مسرح الجهات: عرض لمساجين برج الرومي... أبدع فأنت إنسان

غنّ، علّ الصوت، اصرخ بكل قواك انّك حيّ و حرّ وان قيدتك جميع الجدران وأقضت القضبان

الحديدية مضجعك، غنّ وأكتب هواجس الحلم في نوتات موسيقية موجعة حينا ومتمردة حينا آخر غنّ لانّك انسان، غن وأبدع لتتمتع بانسانيتك وتتناسى الجدران التي ستغادرها حتما اقوى محصّنا بالموسيقى و الفنون هكذا غنّى ابناء نادي الموسيقى بسجن برج الرومي.
في اختتام الندوة الدولية حول مناهضة التعذيب بالشراكة بين الادارة العامة للسجون والاصلاح و المنظّمة العالمية لمناهضة التعذيب قدّم عرض موسيقي احياه ابناء نادي الموسيقى بسجن برج الرومي ،بحضور عائلاتهم و المديرين غنّوا وأبدعوا وقدموا للجمهور درسا في حبّ الحياة

من خلف الجدران الى المسرح
من الهناك جاؤوا، من خلف جدران سميكة كانت حصنا عسكريا فرنسيا ثمّ اصبح معتقلا سياسيا اودع فيه الرئيسان السابقان من خالفوهم الراي، تلك الجدان التي لازلت تحوي صرخات من عذّبوا باسم الديمقراطية و الحزب الاوحد ومصلحة الوطن، من خلف تلك الجدران التي اصبح اسمها «حبس برج الرومي» جاؤوا محمّلين بالحب و الامل الذي نشروه في مسرح الجهات في حفل موسيقي كان رائعا، حفل اختلطت فيه دموع السجن بدموع الامل ليكتبوا للحضور درسا في حبّ الحياة.

من الهناك جاؤوا مشحونين بالصبّر، بالحب وبالرغبة في الغناء ونسيان صلابة الجدان وعتمتها، من السجن خرجوا في السيارة العسكرية ووجهتهم هذه المرة مختلفة فهم لن يذهبوا الى المحكمة لسماع الحكم، او حضور حكم الاستئناف او ترحيلهم من سجن الى اخر او من الايقاف الى السجن انّما قبلتهم مكان جميل كراسيه مريحة، حيطانه مزركشة بابهى الرسوم، مكان هواؤه مختلف مكان يملؤه الفن والإبداع وهو مسرح الجهات لمدينة الثقافة، جاؤوا ليغنّوا ليمتعوا الجمهور ويشاركوهم تفاصيل الحرية وهي ليست المرة الاولى التي يغني فيها مساجين برج الرومي في مدينة الثقافة.

على ركح مسرح الجهات كان لقاؤهم بجماهيرهم، لقاء مشحون بالوجع والابتسامة معا، صوت الكمنجة الرقيق يدغدغ خلجات القلب ليفد مباشرة ويخترق مشاعر الحب التي نخفيها، بالراية الوطنية يطل «الفنان السجين» الى جمهوره، ليغني «يا ام السواعد سمر» بصوت جميل واحساس اكثر جمالا نفذ الى قلوب مستمعيه ابكى الكثيرين وصفق له الأخرون، غنّى بطلّ حب للوطن غنّى بإحساس الوليد المفتقد لوالدته فتميّز واقنع جمهور المسرح الجهات.

اختلفت النغمات واغلبها تشترك في اغاني «الزندالي» وهو نوع من الموسيقى التي كتبها مساجين داخل السجن وغنوها وأصبحت جد معروفة ومنها «ارضى علينا يا لميمة» و غيرها، على الرّكح شاب اربعيني مبستم ببدلة زرقاء انيقة يحيى جمهوره كفنان محترف و يشاركهم لحظات الصفاء ويغني «صيد الريم» و «مظلومة يا دنيا»، من السجن أيضا خرجت كلمات والحان جديدة كتبها سجين وأهداها الى والدته، كلمات تتغنى بالام و بلوعة الابتعاد عنها وأخرى موجهة الى الحبيبة، اغان ولدت خلف القضبان لكنّها حرة تعجز الجدران عن كتمها.
في مسرج الجهات ولساعة من الزمن ابدع ابناء نادي الموسيقى بسجن برج الرومي، تميزوا غنّوا شاركوا الجمهور ضحكة صادقة وشاركوا عائلاتهم لحظات من الحب، غنّوا وحلموا فكانت اغانيهم وكلماتهم دليلا الى الحياة ودعوة الى الاخر الى التمسّك بتفاصيل الحلم.

السجن فضاء للثقافة ايضا
تجربة رائدة وفريدة تحسب للمؤسسة السجنية في تونس، تجربة رائدة عربية تندرج في خانة الدفاع عن حقوق الانسان والاعتراف بقدرة السجين على الابداع فهو بشر أخطأ والخطأ لا يعني اقصاءه الكلّي من المجتمع .

خلف القضبان ولدت مجموعة من النوادي الثقافية، اهمّها الموسيقى والمسرح و الشعر و الرسم، فخلف الجدران السميكة هناك مبدعون تعلموا الفنون ليجدوا متنفسا ومنفذا للحلم، وساعدتهم الادارة العامة للسجون و الاصلاح على تحقيق تفاصيل الامل من خلال النوادي الفنية التي يحتضنها فضاء السجن.
جلّ السجون تضمّ نواد فنّية، حتى بات السجناء يتنافسون على الابداع وتقديم الأفضل. المؤسسة السجنية ايضا اصبحت شريكا في التظاهرات الكبرى على غرار ايام قرطاج الموسيقية والمسرحية و السينمائية وبعد ان كان السجناء مجرد مستهلكين للفعل الثقافي باتوا هم من يبدعون ويقدمون انتاجهم الابداعي الى المتفرج خارج اسوار السجن.

التجربة الفنية داخل السجون تنضوي في اطار توجه عام لمؤسسة السجون والاصلاح لإعادة ادماج السجين و تأهيله من خلال النشاط المسرحي والموسيقي والفني عموما حتى لا يكون النزيل مجرد متقبّل سلبي للفعل الثقفي وانما هو المبدع وهو صاحب الفكرة و العمل الذي ينجزه من داخل السجن، تجارب عديدة باتت عنوانا للتميز نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر معرض «الحبس كذاب» لايمن الزوالي في سجن قفصة وهي تجربة في التصوير الفوتوغرافي انجزها مساجين قفصة بعد شهر من التعلّم ليقدموا فكارهم ورؤاهم عبر الكاميرا، كذلك التجربة الرائدة و الاولى فنيا وهي مسرحية «وجيعة» انتاج سجن برج الرومي التي قدمت ضمن ايام قرطاج المسرحية في العام الفارط وكانت تجربة رائدة وممتعة لتعمم هذا

العام وتشارك جميع الوحدات السجنية بأعمال مسرحية ضمن ايام قرطاج المسرحية وتفوز مسرحية «الرجة» سجن قفصة بجائزة افضل عمل في المؤسسة السجنية، نذكر كذلك المجموعة الموسيقية لسجن المرناقية، كذلك المعرض التشكيلي لسجناء المسعدين الذي سيكون في شهر جانفي في رواق القرماسي كذلك السجين الذي خرج بعد 19عام من سجن صفاقس رساما ماهرا وقدم معرضا شخصيا في المركب الثقافي بصفاقس.

تجارب عديدة تشرف عليها المؤسسة السجنية، تجارب ابداعية تحترم الانسان و تشجّع على الابداع وتساند السجين في التمتع بإنسانيته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115