بهذه الحنجرة الذهبية كان صاحب «الكمون امنيّن يا نانا» يتباهي و يفتخر و يشكر الخالق لأنه وهبه «بحّة» في الصوت صنعت مجده وشهرته وأدخلته عالم الفن من بابه الواسع.
بعد أن رافق الأجيال ونثر أغنيات الفرح في المسرّات والاحتفالات وافتك لقب واحد من أهم رموز الفن الشعبي في تونس... رحل قاسم كافي صباح أمس عن عمر 75 سنة بعد صراع مع المرض وبعد رحلة في الحياة نحتت نجاحها من قهر الفقر ووجع اليتم.
ألقى القدر بقاسم كافي في أربعينات القرن الماضي طفلا بلا سند وقد فقد الأب والأم لتعصف به الرياح وتعبث به المحن... ولكن سنوات العذاب والألم لم تطل كثيرا ففي عمر 12 سنة انتمى قاسم كافي أصيل صفاقس إلى إذاعة صفاقس بعد أن احتضنه الشيخ «محمد بوديّة» فنيّا ولقنّه أصول الطرق الصوفية فاحتّل عنده مكانة الأب الروحي الذي أخذ بيده ووضعه على سكة الفن ودرب الموسيقى.
وبعد أن استقر بتونس العاصمة التحق قاسم كافي بالمجموعة الصوتية للفرقة الوطنية للإذاعة التونسية بقيادة المايسترو الراحل عبد الحميد بن علجية لتنطلق مسيرة النجاح والانتشار الفنّي وذيع الصيت... وهو الذي قدّم حوالي 600 أغنية أداء وتلحينا.
وتطول قائمة الأغاني التي لحنّها قاسم كافي لرموز الأغنية التونسية على غرار عليّة وسلاف وشبيلة راشد وصفوة وزهيرة سالم ونجاة عطية ونوال غشام ونورالدين الباجي...
كانت الحياة هي مدرسة قاسم كافي التي منحته سرّ النجاح فوظفه بذكاء شديد لشق الطريق نحو الشهرة حيث لم يكن عدم مزاولة التعليم عائقا أمه ليكون عصاميا في شق طريقه بثبات ليصبح اسما لامعا في سماء الأغنية التونسية وهو الذي يملك مساحات صوتية بها من الشجن الشيء الكثير ومن «البّحة» بصمة ستحفظ اسم قاسم كافي في الذاكرة إلى الأبد.