وقد صدق القول.هي توزروس كما سمّاها الرومان تلك الأيقونة وجوهرة الصحراء التي تسلب اللّب والأبصار بهندسة معمارها وآجرها الأصفر بلون الأرض والتراب وامتداد واحاتها الخضراء في الأفق البعيد وخرير عيون مائها العذب الرقراق ...هي مدينة الأحلام التي تهدهد الخيال وتدغدع الذاكرة لتتذكر في كل عصر وأوان أن توزر هي منارة العلم والمعرفة والأدب والشعر... هي بكل بساطة مسقط رأس أبي القاسم الشابي.
40 سنة مرت على بعث مهرجان الدولي للواحات بتوزر ليجدّد على الدوام الموعد مع أرض الإبداع والجمال في باقة متنوعة من العروض ومختلفة الفقرات والضيوف...
توزر مدينة الأحلام على ضفاف الشعر
في الدورة 40 للمهرجان الدولي للواحات، أشرعت توزر أبوابها على مصاريعها ليدخلها زوارها وعشاقها ليكتشفوا سر تلك المدينة المتوسدة للأحلام، الشامخة فوق قمة من الكبرياء، الفواحة بعطر التمور والواحات... فكان افتتاح المهرجان بعروض فرجوية جابت الشوارع احتفاء بالفن ونثرا لورود الفرح في كل مكان.
صهيل الخيول، دقات الطبول، موسيقى الاسطمبالي... أصوات متداخلة وألوان مختلفة لكنها التقت تحت سماء واحدة لتصنع فسيفساء من الفنون تآلفت وتناغمت كما تعايشت الصحراء والواحة، وتجاورت النخلة والبرتقالة في توزر.
وقد غصّت| شوارع المدينة طيلة فترة المهرجان بعدد هام من الزوار الذين واكبوا عروض الفرق الصوفية والفلكلورية سواء من تونس أو من خارجها على غرار ليبيا والجزائر واليابان...وقد توزعت الفقرات التنشيطية والعروض الفرجوية بين ساحة الاستقلال والقبة الضوئية وساحة الفنون لتعيش المدينة على إيقاع الاحتفالات بمهرجانها السنوي الذي تجدد فيه العهد كل
عام مع عشاقها وزوارها وضيوفها...
كما يروّض الفارس الخيل في توزر، يلاعب مروض الأفاعي الكوبرا لتستحيل من أفعى سامة إلى فنانة ترقص وتتمايل على إيقاع الموسيقى ....بل وأيضا إلى قلادة تلتصق في حنو بأعناق كل من رغب في التقاط صورة شجاعة معها.
تلك هي توزر البهيّة التي أنجبت كبار المبدعين النجوم والمشاهير.
«هجيرة الواد»... ملحمة الواحة الخالدة
من وراء كثبان الرمال الممتدة، ومن ثنايا واحات النخيل الساحرة أطلّت عناصر العرض الفرجوي «هجيرة الواد» لتحدّث عن حكاية وجود الإنسان بربوع الجريد. هي ملحمة في التعمير والبناء نحتها الأسلاف والأجداد من العدم ليكمل الأبناء المسار ومقاومة البناء من أجل غريزة البقاء.
«هجيرة الواد» مشهدية حاولت سرد البدايات عن النشأة الأولى وتمثيل مختلف فصول الحياة في توزر. فالنخلة تحوّلت إلى واحة ونبع الماء صار عيونا ورقعة المكان اتسعت وعدد السكان تضاعف وتزايد... حتى صارت بلاد الجريد آية في السحر والجمال ومصدر إبداع وإلهام و مورد رزق وتمر.
هي لوحات فنية تآلفت ضمن سينوغرافيا جمالية من إخراج ابن الجهة علي عبد الوهاب لترسم فوق الرمال وبسعف النخيل الموروث الحضاري والمخزون التراثي للجهة ويقدّم تمثيليات حية عن عاداتها وتقاليدها في الفلاحة والتجارة والزواج...
في العرض المشهدي والفرجوي «هجيرة الواد» رافق المشاهد الحيّة تعليق الرواي على طريقة الشعر الشعبي فأحدث الاستحسان والشجن في آذان الجمهور، ورقص الحضور على إيقاع المزامير والطبول، وتمايلت الأجساد على ألحان الأهازيج الشجيّة...
عند الغروب، أطبقت واحات النخيل عينيها الخضراوين في خفر وحياء، ووّدعت مشهدية «هجيرة الواد» جمهورها وفرسانها على أمل اللقاء بهم من جديد في عرض على ضفاف واحة شامخة في عنان السماء.
«عروس الصحراء»
في حاجة إلى التجميل
هي مدينة التاريخ المديد والعريق، وعاصمة الآجر الأصفر المميز معمارا وهوية، وموطن الأعلام والشعراء والشابي ... لذلك فهي تستحق أكثر مما هو موجود بكثير. بالرغم من أنها أرض الأدب والشعر... تشكو توزر من بنية تحتية ثقافية فقيرة، فهي بلا مركب ثقافي وبلا مسرح صيفي وبلا فضاء ثقافي يتوّفر على المواصفات المطلوبة... ولذلك لم تكن السهرات الفنية التي برمجتها الدورة 40 للمهرجان الدولي للواحات بتوزر بإمضاء كل من أماني السويسي وزهرة لجنف وشيرين اللجمي وريّان يوسف قادرة على الاحتفاظ بالجمهور إلى آخر الحفلات بسبب البرد الشديد في فضاء «الملعب البلدي القديم».
في توزر تراث ثري وآثار وكنوز تحتاج إلى الاهتمام والتثمين والترويج على غرار موقع «شط الجريد» الذي هو في مرشح إلى الإدراج في لائحة التراث العالمي... فهل ستعرف توزروس وجها أجمل يليق بالواحة الفاتنة عروسا للصحراء؟