هو عشقي وبه أحقّق وجودي. ولكن الميدان سيطرت عليه مجموعة هي أشبه شيء بعصابات المافيا، فلا مكان لمن لا علاقة له بهم ولا يمكن أن يفتح الباب لأمثالي.» هكذا يجيب الفنان القدير حسين محنوش -وعلى لسانه مرارة بطعم العلقم- جمهوره عن سبب غيابه لعشرية كاملة عن شاشة التلفاز .
ولم تكن استضافته مساء الأربعاء على قناة «التاسعة» سوى استفزاز لذاكرة أجيال تربّت على «الدّوّار» و»فجّ الرّمل»... فإذا برسائل المديح وحفظ الجميل تنهال بكرم زخّات المطر لتروي ضمأ حسين محنوش إلى حب بلا حدود من الجمهور بعد أن كان حظّه في الفنّ قليلا. كم كان جميلا لو كانت التلفزة الوطنية هي التي استضافت «العاتي» في لمسة وفاء وتجديد العهد مع النجاح بعد أن حشد أمام شاشتها الآلاف من المتفرجين في ما مضى.
تعود بنا الذاكرة إلى سنة 2014 عندما عقد بطلان من وجوه شاشة رمضان وقامتان من قامات التمثيل في تونس ندوة صحفية مشتركة للتنديد بسياسة التلفزة التونسية في التعامل معهما بعد أن قدّما لها أروع الأدوار وأشهر المسلسلات.
لم يكن هذان الرّجلان سوى حسين محنوش والرّاحل منصف الأزعر، وكان ظهورهما وقتها في دار الثقافة «ابن خلدون» بالعاصمة ذو شجون ومدّر للكلمات... والعبرات أيضا.
كان الاثنان يقاومان مرضا عضالا ويغالبان وجعا أشد قسوة بسبب التجاهل والنكران بعد سنوات من العمر والعرق سكبت على عتبات التلفزة الأمّ.
يومها تحدّث حسين محنوش بمرارة عن رفض إدارة الإنتاج بالتلفزة الوطنية لسيناريو مسلسل «سنابك على الجمر» لكن ما آلمه أكثر هو طريقة التعامل معه وكأنه فنان مبتدئ وليس المسرحي المحترف وصاحب العملين الشهيرين «الدّوار» و«فجّ الرّمل» ... كما كشف أنّه كان ضحيّة عراقيل متتالية انطلقت من عهد الزعيم بورقيبة مرورا بزمن حكم بن علي وصولا إلى ما بعد الثورة قائلا :« سنة 82 عرضت مسرحية «منصور الهوش» ولكن رغم فوزها بالجائزة الأولى لم تعجب الرئيس الحبيب بورقيبة لأنه كان يرغب في احتكار صفات الزعامة وألقاب الريادة وملاحم البطولة. أما بالنسبة للنظام السابق فيبدو أنه لم يستسغ تعرية أعمالي لواقع الجنوب التونسي، فأقصيت من التلفزة. و لما حدثت الثورة استبشرت وهرولت إلى التلفزة الوطنية ولكن ظنّي خاب فلا شيء تغيّر وكأنّ الثورة لم تمرّ على التلفزة» !
اليوم يعيش الفنان حسين محنوش على منحة 700 دينار لاشك أنها لا تفيه ما يستحق من تقدير وثناء ودون حاجيات عائلته بكثير أمام حقوق تأليف ضائعة ووضعية اجتماعية هشّة وتعثر مسار قانون الفنان والمهن الفنية. وهذا الوضع المخجل للمبدع في تونس والذي يندى له جبين الحكومات ووزارة الشؤون الثقافية ينسحب على فنانين من مختلف التعبيرات والمجالات يعجزون عن توفير ثمن السكن والدواء ومُسكّن الداء... فهل سينصلح الحال بأقلّ الأضرار حتى لا نجد أنفسنا مضطرين يوما ما إلى الاحتكام إلى العبارة الشهيرة لحسين محنوش في مسلسل الدّوار:»أعوذ بالله من غضب الله !».