مسرحية «منطقة محظورة» في فضاء التياترو: لأنك امرأة فحقوقك محظورة

الجسد منطقة محظورة، اللغة منطقة محظورة الفكر المختلف عنك منطقة محظورة طريقتك الخاصة في التعبير منطقة

محظورة من طرف الاخر ايّا كان اسمه الدولة أو النظام أو المجتمع منطقة محظورة مسرحية عرضت مساء الاحد في قاعة التياترو، عمل تونسي سويسري وهو تجربة مسرحية حقوقية تدافع عن الحريات الفردية وحقوق الانسان.
«منطقة محظورة» مسرحية تونسية سويسرية نص لسامية عمامي وإضافات اللغة السويسرية لمايا بيتز بالتعاون مع صالح حمودة مدير فضاء مسار والاخراج لبيتر براشلان ، عمل يتعلق بالافكار الجاهزة وكيفية التعامل معها، عمل يكشف عن قبح شعارات «حقوق الانسان» و يقدم صورة عن حقوق المرأة المسلوبة في كلّ المجتمعات، عمل حقوقي يدافع عن المرأة وانسانيتها.

صوت مكبّرات الصوت في المطار ترحّب بالضيوف وترشدهم الى مقاعدهم، الجو العام داخل القاعة يشعرك انك أمام رحلة، رحلة في أغوار المسرح، رحلة اشتركت فيها ممثلتان ترحلان بك إلى عالم حقوق الإنسان و الحريات الفردية والاختلاف.
على الركح او قاعة الانتظار تلك سيدتان، أولى بيضاء البشرة بفستان قصير وملابس عصرية وشعر اشقر جميل تبدو هادئة في جلستها معتدلة القوام، امّا الثانية فسمراء البشرة بطنها منتفخة تلبس جلبابا وحجابا تنزع حذاءها داخل القاعة للراحة، بينهما اختلاف كبير من حيث اللباس وطريقة التصرّف، وبين البياض والسمرة محاولة لتحطيم فكرة عنصرية اللون، اختلاف ظاهري ولكن مع تدرّج الأحداث اتضح أنهما تشتركان في الكثير من الأفكار أولها الدفاع عن حقوق المرأة وحرياتها الفردية واتضح انّ الثانية أكثر علما وثقافة من الأولى.

الأولى لوسيا «ميرات بودامار» تعمل في فندق متجهة إلى فرنسا لمقابلة وظيفية، تحلم بنقود أكثر وملابس أجمل وحريات أكثر، الثانية ليلى تونسية «يسرى عموري» ابنة «الزّهرة» كما سمّت نفسها، محامية متجهة الى المانيا للهروب من واقع فرض عليها واقع ظالم يحصرها في خانة الأنثى وقائمة من الممنوعات واقع العادات والتقاليد والشرف بين «الفخذين» وتجاهل فكرها وطريقة عيشها او ارادتها، محامية تترك البلاد وتهرب فقط لتضمن القليل من الحقوق لابنها المنتظر، غير الشرعي «فهناك في وطني لو ولد الطفل لحمل عار جريمة لم يرتكبها» كما تقول ليلى مخاطبة رفيقة قاعة التحقيق.

حواجز نفسية بين الشخصيتين وصل صداها الى الجمهور، لكلّ منهما طريقة خاصة في التعبير، لوسيا اكثر خوفا بسبب غموض ليلى وحجابها خوف رسخته افكار مسبقة عن «المحجبات الارهابيات» لذلك نجدها متوجسة تجلس على حافة الكرسي.
بعد نزع ليلى للجلباب و الحجاب وعودتها الى هيئتها الطبيعية تتحطم قيود التواصل النظري، ثم تتكلم ليلى الفرنسية حينها تكسر جميع القيود التواصلية وتنطلق كلّ واحدة في سرد حكايتها وأحلامها ورغم اختلافهما الفكري و الطبقي والاجتماعي الا انهما تشتركان في كونهما امرأتان ومدافعتان شرستان عن حقّهما في الحياة.
اختلفت انتماءاتهما وأفكارهما وأحلامهنما لكن غرفة الاستجواب جمعتهماّ في مكان واحد، تلك القاعة الصغيرة كشفت الكثير من القيود تلك القاعة الصغيرة أبرزت بشاعة الأنظمة و سوء العقليات الذكورية في كلّ العالم وكلّ اللغات، قاعة أبرزت الكمّ القاتل من القيود التي تفرض على المرأة منذ ولادتها فكان أنوثتها عبء وجب درؤه وتحمّل وزره الى الممات، كلتاهما تحلم وكلتاهما تريد مواجهة المجتمع والصراخ «انا امرأة سأحطّم كلّ القيود و الحدود».

