متشدد ديني حرّض عليهم في سيدي بوزيد: مسرحيون يتعرضون للاعتداء بذنب الفنّ ؟!

هم أربعة فنّانين من محترفي المسرح وهواته وعشاقه ... انطلقوا في رحلة عشق وعمل إلى ولاية سيدي بوزيد،

زادهم أمل وحلم وركح يجسّدون على خشبته أدوار عرضهم الجديد. في هذه المدينة حطوا الرّحال بعد أن تسوّغوا على وجه الكراء منزلا يقيمون به لمدة محددة ووجيزة تنتهي بانتهاء تمارين مسرحيتهم طور الإنجاز. لكن يبدو أن حلولهم بالمكان وهم دعاة الفنّ والجمال والحياة لم ترق لبعض سكان الحيّ من أتباع الفكر الظلامي فهاجموهم تحت جنح الظلام وألحقوا بهم الضرر الجسدي والأذى النفسي والمعنوي مما هدّد حياتهم و جعلهم قاب قوسين أو أدنى من الموت.
هي ليلة من الهرسلة والرعب والذعر عاشها فنانون من الشبّان بعد أن تم الهجوم عليهم مساء الاثنين 3 ديسمبر 2018 بمقرّ سكناهم ومحاولة اقتحام منزلهم والاعتداء عليهم في عقر دارهم حتى يتركوا المكان الذي لا يسمح بعضهم لأصحاب الفّن أن يقطنوه !

لا مكان للفنانين لأن «الفنّ حرام» !
سامح الطقوقي  وعبد القادر جلالي وأيمن الكشرودي وحسام الدين الزريبي، هم أربعة مسرحيين تنقلوا إلى سيدي بوزيد لإنجاز عمل مسرحي ينبع من نبض الجهات الداخلية وينفض عنها غبار الصمت المقيت. فإذا بهم ينالون كل أصناف التنكيل والتهديد والترهيب.
روى «رئيس جمعية عبور للمسرح» سامح الطقوقي لـ»المغرب» تفاصيل الحادثة كما يلي: في تلك الليلة التي لن تمحى من ذاكرتنا لقسوتها وبشاعتها... عدت أنا وزملائي من حصّة التمرن على أدوار عملنا المسرحي الجديد. وفي حدود العاشرة ليلا تناهت إلى مسامعنا أصوات ضجيج وصراخ، فلم نكترث للأمر كثيرا إلى حين بدأ أحدهم في طرق بابنا بقوة وهو يتوّعد بالنيل منا. ولما أيقنا أنه جارنا في البناية والذي له هيئة وسلوك المتشدد الديني وسبق أن عبر لنا عن انزعاجه منا لأن «الفن حرام»، ارتأينا عدم الرّد عليه اتقاء لشرّه إلا أنه تمادى في تهديده بل وأقدم على محاولة خلع باب منزلنا باستعمال آلة فك المسامير. وما زاد الطين بلّة أن أهل الحيّ اصطفوا وراءه في هجومه علينا ولم يحاولوا منعه. طيلة نصف ساعة كاملة ونحن تحت التهديد نحاول مرارا الاتصال بالشرطة فيحيلوننا على الحرس باعتبار أن المنطقة التي نسكن بها لا تتبعهم وبدوره يعيد الحرس الوطني إحالتنا على الشرطة ولا من مجيب! أمام اقتراب الخطر منّا ومحاصره مجموعات كبيرة العدد لنا لم نجد حلاّ سوى الفرار من شرفة منزلنا بالطابق الثاني. وللأسف سقط زميلنا الفنان عبد القادر جلالي أرضا مغشيا عليه وغارقا في دمائه... ولم نسلم نحن أيضا حتى بعد محاولة فرارنا والاستنجاد بدورية أمن كانت في محيط المكان من الضرب المبرح والرفس بالأرجل في تكتّل مجموعات علينا ونحن فرادى لم نقم بأي ذنب يستحق العقاب سوى أننا فنانون اتبعنا مذهب المسرح وأعلينا راية الفن».

ضرر نفسي وجسدي ومادي بلا جبر
كيف كان تعامل الأمن مع قضية الاعتداء على المسرحيين؟ وما هو مصير المعتدي؟ أجاب محدثنا الفنان سامح الطقوقي الذي كان شاهدا على الأحداث وجزءا منها بعد برهة من الزمن لمحاولة استعادة التوازن واستدعاء الذاكرة بعد ليلة مرعبة ودامية ليقول بتأثر كبير: «جرّاء هذا الاعتداء دون وجه حق في بلد يضمن دستوره حرية الإبداع لحق ضرر جسدي كبير بالفنان عبد القادر جلالي على غرار كدمات على مستوى الجمجمة والقفص الصدري واحتباس الدم على مستوى العين ... أما بقية الضحايا فيعانون من رضوض وكدمات بعد أن حوّل أدعياء الدين الجسد الفنان إلى جسد عليل. وفي مركز الأمن لم يخفت صراخ المعتدي علينا بل بدأ يكيل لنا التهم من قبيل محاولة اقتحام منزله والاعتداء على زوجته المنتقبّة وابنته الصغيرة... وطبعا كل هذه الادّعاءات مجانبة للصواب ومحاولات للنفاذ بجلده من جريمته. اليوم هو طليق وحرّ ونحن نعاني الوجع الجسدي والمرارة النفسية أمام فرضيات كثيرة أحلاها مرّ فالعمل المسرحي الذي ننجزه في اقتباس عن رواية «عربة المجانين» لكارلوس ليسكانو وإخراج وائل حاجي مدعوم من وزارة الشؤون الثقافية ونحن ملزمون بتقديمه في آجال محددة ... الوقت يحاصرنا ولا ندري هل سنقوى على العمل بأجساد ممزقة ألما وضربا !

على إثر الأحداث التي جدّت في اليوم العالمي للمسرح يوم الأحد 25 مارس 2012 وتمّ فيها الاعتداء من قبل مجموعة من السلفيين على مسرحيين وفنانين ومواطنين أمام مقرّ المسرح البلدي بالعاصمة،خلنا أننا ودعنا مثل هذه الممارست المتخلفة والرجعية لكن يبدو أن أعداء الفن والحياة لازالوا حولنا يتربصون بحرية الإبداع . فبعد الاعتداء على المخرج المسرحي نجيب خلف الله بسبب عنوان مسرحية «ألهاكم التكاثر»، هاهم يعيدون الكرة مرة أخرى . فهل من رادع؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115