«على هذه الأرض» لعبد الله يحيى ضمن سينما الريف في قرية المبروكة: قاوم فعدوك انهزاميتك ...

قاوم، عبّر عن غضبك دع الكاميرا تكون سلاح الحقيقة وعنوانا للصادقين، لا تسالم ولا تهادن،

كن سيد نفسك وأمرها بالتمرّد و العصيان ورفض كل المعوقات والحدود الجغرافية و المكانية، تمرد واصنع لنفسك طريقا مختلفا كما فعل المخرج المختلف عاشق الكاميرا و القريب من هواجس المواطن عبد الله يحيى في فيلم «على هذه الارض» الذي عرض مساء أمس في مقهى قرية المبروكة ضمن فعاليات سينما الريف.
الفيلم صوّر في اكتوبر 2012 لكنه يعبّر عن الراهن، فالاحتجاجات نفسها والحقوق عينها والمحتجون أنفسهم لازالوا يخرجون إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من الحكومات المتعاقبة وكما العمران 2012 تكون المكناسي والمبروكة والرقاب ومنزل بوزيان وغيرها في ديسمبر 2018، فيلم يعبّر عن المخرج الباحث دوما عن التجديد والسؤال وهو العامل بمقولتين لنيتشه كما يقول الأولى «أهم شئ أن لا تتوقف عن التساؤل».. والثانية «أجمل إحساس هو الغموض»، انه مصدر الفن والعلوم».

على هذه الارض: انعدم الحلم و الحق فهل من حلّ
موسيقى صادحة قوية كانها تعبيرة عن غضب داخلي يسكن الجمهور في المقهى-القاعة و في الفيلم ايضا، الى اكتوبر 2012 تعود احداث الفيلم، الى احتجاجات العمران وايقاف مجموعة من المحتجين وحرمانهم من قضاء العيد مع اطفالهم تحملك كاميرا عبد الله يحيى في رحلة الى اعماق تونس الى قرية منسية في سيدي بوزيد، قرية بعيدة عن المركز بناءاتها تبدو منسية ملابس سكانها جدّ بسيطة كما احلامهم فهم فقط يحلمون بالحق في الحياة وشغل يضمن كرامتهم، جولة بالكاميرا في تفاصيل القرية الفقيرة، بؤس ارتسمت ملامحة على وجوه سكانه وكتب في عيون أطفاله ومنهم حمزة الباحث دوما عن اجوبة لاسئلة تؤرقه عن الوطن و التعليم والتشغيل.
على هذه الارض كلّ البؤس، على هذه الارض وجيعة الاولين وازمة الحاضرين، على هذه الارض احلام تسرق وابتسامات تجهض وافكار توأد وحقوق تفتك باسم ظلم الدولة وجبروت السياسيين، على هذه الارض قرى منسية ومواطنون هم فقط جزء من التعداد السكني وارقام في سجلات الولادات، على هذه الارض قرية تسمى العمران منسية منذ البداية قرية بناها اليوسفيون وتناست الدولة سكانها وبعيد الثورة تعرضوا الى الانتهاكات و الايقافات وبعد ستة اعوام لازالت العمران منسية فقط كبر الطفل حمزة وزاد ثقل السؤال عن الوطن، اهو نحن؟ بشحمنا ولجمنا وفكرنا وطموحنا واحلامنا أم هو قطعة الارض التي تخنقنا إلى حدّ اليأس ام السياسة التي يمارسها فقط من يتقن لعبة الربح لا الخسارة؟.