تمنحينهم الحياة فيمنحونك الظلم لذلك تمردي
المرأة ذالك الكيان المقدس هي من تهب الحياة الى الانسان وهي من تهب الحياة الى الرجل ففي رحمها يتكون ويتغذى ويتكون الجنين وبعد الولادة ترعاه وتحرص ان يكون سيد نفسه وبعدها يواجهها بكلمة «عيب» تلك الكلمة التي تعاني منها المرأة الشرقية مهما بلغت درجات نبوغها ووعيها الاجتماعي و في «منطقة محظورة» تكون ليلى انموذجا عنها.

«منطقة محظورة» مسرحية ثنائية التجسيد تجمع ممثلتين من بلدين مختلفين، عمل سويسري تونسي في إطار التعاون بين مسرح مسار ومسرح مارالام السويسري، مسرحية اعتمدت على تقنيات فيديو متطورة اشرف عليها ميشال ويبر، وسينوغرافيا ممتعة اعتمدت على تقنية تقسيم الركح إلى أجزاء تماما كما الأحداث وأنجزها ستيفان شويندمان، عمل حقوقي يطرح سؤال « ما معنى ان تكوني امرأة؟ وما معنى أن تكون المرأة جزءا من المجتمع من جهة وان تكون في نفس الوقت جزءا من اضطرابات سياسية واجتماعية؟ سؤال تجيب عنه الممثلتان بنص جمع اللغات العربية و الفرنسية و السويسرية و القليل من الالمانية، وتعدد اللغات هو اشارة الى وحدة معاناة النساء على البسيطة و دعوة الى مواصلة دفاعهنّ عن حقوقهن الجماعية والفردية.

الاحداث تدور في قاعة الانتظار في مطار ما، مكان يرمز الى السفر و عدم البقاء في مكان واحد وللسفر في المسرح رمزية الحرية و الانفلات من القيود وكانّ بالعمل يدعو كلّ الجمهور ليتمرد و يطالب بحقوقه جميعها دون أجزاء.
عمل يسلط الضوء على القبح المجتمعي تحديدا العادات و التقاليد التي تصنّف المرأة في درجة اقلّ من الرجل، تصنف حيث العار و «العيب» و الخوف من تلويث الشرف، هنا لا يبالون بعلمها ومعرفتها فقط يهتمون بجسدها لذلك تهرب ليلى الى مكان اخر مكان تولد فيه من جديد لتعيد كتابة حقوقها وتراجع أحداثا عاشتها وتخلق «ليلى اخرى» تكون اشد قوة وتفتك حقها في الحياة ومواجهة المجتمع الذكوري.

جمالية المسرحية في اختلاف جنسيتي الممثلتين فلكل رصيدها المجتمعي والفكري، الممثلة يسرى عموري ابدعت في تقمص شخصية ليلى من خلال قسمات الوجه وتعابيره من خلال عبرات لاحظها المتفرج وانين يشعرك بحقيقة تعايشها يوميا.
السينوغرافيا من نقاط قوّة العمل فبتقنيات فيديو متطورة واضاءه شبه بيضاء كان الموعد مع عرض تونسي سويسري عرض حقوقي يدافع عن حق المرأة في الحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115