنى».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115