يحزم عشاق السفر الحقائب ويربطون الأحزمة ليحطوا الرحال بين الواحات الوارفة وتحت أشعة الشمس الدافئة ... هذا الارتحال من الشمال الى الجنوب عادة ما يكون على ايقاع مهرجانات متعددة العناوين تسعى جاهدة إلى استقطاب الجمهور وجذب السياحة الداخلية والخارجية. ولكن كما تتشابه المهرجانات الصيفية إلى حد الاستنساخ، فإن المهرجانات «الشتوية» سقطت بدورها في فخ التكرار والاجترار ...فاليافطة واحدة والمضمون مفرد بصيغة الجمع! من قبلي إلى دوز إلى توزر... تعزف المهرجانات على أوتار هوية هذه الربوع التي تختلف عن غيرها ولا تشبه أحدا غيرها. إلا أنها أضحت عملة لوجهة واحدة. أهازيج الصحراء، عروض الفروسية، استعراض الإبل ، عرس البادية.. كلها فقرات تعيد نفسها في كل مهرجان بل في كل دورة من المهرجان الواحد حتى حفظها الجمهور إلى حد الملل أحيانا! في الجنوب التونسي كما هوالحال في كل ربوع تونس الخضراء موروث حضاري ومخزون تراثي لا تنضب ثروته ، ولا يتبدد ألقه... يحتاج إلى لمسة تجديد في الطرح ونفحة إبداع و ابتكار تنقذ هذه المهرجانات من بوتقة الفلكور وتمنحنها وجها جديدا في تثمين المعالم والاعلام والآثار والتراث والحرف والمهن...
لعل نقطة القوة في مهرجانات الواحة والصحراء هي تلك الملاحم التي تروى في شكل عروض فرجوية وحكائية وشعرية وغنائية قصة وجود الإنسان في ربوع الجريد وتفاصيل يومه و ملامح فصوله... لكن هذه العروض الضخمة في حاجة إلى مراجعة وإعادة كتابة حتى تأتي بالجديد والمبهر والمدهش... وحتى يبقى الجنوب التونسي نابضا بسحره وحيا بتاريخه ومختلفا بخصوصيته... كموطن أدب وشعر وتاريخ وحضارة.