سينما الريف: مقاهي المكناسي تصبح قاعات عروض سينمائية

غابت الفضاءات الرسمية فبحثوا عن البديل ليقدموا السينما لأبناء منطقتهم المحرومة من الفنون و الإبداع و يساهموا

في إسعاد أطفال عطاشى إلى الفنون والحلم وكانت المقاهي تحديدا مقهى «علي بابا» طريق قفصة ملجأهم لعرض الأفلام لانعدام دور عرض سواء الثقافية أو الشبابية وتحويل القاعة الداخلية الى قاعة عرض وتغليف نوافذها بالكرتون وتركيب ستائر داكنة اللون وجلب الكراسي الخاصة لتهيئة المتفرج واشعاره بأنه في قاعة للعرض.
وتتواصل تظاهرة سينما الريف وتتواصل اللقاءات مع السينما المقاومة التي تدعو إلى الاحتجاج والتغيير لأجل افتكاك الحقوق جميعها، وفي اليوم الثاني وفي مدينة المكناسي كان اللقاء جزائريا مع فيلمين اثنين الأول عنوانه «شظايا أحلام» لباهية بالشيخ و الثانيّ «ضد السلطة» لمالك إسماعيل وكلاهما يشترك في الدعوة إلى الانحياز إلى المواطن في احتجاجه ومطالبته بحقوقه.

الحق في الكرامة، مطلب جماعي فهل من مجيب
رحلة سينمائية مثيرة، رحلة مليئة بالذكريات و القصص الموجعة، رحلة التحدي تحملك فيها باهية بالشيخ لتتجول في ربوع دولة الجزائر وتلامس أحلام مواطنيها و ابنائها الباحثين عن حقهم في الكرامة، جولة تنطلق في السيارة من بجاية لتجوب الجزائر العاصمة و عين جونة و وورقلة و غيرها من ولايات البلاد، جولة تختلف فيها الوجوه و التقاسيم وتشترك في هاجس الحرية.

عنوان الفيلم «شظايا احلام» عنوان متكون من مترادفتين الاولى معناها التشظي و التلاشي والعدم والثاني كلمة معنوية تحيل الى الحلم فكيف يكون مصير من تتلاشى احلامه هل يستطيع العيش «حتما لا، كاين كيفاش تموت لكن ماكاينش طريقة للعيش» كما يقول احد المحتجين.
في اطار الحلم في الكرامة تجالس الكاميرا الشاب طارق العشريني في مدينة الجزائر، ثائر يرفض انتهاك حقوقه ويريد التغيير، دائم البحث عن عمل وكلما ضاقت نفسه يخرج ورفاقه الى الملاعب للهتاف بالحقــــوق والحريات، طارق انوذج عن الاف الجزائريين الحالمين فقط بالعيش بكرامـــة، يحلمـــون بالتجول في الشارع دون سماع عبارات الشتم من البوليس يحلم بالخروج دون التعرض الى الايقاف يحلم أن يصرخ بسقوط النظام دون ان يعتقل، طارق لم يجد مكانا في وطنه فالتجأ الى «الحرقة» وكتب على صفحة فايسبوكه وقال « لم اجد كرامتي في وطنني فغادرت وتحديت الموت لاصل، ها انا هنا في دول الاتحاد الاروبي، امشي في الشارع ولم يستوقفني البوليس للتحقيق معي، احمل حقيبتي دون ان افتّش آلاف المرات، أتجول ولا احد يمس شرف اخواتي، تجولت في دول فلم يسألني احد اين اذهب» رسالة وداع الوليد لامه وترك المواطن لوطنه بحثا عن كرامته في مكان آخر».
جولة الكاميرا لا تقف مع طارق اذ تتوجه جنوبا إلى ورقلة لتواكب احتجاجات المعطلين عن العمل الحالمين بحقهم في التشغيل احتجاجاتهم سلمية لكن البوليس يرفض كل احتجاج فيضربون ويقمعون ولكنهم يواصلون الاحتجاج أمام الولاية لافتكاك حقهم في التشغيل وفي ثروات بلادهم.
في الفيلم نقد لسياسة الدولة تجاه مثقفيها من خلال صورة قبر أنجزه شاعر صياد لاشعاره، ذاك الشاعر المتمرد يلفظه النظام ويضيّق عليه فرص العمل و الحياة فقط لانه ينقده فوأد اشعاره واقام لها قبرا كحركة احتجاجية ضدّ تهميش المثقفين، نفي النظام يضيق على الصحفيين، يزيدون ابواق الدعاية ويتقنون الكلام لاقناعهم بقرارات النظام وصدقها ويلفظون من يحاول جعل المواطن يسال ويفكّر.

