حصاد الجهات الثقافي لسنة 2018: كلّما ابتعدوا عن المركز كان الابداع أصدق وأكثر جرأة

اختتم العام 2018، انتهت معه بعض التجارب الثقافية لتولد اخرى، عام يزخر بالتظاهرات و العروض

بعضها يقدّس فكرة اللامركزية ويعمل للدفاع عن حقّ ابناء الداخل في الفنون وأخرى فقط لانجاز تظاهرة تنسى قبل انطلاقها، عام حافل بالعروض الجديدة و الابداعات الشبابية التي يدافع فيها الشباب عن احلامهم ويكتبونها في أعمال موسيقية ومسرحية ناقدة وموجعة.
انتهى العام 2018 بكلّ ما حمله من تظاهرات جميلها وسيّئها، انتهى بكلّ سلبياته وايجابياته، انتهى العام ومعه اختفت افكار ووئدت عروض وهمّشت أعمال و برزت اعمال أخرى انتهى العام فما الذي بقي منه في الذاكرة؟

مراكز الفنون الركحية الوليدة:
خطوة لترسيخ الفعل الثقافي
شهدت السنة الثقافية للعام 2018 ميلاد أربعة مراكز للفنون الركحية والدرامية، أربعتهم انطلقت في العمل وانطلقت برمجته القائمة اساسا على تحقيق فكرة اللامركزية وتقديم ابداعات أبناء الجهات.
اوّل المراكز كان في تطاوين ويشرف عليه الفنان علي اليحياوي ومنذ التدشين و المركز يقدم التربّصات لأبناء تطاوين المغرمين بالمسرح و الفنون، وعمل المركز في اطار شراكة سويسرية وقدم عملا مسرحيا في افتتاح ايام قرطاج المسرحية بتطاوين، عمل يؤرخ للمكان و يحطم الحواجز واللغات جميعها.
المركز الثاني كان في مدينة جندوبة و يديره المسرحي الشاب لزهر فرحاني وفنيا الزين العبيدي ومنذ التدشين انطلق المركز في العمل على تراث الجهة و قدم ابن جندوبة منعم شويات تربصا في المسرح والجسد لأبناء المركز الذي بات وجهة محبي الفنون.
وثالث المراكز كان في مدينة الفاطميين المهدية ويديره المسرحي حسام الغريبي هناك انطلق العمل بجدية منذ البداية وقدم المركز مهرجانا مسرحيا جمع ثلاث جهات هي القيروان وسوسة والمهديةـ تظاهرة انفتحت على الفنون الجميعها و انطلقت اولى تحضيراتها لانتاج اوّل عمل للمركز وسيكون موجها للاطفال.
رابع المراكز كان في مدينة قبلي، ومنذ التدشين عمل على تحقيق حق الجميع في المسرح، افتتاح المركز ارتبط بتظاهرة مسرحية شملت جلّ معتمديات ولاية قبلي لإمتاع الجميع و ايصال الثقافة الى المواطن اينما وجد.
اربعة مراكز جديدة، يشرف عليها شباب يؤمن بقيمة الفن في المقاومة، أربعة مراكز يديرها مسرحيون يؤمنون بقدرة الفنون على التغيير، اربعة فضاءات جديدة ينقصها الدعم المالي لتحقق اهدافها الفنية وتحول الفكرة من الورق الى الرّكح.

الورشة 271 في عقارب:
فضاء الفن والسلام
ولد الحلم تشكّل في هيئة فضاء ثقافي للفن و السلام فضاء يجمع شتات احلام ابناء مدينة عقارب من ولاية صفاقس، فضاء ثقافي سمي باسم الورشة 272 وهو عدد الكيلومترات التي تفصلها عن العاصمة تونس حيث يمارسون الفن خلسة.
الورشة ذاك الفضاء الحلم، ولد في العام 2018 تصبح منارة للحياة و الياذة المقاومة والتمرّد، الفضاء اكتسح أرياف عقارب وحمل الفنون الى «الرحبة» و «سوق التبن» و انجز التظاهرات الموجهة للأطفال و مهرجانا للسينما تزامن مع ايام قرطاج السينمائية، الورشة التي كانت مصبا للفضلات هي اليوم وعاء للحلم فالورشة «حكاية ما تتحكاش وحلمة ما توفاش»، للحب لعشق الفنون جميعها ولتعليم الاطفال كيف يكونون مواطنين يفتكون حقهم في الثقافة و الحياة لانّ الورشة فضاء تعليمي وتثقيفي هي فضاء للطفل الانسان.

فضاء منيرفا تياتر:
يواصل مسيرة الخلق
فضاء ثقافي مختلف، فضاء يعمل على ثقافة القرب، ليس بالوليد ولكن ككل عام يقدم العديد من الورشات و العروض ويعمل لتأثيث المشهد الثقافي في «الملاجي» و الاحياء القريبة منه والبعيدة أيضا في سبيطلة من ولاية القصرين، منيرفا فضاء لا ينهزم لا يعرف المشرفون عليه معنى اليأس فهم دائمو الحلم والتجديد يؤمنون ان العمل الابداعي يتطلب «نفس طويل» وهم كذلك يعملون في صمت بعيدا عن الاعلام وبهرج «الفايسبوكّ» ليقدموا اجمل الاعمال لسكان مناطق محرومة من الفنون.
منيرفا تياتر ينطلق من الواقع من هواجس الناس و ألامهم وقصصهم يصنع مادته الابداعية ليختتم العام بانجاز عمل مسرحي بدعم من صندوق الثقافة للجميع وسفارة ألمانيا مسرحية اسمها «كيرتاج»، عمل يوزع الألم والأمل ، وجع « الحرقة « الإجهاض ، الجنين يتعرض للإقصاء من رحم الأم ، يتعرض للتشويه والإبادة ، الوطن ينزف شبابا ويجثم فوق خط النار ، مشاعر مضطربة ومرتعشة تطال الجمهور وتزيد في الحماسة، حماسة تصنع العمل والفرجة فشعارهم دائما «لنا المسرح كي لا تقتلنا الحقيقة.