على هذه الارض كثير من ظلم لكننا سنبقى
موجعة هي الصور مؤثرة هي اسئلة الاطفال عن الحقوق والحرية والكرامة، مقلقة الاسئلة التي يطرحونهــا عــن التعليم والفائدة منه، اسئلة عديدة توجهها الكاميرا من خلال المواطنين عن الحق في الحياة، اسئلة موجعــة ومنهكـة للمتفرج ايضا.
على هذه الارض فيلم منحاز للانسان منحاز للمواطن في صراعه الازلي مع السلطة، منحاز لمعركة القوت أمام تجبّر السياسيين ومنحاز للواقع رافض للسفسطة والشعارات الرنانة التي يلقيها السياسيون في خطاباتهم الانتخابية، على هذه الأرض فيلم تونسي الروح و الانجاز ينحاز الى الانسان في بحثه الدائم عن الحقوق واولها الحق في الحياة، فيلم يكشف عن التناقض بين الشعارات والحقيقة ففي تلك القرية المنسية جندي سبق وأن حمل السلاح وحارب الجيش الفرنسي واليوم «ماعنديش وين نرقد اولادي» وهل هناك اقسى من ان يلفظك وطنك؟ حينها تشعر انك لا شيء وترغب في تركه خلفك ومغادرته كما يقول الشيخ بلسان درويش.

هذا الهواء الرٌطْب لي
واسمي
وإن أخطأت لفظ اسمي
علي التابوت لي
أما أنا وقد امتلأت
بكلٌ أسباب الر حيل
فلست لي
أنا لست لي
أنا لست لي

على هذه الارض تكون المرأة لبؤة لا تهزم فعجائز العمران هنّ اللواتي وقفن للمستعمر وهنّ اللواتي خبأن السلاح واخذن على عاتقهنّ مسؤولية حماية الفلاقة واطعامهم وهنّ اللواتي خرجن قبيل الاستعمار وحملن السلاح هن أمهات وزوجات وأخوات الشهداء، هنّ ملح هذه الأرض نجدهن في الفيلم قويات غير خانعات لم تستطع الحياة القاسية هزيمتهن ولا القدر الظالم اربكاهنّ حاربن ضد المستعمر، فكيت حقي ونفك حق اولادي» كما تقول احدى العجائز في الفيلم.

تواصل الكاميرا جولتها تواصل ملامستها لاحتجاجات مواطني العمران ومطالبتهم للسلطات باالافراج عن الموقوفين، تواصل الكاميرا الاقتراب من وجيعة التونسي وحلم الحرية الذي تلاشى امامه كحبيبات الرمل، تواصل الغوص في ذاكرة المناضلين وقصصهم وتنقل الى جمهور قرية المبروكة احلام تونسيين اخرين يشاركونهم نفس الهاجس وهو التمسط بالحق والارض كما يقول الشاعر توفيق زياد:

كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
هنا على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا على صدوركم باقون كالجدار
نجوع؛ نعرى؛ نتحدى
ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال جيلا ثائرا وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل

في الفيلم تركز الكاميرا على التفاصيل تكتب من الدمعة الياذة للمقاومة وترسم من الضحكة طريقا للامل، من اكتوبر 2012 الى ديسمبر 2018، العمران هي المبروكة نظرة الحزن نفسها مسحة الالم عينها التهميش ذاته والمطالبة الدائمة بالحقوق لازالت متواصلة، العمران والمبروكة قد تختلف الاسماء ولكن الانحياز للانسان واحد، لو نزع المخرج اسم القرية التي صوّر فيها ستقول انه في المكناسي أو في الرقاب أو في تالة أو في سيدي بوزيد أو في القصرين أو في فريانة أو في مدنين أو في القيروان فربّما تتغير الاسماء وربما تتغير وجوه الاشخاص لكن التهميش مشترك وفكرة الاحتجاج مشتركة كما يقول احد المشاركين في نقاشات ما بعد الفيلم.

على هذه الارض فيلم انساني بامتياز فيلم يؤمن بالانسان ويدافع عنه وتلك اهداف عبد الله يحى من السينما فهو ملتزم بالانسان وبقضاياه العادلة والكاميرا سلاحه لايصال اصوات المهمشين والمستضعفين فنّان لا يهاب غير ضميره يعمل بصمت ليوثق للحقوق والكرامة ويالكاميرا يدعو الانسان ليفتك حقوقه عملا بمقولة امين حسيني «لا تدع صقيع الجمود يسكنك... لا تتوقف رغم نزيفك... رغم خيباتك... إلى الأمام دوما... فالحياة تأخذ دلالتها ومذاقها فقط من الحروب التي نخوضها لنظلّ قيد إنسانيتنا»..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115