«عيطنا عدالة اجتماعية اتهمونا بالإعمال التخريبية، قلنا احنا بربر اتهمونا بالخوارج، قلنا كرامة اتهمونا بالإرهاب، عيطنا بالديمقراطية، اتهمونا بالامبريالية، دمّار دمّار،» كما يقول احد الشعراء أثناء الاحتجاجات.
فيلم تدور أحداثه السينمائية هناك في الجزائر لكن احداثه الواقعية تدور هنا في تونس، فاحتجاجات المطالبين بالتشغيل تحدث هنا في المكناسي وبوزيان والقصرين، وصرخاتهم ضدّ القمع البوليسي تكاد تتجاوز الشاشة وجدران المقهى لتسمع صداها في ارجاء المكناسي الغاضبة، في الفيلم ينادون بالكرامة وفي حي النور بالقصرين يهتفون بنفس المطالب، فبين السينما والواقع صلة وثيقة و الكاميرا هي صوت المحتجين و المطالبين بحقوقهم تنقلها الكاميرا الى الاخر ليبادلهم نفس الشعور بالرغبة في التحرر والاحتجاج، فيلم «شظايا أحلام» منع في مهرجان بجاية وعرض في المكناسي قلعة النضال.

الصحافة فنّ وحركة احتجاجية
ثوروا، اكتبوا تاريخكم واصنعوا ملحمتكم انحازوا إلى المواطن و الشعب وواجهوا «السيستام» الواحد الأوحد والظالم وان عدل، كونوا صوت المواطن وحقيقته وأوصلوا صوته وأحلامه ودافعوا عنه وعنكم فالحياد لا يعني الخيانة و الموضوعية لا تعني الصمت أمام هنات النظام، قولوا الكلمة الصادقة واكتبوا بمداد القلم كلمات كالرصاص فالصحفي مسؤول عما يكتب وعن توجه القارئ ايضا هكذا يقول فيلم «ضدّ السلطة» لمالك اسماعيل.

فيلم وثائقي عن جريدة الوطن الجزائرية، فيلم يوثّق ليوميات الصحفيين العاملين فيها وفي جميع اقسامها منذ اجتماع هيئة التحرير صباحا الى رحلة العمل الميداني وتقسيم مواضيع العمل الى التفكير العميق في صورة الغلاف ثم المطبعة وصدور العدد الجديد محمّلا بأحلام القراء وهواجس الصحفيين الباحثين عن الحقيقة في نظام يحاول طمس الحقائق.
«الوطن» جريدة معارضة لحكم بوتفليقة، جريدة تكتب بعذابات صحفييها الدؤوبين في البحث عن المعلومة ومحاولة إنصاف المواطن، تصوير الفيلم تزامن مع انتخابات رئاسية «نعرف نتيجتها مسبقا فجميعنا نعلم من الفائز» كما يقول احد الصحفيين، اهتمام بالانتخابات وتركيز على المترشحين الخمسة ومحاولة لتقديم برامجهم الانتخابية والخوض في مصلحة الجزائر قبل مصلحة الأحزاب.

لساعتين من الزمن تتجول الكاميرا في جميع أقسام الجريدة تجالس الصحفيين وتتعمّق معهم في مواضيع البحث وتكشف عن قرب اختلافاتهم في الرأي والفكرة واشتراكهم في أداء الواجب المهني والدفاع عن دور الصحافة الحرة والمستقلة عن الحاكم ومسؤوليه.
ضدّ السلطة فيلم يكشف سيئات السلطة و يعرّي بشاعة الحزب الواحد و الحكم لأعوام وأعوام وتأثيرات ذلك على المشهد السياسي، فيلم يقترب من الصحفي ويعايش بساطة امكانياته المادية مقارنة بدوره جدّ الهام في كل حراك اجتماعي او سياسي تعيشه الدول، فيلم يؤكد قدرة الصحفيين على تغيير الأحداث متى اجتمعوا على فكرة واحدة.
بين المطالبة بالحق في الكرامة والدعوة الى ان تكون الصحافة حرة ومنحازة الى المواطن والوطن لا السياسيين تكون الرحلة، رحلة تنطلق تفاصيلها من الهنا من الواقع لنراها في صورتها النهائية على شاشة بيضاء كبيرة في مقهى شعبي يرتاده مواطنون بسطاء لكنهم جدّ واعين بدورهم في الحراك الاجتماعي وقدرتهم على التغيير.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115