مهرجان سينما الرّيف:
المقاومة الفنية
خلقوا تظاهرة فريدة، تجمّعوا حول الحلم، كتبوا ابجدياته وقرروا تحويل حلمهم على ارض الواقع فـ «شكون قال السينما تصير كان في الصالات» جمعهم الحلم و التمرد لصناعة تظاهرة فريدة تمسّ جميع الشرائح العمرية، من حبّهم للسينما خلقوا مهرجان سينما الريف الذي انجزته جمعية فن المكناسي في مقاهي المكناسي و المبروكة والنصر والمش والمركة، والمدارس الابتدائية في نفس الارياف، صنعوا مهرجانا مختلفا يقطع مع السائد واكتسحوا المقاهي بالفنون ليؤكدوا ان العمل الابداعي يتطلب الحب و التضحية وارادة النجاح قبل توفّر الدعم، فسينما الريف انطلق من فكرة تحقيق العدالة الثقافية وإيصال السينما الى ابن الريف ليتشبّع بالفنون و الإبداع، سينما الريف من التظاهرات الفارقة في المشهد الثقافي للعام 2018.

المرقوم:
العرض الحدث
من الهناك ولد، من حبّ النسوة للحرفة انطلقت الحكاية، وانطلقت رحلة البحث التي توجهت الى السند بجباله وقراه لتقدم للجمهور عرضا تونسي الروح مختلف الالوان ينبض بروح تلك الارض و جمالها.
«المرقوم» لنزار السعيدي ونبيل بن علي عرض 2018، عرض موسيقي تتماهى فيه النوتات وتختلف النغمات و الحكايات، عرض المرقوم يجمع سحر المكان و روعة الموسيقى ودقة الفيديو وجمالية الصورة، مؤثرات عديدة اجتمعت لتقدم عرضا مميزا عرضا نبع من الهناك، من تفاصيل صغيرة ومحبة النسوة للارض و المنسوجات الحرفية ليكون كما الوشم جميلا ومتى شاهدت العرض يحفر مكانته في الذاكرة لأنه جزء من الذاكرة.

الغرافيتي يصنع من الشابة ايقونة للجمال
اختلفت الرسومات، تباينت القصص والحكايا، ابدعوا في تزيين الحيطان وتحويلها الى واجهة للزوار للوقوف عندها والتقاط الصور، المدينة القديمة بالشابة و المنازل المنسية و المهجورة اصبحت فضاء للجمال برسومات الغرافيتي خرجت تلك الحيطان من غياهب النسيان واصبحت تنبض بالحياة بالالوان وتفاصيل ممتعة تتوقف عندها لتستمتع بجمالها.
مدير دار الثقافة الشابة ايمن الشريف، فنان مبدع يهتم بالفنون و يؤمن ان الفن ولادة متجددة لذلك انخرط ومجموعة من ابناء الجهة في تزيين حيطان المدينة المنسية لتصبح ايقونة للجمال.

دار الثقافة شربان تتحول الى تحفة فنية
الادارة ابداع ايضا ومتى كان المدير فنانا تصبح الادارة اجمل ومدير دار الثقافة شربان من ولاية المهدية كان انموذجا عن المدير الشاب و الحالم بالتغيير انطلاقا من الموجود لصناعة تحفة فنية تمتع الزوار، تحفته الفنية لم تكن منزلا او فضاء ثقافيا و انما فضاء عمومي هو دار الثقافة بالجهة، اذ حوّل مدير دار الثقافة بشربان من ولاية المهدية، المؤسسة التي يشرف عليها، إلى تحفة فنيّة ومسرّة للناظرين، وذلك من خلال الاعتماد على مواد مهملة وأخرى تنهل من خصوصية المنطقة الفلاحية بالأساس.
وقد استعمل الأستاذ ناجح السليمي الذي بدأ مسيرته منشطا سنة 2013 ليصبح مديرا لدار الثقافة منذ أكتوبر 2017، عددا من الأخشاب المهملة وجذوع أشجار ومنسوجات وأوراق الجرائد وكثيرا من الألوان والمستلزمات الأخرى كي يعيد تأثيث المؤسسة.
واعتمد المدير على جهوده الخاصة كما وجد تعاونا من عملة المؤسسة والفنان التشكيلي محمد شراد والشاب المتطوع حاتم العكرمي فضلا عن مدير إعدادية شربان منير الكموني.
اختتم العام 2018 ويسدل ستار الثقافة عنه، اختتم بكل تظاهراته لكن ملفّ قلّة الدعم و حاجة الداخل الى الفنون لن يطوى بنهاية السنة ولازال ابناء الجهات ينادون بحقوقهم في الابداع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115