لحلول عام 2019 وليس بوسعنا سوى العودة على أحداث وذكريات سنة آفلة ونثر أمنيات على أعتاب سنة تطرق أبوابنا... وما بين سنة تلفظ أنفاسها الأخيرة على سرير الحاضر وأخرى أوشكت على الولادة بين يدي المستقبل، قد يكون من المشروع تقييم الحصاد الثقافي لسنة 2018 في استدعاء لأهمّ محطاته واسترجاع لأبرز أحداثه بعد عام من الحياة الثقافية التي لم تكن بمعزل عن حال البلاد وهاجس العباد ...
تصافح السنة الجديدة القطاع الثقافي ببقاء ميزانية وزارة الشؤون الثقافية 2019 رهينة لمربع الصفر فاصل . فالبرغم من الزيادة الطفيفة في قيمتها، فإن هذه الميزانية بقيت تمثّل نسبة 0.73 % من الميزانية العامة للدولة.
مدينة الثقافة مكسب سنة 2018
افتتاح مدينة الثقافة كان الحدث الثقافي الأبرز في سنة 2018. فبعد 20 عاما من التعثر والتعطل، فتحت المدينة الموعودة أبوابها رسميا يوم 21 مارس 2018. وقد احتلت المدينة موقعا حسنا في قلب العاصمة وفي قلوب الجمهور الذي وجد فيها رفاهية قاعات العرض وأريحية متابعة الأنشطة الثقافية. وقد ساهمت مدينة الثقافة في حل إشكال القاعات والفضاءات في تونس،كما وفرت المكان الأفضل لاحتضان حفلات افتتاح واختتام المهرجانات والتظاهرات الكبرى. وقد أصبحت مدينة الثقافة مطمحا لغير أهل الثقافة ممن وجدوا الفرصة سانحة لتنظيم مناسباتهم ببهو فضاءاتها الثقافية بالأساس !
ولكن يبقى وصف البعض لمدينة الثقافة بأنها مبنى فاخر بلا روح في حاجة للأخذ بعين الاعتبار حتى يكون هذا المكسب فعلا منارة للثقافة التونسية.
أيام قرطاج: يافطة متنقلة
بعد أن كانت تونس طيلة عقود وسنوات تتزيّن كالعروس لاستقبال أيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية وأيام قرطاج الموسيقية فجأة انفجر التعداد «الفني» للأيام دفعة واحدة خلال أشهر قليلة لتتناسل الأيام بسرعة البرق ! فأصبح لنا أيام قرطاج الشعرية وأيام قرطاج الكوريغرافية وأيام قرطاج للفن المعاصر وأيام قرطاج لفن العرائس وأيام قرطاج لأدب المهجر وأيام قرطاج لفن الخزف وأيام قرطاج للهندسة المعمارية... حتى أن البعض صار يتندر ببعض أيام قرطاج «للبلابي» طالما أصبحت أيام قرطاج يافطة متنقلة تصلح للتلصيق والتركيب حيثما كان وفي أي مكان !
وقد شهدت هذه الأيام الجديدة في دورتها التأسيسية ارتباكا وضبابية في الرؤى والأهداف... وفشل بعضها فشلا ذريعا في استقطاب الاهتمام والإعلام.
ولئن كانت غنيمة الكتاب بعث بيت الرواية ببادرة وإدارة كمال الرياحي مما خلق حراكا كبيرا على مستوى التوقيعات واللقاءات الأدبية والندوات الفكرية، فإن الدورة الأولى من المعرض الوطني للكتاب التونسي لم تخدم الكتاب بقدر ما كانت مسرحا للتجاذبات وتبادل الاتهامات بين الهياكل المعنية والاتحادات...
السينما والمسرح يحصدان التانيت الذهبي
في سنة 2018، تواصل إشعاع السينما التونسية وذاع صيتها عالميا وقد اقتنصت جوائز كبرى مهرجانات الفن السابع . وفي الدورة 29 لأيام قرطاج السينمائية كان التميّز عنوان السينما التونسية وقد أهدانا فيلم «فتوى» للمخرج محمود بن محمود فوزا مضاعفا باقتناصه التانيت الذهبي لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة وكذلك جائزة أحسن ممثل للمبدع أحمد الحفيان. وبدوره أهدانا فيلم «فتوى» لحظة سينمائية ملتزمة ومميزة وشهادة حيّة عن مرحلة حرجة من تاريخ تونس عربد فيها الإرهاب وعبث فيها الظلاميون بالفكر الحرّ وحداثة المجتمع، فكان الثمن باهظا وموّقّعا بالدم والنتيجة موجعة وكارثية: اغتيال سياسي في تونس بسبب جهل ووصاية مجرّد «فتوى»!
وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة كان الذهب أيضا من نصيب تونس حيث حصد الفيلم التونسي «إخوان» للمخرجة مريم جوبار التانيت الذهبي.
وعلى ركح الفن الرابع، عانقت تونس التتويج من بابه الكبير في الدورة 20 من أيام قرطاج المسرحية. وكان التانيت الذهبي من نصيب العرض التونسي «ذاكرة قصيرة» للمخرج وحيد العجمي بفوزه بجائزة أفضل عمل متكامل والذي صوّر في قالب كوميديا سوداء تذبذب الذاكرة وتناثر الذكريات على أعتاب الحكايات والأحداث في مجتمع كساد القيم وتلبّد الأفكار وعقم العقل ... هي تونس المختلة التوازن والمعتلة في ذاكرتها ما بعد 14 جانفي.
كما أهدت «جويف» لحمادي الوهايبي جائزة أفضل إخراج إلى المسرح التونسي وهي التي فككّت موقع اليهود ومكانتهم في تونس ليس فقط في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية... بل أيضا في أثرها وبصمتها في الحركة الثقافية والفنية.
ولأن الحياة لا تستقيم دون موت وولادة... فقد فجعت تونس سنة 2018 بفقدان عدد من مثقفيها ومفكريها وفنانيها على غرار حاتم بالرابح ومحمد البوري وخديجة السويسي وأحمد معاوية وفتحي النغموشي والمنصف الأزعر و يوسف بن يوسف ....
ولئن تستعد سنة 2018 للرحيل بعد حزمة من الخيبات والانتصارات وبارقة أمل، فهل ستكون سنة 2019 أجمل ويكون أفقها أرحب؟